بين واشنطن والرياض تحالف في مرحلة حاسمة
19/11/2025
سيرياستيبس :
كتب الاعلامي غالب درويش
قال متخصصون في الشأن الاقتصادي إن المرحلة الحالية تمثل منعطفاً حاسماً في التعاون السعودي - الأميركي، مع انتقال السعودية إلى نموذج اقتصادي جديد قائم على التقنية والتصنيع المتقدم وتوطين سلاسل القيمة.
وأضافوا في تصريحات لـ"اندبندنت عربية" أن هذا التحول يعيد تعريف انخراط الشركات الأميركية في السوق السعودية، ويجعل مواءمة تقنياتها مع توجهات الرياض شرطاً أساسياً لدخول موجة التوسع الصناعي ضمن "رؤية 2030"، مع استعداد غير مسبوق في الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا والصناعات الرقمية.
وأشاروا إلى أن التعاون قادر على إحداث طفرة في القدرات الصناعية المحلية، خصوصاً في الرقائق المتقدمة والتقنيات الحيوية والطاقة النظيفة، مؤكدين أن قوة الرياض تكمن في طاقتها المستقرة وبنيتها التحتية الرقمية المتطورة وقدرتها على استيعاب صناعات ضخمة تخدم الأسواق الإقليمية والعالمية، مع تأسيس سلاسل توريد مرنة تزيد من جاذبية السعودية للشركات الأميركية الباحثة عن شراكات طويلة الأمد.
وبين المتخصصون أن الاتفاقات الأخيرة بين البلدين تعكس استعداداً متزايداً لدى الشركات الأميركية للانخراط في مشاريع التوطين في الذكاء الاصطناعي والصناعات المتقدمة، موضحين أن هذه الشراكات تمكن السعودية من تعزيز استقلاليتها الصناعية عبر نقل التكنولوجيا وبناء قدرات محلية، فيما تستفيد الشركات الأميركية من سوق سريعة النمو تحتاج إلى حلول تقنية مبتكرة.
وأوضحوا أن المستثمر الأميركي يحتاج إلى فهم جوهر النموذج الاقتصادي السعودي الجديد القائم على مشاريع طويلة الأجل وتنويع اقتصادي متسارع ودور إقليمي راسخ، مؤكدين أن الرياض لم تعد سوقاً استهلاكية فقط، بل منصة إنتاج عالمية توفر فرصاً صناعية واسعة وشراكات استراتيجية تدعم بناء صناعات المستقبل.
اتفاقات استراتيجية
شهد اليوم الأول من زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة، إبرام حزمة واسعة من الاتفاقات بين الدولتين، أبرزها اتفاق الدفاع الاستراتيجي، والتعاون في الطاقة النووية السلمية، والشراكة في مجالات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، واستثمارات تصل إلى تريليون دولار.
وتشكل تلك الاتفاقات خطوة مهمة تؤسس لمرحلة جديدة من الشراكة بين الرياض وواشنطن، خصوصاً في مجالات الدفاع والتقنيات المتقدمة والطاقة.
ووافق الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال القمة الأميركية السعودية، على حزمة ضخمة من المبيعات الدفاعية للسعودية، التي تشمل تسليمات مستقبلية لطائرات مقاتلة من طراز F-35، وإبرام اتفاق لتزويد السعودية بنحو 300 دبابة أميركية.
وشملت الاتفاقات التوقيع على الشراكة الاستراتيجية للذكاء الاصطناعي، والبيان المشترك لاستكمال مفاوضات التعاون في الطاقة النووية المدنية، إضافة إلى إطار استراتيجي لتعزيز سلاسل إمداد اليورانيوم والمعادن الحرجة والمغانط الدائمة.
ووقع الجانبان اتفاق تسهيل وتسريع الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة، إلى جانب ترتيبات خاصة بالشراكة المالية والاقتصادية لتعزيز الازدهار، واتفاق للتعاون بين هيئات الأسواق المالية، ومذكرة تفاهم في التعليم والتدريب، ورسائل مشتركة حول معايير سلامة المركبات.
