الواضح أن عملية التخريب ألحقت أضراراً بالمنشأة، أكدت المواقف الرسمية الإيرانية أنها كانت محدودة، في مقابل تقارير أميركية تحدّثت عن تعطيل «نطنز» لمدّة 9 أشهر. على أيّ حال، تؤكّد السوابق، ومعها المرحلة التي بلغها البرنامج النووي الإيراني، وتصميم القيادة في طهران على المُضيّ فيه، أن هذا المسار بلغ مرحلة اللاعودة، وهي حقيقة تدركها إسرائيل بكلّ أجهزتها ومؤسّساتها، لكن ما تحاول فعله هو تأخير البرنامج أو إرباكه أو وضع حدّ معيّن لاستمرار تطوُّره الذي ينطوي على أكثر من بعد علمي واقتصادي وردعي واستراتيجي. في ذلك الاتّجاه، تبلورت العمليات الأمنية والسايبرية كخيار بديل من الخيار العسكري المباشر، الذي ارتدعت عنه إسرائيل والولايات المتحدة تفادياً لنشوب حرب مدمّرة، ونتيجةً لـ ــــ وبالتوازي مع ــــ فشل الضغوط الاقتصادية والسياسية في إجبار إيران على التنازُل عن طموحاتها النووية، فضلاً عن القفزات العلمية التي حَقّقتها الأخيرة، والخطوات التي بادرت إليها في إطار التخفُّف من التزاماتها ردّاً على الحرب الاقتصادية التي تَشنّها الولايات المتحدة عليها. وبالمقارنة مع عمليات الاستهداف السابقة، يمكن القول إن بعضها نجح في إلحاق أضرار بالبرنامج النووي الإيراني، ثَبت أنها لم تكن ذات تأثير جوهري عليه، وما مواصلة إيران تطوير برنامجها، وصولاً إلى ما كشفته قبل يومين من وجود أجهزة توازي قوّتها 50 ضعفاً من قوة الأجهزة القديمة، إلّا دليل على ما تقدّم. هكذا، أُسقطت الرهانات الإسرائيلية، وُوضعت الدول الكبرى، ومعها إسرائيل، على مفترق قرار: إمّا التسليم باستمرار تطوُّر إيران نووياً، أو التوصُّل إلى اتفاق معها يلبّي مطالبها، أو اللجوء إلى خيارات بديلة.
من المتوقّع أن تستخلص إيران العِبر الأمنية من أجل اتّخاذ المزيد من الخطوات التي تُعزّز تحصين برنامجها النووي
على
خطّ موازٍ، تتّضح علاقة حادثة «نطنز» بمفاوضات فيينا. إذ كانت إسرائيل قد
أعربت، بشكل رسمي، عن مخاوفها ممّا قد يؤول إليه هذا المسار لناحية تلبية
مطالب إيران، وهو ما دفع بنيامين نتنياهو إلى التأكيد أن تل أبيب غير
ملزَمة بأيّ اتفاق مع طهران. ومن هنا، يكون الهدف المباشر لتعطيل «نطنز»
محاولة سلب إيران إحدى أهمّ أوراق الضغط التي تملكها على طاولة المفاوضات،
ومنْح الطرفَين الأوروبي والأميركي أوراق ضغط مضادّة، وفي الوقت نفسه
هامشاً للمناورة والمماطلة، وإخراجهما من الحرج الناتج من ضغط الوقت الذي
يتعاظم بفعل استمرار تطوُّر البرنامج النووي الإيراني، على أمل أن يؤدّي
كلّ ذلك إلى قطع الطريق على أيّ اتفاق يؤدّي إلى رفع العقوبات عن إيران.
هذا من الجهة الإسرئيلية، بينما يمكن أن يُعزا نَفيُ واشنطن تورُّطَها في
عملية الاستهداف، من جهة أخرى، إلى محاولتها الاستفادة من سيناريوين: فإذا
أدّى الاستهداف نتائجه المؤمّلة، يمكن الولايات المتحدة، حينها، أن توظّفها
على طاولة المفاوضات؛ وفي حال فشلت العمليّة وترتبت عليها تداعيات، تكون
أميركا قد أمّنت ديمومة التفاوض بالتنصّل أصلاً من الحادثة. وعليه، يصبح
مفهوماً ما أوردته «القناة 12» في التلفزيون الإسرائيلي من أن الأميركيين
«شركاء استخباراتياً وعملياتياً في الخطوات الإسرائيلية، وفي كلّ شيء من
أجل محاولة التأثير على الاتفاق النووي الذي يتبلور. هذه نقطة الانطلاق،
ويجب أن نفهم بأن الكثير ممّا نراه ونسمعه مشتقّ منها». ولا يتعارض وجود
اختلاف جدّي في التقدير والموقف بين إدارة بايدن وإسرائيل حول استراتيجية
التعامُل مع إيران النووية، مع ضرورة وجود تكامُل في الأدوار بينهما، بما
يُلبّي مصالح كلّ منهما.
في هذا الإطار، يجدر التنبيه إلى أن من الصعب
جدّاً التسليم بما يتمّ الترويج له من أن إسرائيل تملك هامشاً واسعاً من
المبادرة العملياتية في قضية وسياق يتّصلان مباشرة بالمصالح الأميركية. ولا
يُغيِّر من حقيقة وجود دور لواشنطن، ما إذا كان مجرّد علم وموافقة
مسبقَين، أو تنسيقاً، أو مشاركة عملياتية. صحيح أن إسرائيل قد تملك هامش
مبادرة في بعض الساحات وفي بعض المحطّات، لكن بالتأكيد ليس في مواجهة
الولايات المتحدة، وبما يؤدّي إلى تداعيات سلبية على استراتيجية الأخيرة.
على أن قادة العدو يحاولون بثّ رسائل مفادها أن لتل أبيب خياراتها
المستقلّة عن واشنطن، إن تمّت العودة إلى الاتفاق النووي ورفْع العقوبات عن
طهران، وهم بذلك يريدون للجميع أن يُصدّقوا بأن تل أبيب تملك الإرادة
والقدرة على مواجهة اتفاق يحظى بإجماع الدول العظمى، بما فيها الولايات
المتّحدة.
المصدر:
http://syriasteps.com/index.php?d=110&id=187238