وجرى التوقيع كذلك على اتفاق الدفاع الاستراتيجي الذي يعد محطة رئيسة في مسار العلاقات الممتدة لأكثر من 90 عاماً، ويهدف إلى تعزيز التنسيق الدفاعي ورفع الجاهزية وتطوير القدرات المشتركة، بما يعكس التزام البلدين بدعم الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة.
ثقة واستثمارات
أكد ترمب أن العلاقة الاقتصادية بين الجانبين تقوم على الثقة والاستثمارات المشتركة والنمو المتسارع في القطاعات المستقبلية، مشيراً إلى أن زيارة ولي العهد تمثل فرصة لتعزيز المشاريع الكبرى في التكنولوجيا والطاقة والاستثمار الصناعي.
وأعلن الرئيس الأميركي أن واشنطن والرياض تتجهان نحو رفع مستوى التعاون إلى شراكات اقتصادية أوسع تشمل الصناعات المتقدمة ونقل التقنية والاستثمارات طويلة المدى، مؤكداً أن الاتفاقات التي جرى توقيعها ستولد فرصاً بمليارات الدولارات في مجالات التكنولوجيا المتقدمة وسلاسل الإمداد والصناعات المرتبطة بالاقتصاد الجديد.
وأشار إلى أن التعاون الأميركي - السعودي يشكل محركاً مهماً للنمو، ويوفر مزايا استراتيجية للقطاعين الخاص والعام في البلدين.
احتياجات فعلية
من جانبه، أكد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، خلال لقائه مع ترمب في البيت الأبيض أمس الثلاثاء، أن الاتفاقات المتعلقة بشرائح الذكاء الاصطناعي مع واشنطن تستجيب بالكامل لاحتياجات السعودية الفعلية، وليست بهدف إرضاء الولايات المتحدة أو الرئيس ترمب.
وأوضح ولي العهد السعودي أن الرياض تمتلك طلباً ضخماً على القدرات الحاسوبية، متوقعاً إنفاق نحو 50 مليار دولار على المدى القصير لتأمين استهلاك أشباه الموصلات، مؤكداً أن الشراكة مع واشنطن ستوجه هذه الاستثمارات بطريقة أكثر تركيزاً وفاعلية.
وأشار الأمير محمد بن سلمان إلى أن الاتفاقات المرتقبة مع الولايات المتحدة ستفتح مساراً واسعاً لاستثمارات حقيقية تمتد من عشرات إلى مئات المليارات من الدولارات على المدى الطويل، ضمن قطاعات تشمل الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة والمواد الخام والمعادن الاستراتيجية.
وكشف عن أن إجمالي الاستثمارات السعودية - الأميركية سيصل إلى ما بين 600 مليار دولار وتريليون دولار، مؤكداً أن ما يطرح اليوم هو فرص اقتصادية قائمة على احتياجات السوق السعودية ورؤيتها الاستثمارية طويلة المدى.
منتدى الاستثمار الأميركي - السعودي
وانطلقت اليوم الأربعاء النسخة الثانية من فعاليات منتدى الاستثمار الأميركي - السعودي 2025، في واشنطن بمشاركة القادة وأصحاب الرؤى وصناع التغيير الذين يشكلون مستقبل الاستثمار العالمي، وذلك تزامناً مع زيارة ولي العهد السعودي إلى الولايات المتحدة، وهي الثانية منذ عام 2018.
وتسلط جلسات المنتدى الضوء على قطاع الطاقة وحماية إمدادات الطاقة العالمية، إذ تقود السعودية والولايات المتحدة المستقبل معاً، من تأمين أسواق الطاقة العالمية إلى قيادة التحول نحو مصادر الطاقة المتجددة، وبنيت هذه الشراكة على مبدأ التوازن بين أمن الطاقة اليوم والابتكار المستدام للغد.
ويعمل البلدان على تعزيز المواءمة في ما يتعلق بالمعادن الحيوية التي تعد عنصراً أساسياً في تقنيات الطاقة النظيفة وسلاسل الإمداد المؤمنة للمستقبل.
تحولات اقتصادية نوعية
قال المستشار المالي والرئيس التنفيذي لشركة "الفريق الأول المالية" الدكتور عبدالله باعشن إن الاقتصاد السعودي شهد خلال العقد الماضي تحولات اقتصادية نوعية، بخاصة مع انطلاق "رؤية 2030" التي أسست نموذجاً اقتصادياً جديداً قائماً على التقنية والتصنيع المتقدم.
وأشار باعشن إلى أن هذا التحول أوجد نموذج عمل يرتكز على أساسيات، تمكن أي اقتصاد من الانتقال من مرحلة الاقتصاد الريعي إلى اقتصاد استباقي يواكب التطورات العالمية ويعزز التكامل مع اقتصادات العالم.
وأضاف باعشن أن المرونة في هذا النموذج سمحت بتطوير الموارد البشرية المؤهلة، مستفيداً من خبرات المبتعثين في الولايات المتحدة، مما أسهم في نقل المعرفة والمهارات وتطبيقها في السعودية.
وأوضح أن الاستثمار في القوة البشرية كان ركيزة أساسية لدعم الشراكات الاقتصادية مع الولايات المتحدة، وتحقيق نقلة نوعية في الإنتاجية والقدرة على استيعاب المشاريع الكبرى.
وأشار إلى أن الشراكة السعودية - الأميركية ليست وليدة اليوم، بل تطورت على مدى تسعة عقود من استثمار النفط إلى نقل المعرفة والتبادل التجاري، وبناء حوكمة متكاملة، بما يعزز التلاؤم بين الاقتصادين.
وأضاف أن موقع السعودية الاستراتيجي ومواردها الطبيعية والمالية وبنيتها التحتية الرقمية المتطورة، جعلها منصة جذابة للاستثمارات الأميركية والعالمية، مع تسهيلات تقلل من أخطار التقاضي وتضمن استدامة الشراكات.
وبين باعشن أن السعودية بفضل رؤيتها الاقتصادية والموقع الجغرافي والتحولات السياسية والاقتصادية الإقليمية، أصبحت منصة انطلاق للاستثمارات الأميركية والعالمية، لتتجاوز دورها التقليدي كسوق محلية، ولتصبح لاعباً محورياً في الاقتصاد العالمي، مع قدرة على توسيع تأثيرها في أسواق شرق آسيا وأوروبا وغرب أوروبا.
4 محاور رئيسة
من جانبه قال الرئيس التنفيذي لشركة "فيلا المالية" حمد العليان إن الاتفاقات السعودية - الأميركية يمكن تلخيصها في أربعة محاور رئيسة، تشمل الطاقة النووية والذكاء الاصطناعي والمعادن وتسهيل دخول الشركات الأميركية إلى السوق السعودية.
وأضاف العليان أن وجود مراكز بيانات متطورة في السعودية يعزز من قدرتها على أن تصبح مركزاً عالمياً في قطاع التقنية والبيانات، مشيراً إلى الدور المحوري لهذه البنية التحتية في دعم الابتكار والاستثمارات المستقبلية.
وأشار العليان إلى أن الشراكة الاستراتيجية بين السعودية وأميركا تفتح أبواب الاستثمار الأجنبي أمام بقية الدول، مؤكداً أن التشريعات المنظمة ودعم الحكومة تسهل دخول المستثمرين إلى السوق بسلاسة وكفاءة.
وأضاف العليان أن هذه المبادرات تعكس التزام الرياض بـ"رؤية 2030" لبناء اقتصاد معرفي متنوع وجاذب للاستثمارات العالمية، مع التركيز على تعزيز التعاون الدولي في القطاعات الاستراتيجية الحيوية.
حزمة حوافز الضخمة
أكد المستشار الاقتصادي محمد الشميمري حزمة الحوافز الضخمة وحجم السوق الكبير والاستقرار السياسي والمالي، إضافة إلى الإشراف المباشر من ولي العهد السعودي، مما يجعل السعودية منصة جاذبة للاستثمارات الأميركية.
وأضاف الشميمري أن التحدي الأكبر يكمن في تقديم الرياض كمنصة استثمار عالمية وليس مجرد سوق استهلاكية، مشيراً إلى أن نجاح زيارة ولي العهد السعودي يقاس بنوعية الشراكات وإمكان تطويرها، وقدرة الرياض على إقناع واشنطن بأنها شريك لا غنى عنه في بناء سلاسل التوريد والصناعات المستقبلية، خصوصاً في الذكاء الاصطناعي والطاقة النظيفة.
اندبندنت عربية
المصدر:
http://syriasteps.com/index.php?d=131&id=203667