ضوابط وهوامش على الورق تجافي الحقيقة وترهق المستهلك!
02/06/2020



سيرياستيبس:

يبدو أن مسألة الارتفاع المتواتر لأسعار السلع والمواد في الأسواق مع ارتفاع أسعار الصرف، بالتوازي مع عدم وجود أية زيادة تُذكر على نفقات الشحن والنقل، أشبه ما تكون بحنكة تجارية، فدورة رأس المال في السوق عادت بأرباح مضاعفة في ظل غياب المساءلة المباشرة، وجعلت مجموعة تجار يتحكمون بالأسواق لجهة انسياب السلع والخلل في آلية العرض والطلب!

وهذا يدفعنا إلى تساؤلات عدة أبرزها: ما سبب النمو التصاعدي في أسعار السلع والمواد في ظل غياب المسبّبات؟ وأين دور المرجعيات التموينية؟ وكيف تنظر مديرية حماية المستهلك لهذا الأداء؟ وماذا تقول نقابة المهندسين الزراعيين؟ فهل القضية حنكة تجارية كما يرى خبراء الاقتصاد؟.

مع بدايات الحرب على بلدنا، كان متوسط الراتب لموظفي الدرجة الأولى نحو 30 ألف ليرة، واليوم بعد مضي عشر سنوات من عمر هذه الحرب التي تراجعت فيها قدرة الراتب الشرائية بشكل ملحوظ، فمن كان راتبه آنذاك 30 ألفاً أصبح نحو 60 ألف ليرة، لنكتشف أن الأسعار تضاعفت على أرض الواقع أكثر من 10 أضعاف، ولنجد أن دخل المواطن الشهري ازداد ضعفاً واحداً فقط.‏‏ وكلما حاول المستهلك إبداء بعض الامتعاض من الأسعار أمام أصغر بائع بقالية، وخاصة على السلع اليومية من خضار وفواكه، يبادرك البقال بالقول: سعر البطاطا والبندورة بـ 500 ليرة يعني 30 ليرة قبل الأزمة، وكأنه لم يتغيّر على المستهلكين أي شيء مما حصل من جنون في الأسعار فاق الوصف، ففي كل أسبوعين تقريباً، أو أقل، هناك أسعار جديدة يفرضها تجار السوق، والمستهلك مضطر للرضوخ، فهو لا يستطيع الاستغناء عن قوته اليومي وخاصة المتطلبات الأساسية المتعلقة بالخضار والفواكه. حتى الأخيرة صار البعض يعتبرها من المحرمات في كثير من الأيام علَهم يعدلون كفة الارتفاع السعري! ‏‏

شجون‏‏

تستهلك أسعار الخضار والفواكه أكثر من نصف الدخل الشهري للمواطن، ومازالت تشهد ارتفاعات سعرية شبه أسبوعية وأصبحت وفق الكثير من المستهلكين من الكماليات، يمرّ من جانبها المواطن مرور الكرام ويكتفي بإبداء إعجابه بها دون أن يقربها في الواقع العملي، وإذا ما اضطر لشراء بعض أصنافها أمام إلحاح أولاده الصغار فسينكسر مصروفه الشهري لا محالة.‏‏

 

‏‏ونتساءل هنا: هل هي شماعة الأزمة التي بات يستخدمها الكبير والصغير لتبرير الارتفاعات الصاروخية بالأسعار، أم أن هناك أسباباً حقيقية أخرى لارتفاع أسعار الخضار والفواكه وسواها، خاصة وأن الخضار والفواكه سلع لا يمكن الاستغناء عنها كونها أساسية لكل بيت؟. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الأسعار تتفاوت بين بائع وآخر ومن سوق لأخرى، فالبعض يقنع بهامش ربح بسيط، والأكثرية لا يعيرون هذه الهوامش أي اعتبار، حتى من كان يقنع بالخضار والفواكه البائتة نظراً لأن أسعارها كانت سابقاً تنخفض في اليوم التالي بشكل كبير، بات الباعة لا ينقصون سعرها ليرة واحدة في هذه الأيام حتى ولو بقيت لديهم أياماً عدة!.

بائع جملة للخضار في سوق الهال اعتبر أن أسباب ارتفاع الأسعار يعود بالدرجة الأولى لارتفاع سعر الصرف وقلّة الإنتاج وارتفاع تكاليف النقل، فالعديد من المحافظات إما انخفض إنتاجها وإما تلاشى بسبب ظروف الحرب التي نعيش مراراتها على مدى عشر سنوات،‏ ولم يخفِ بائع الجملة وجود أسباب أخرى تضاف إلى كل سلعة تدخل وتخرج من سوق الهال، ويتبعها إضافات لما يتمّ نقله للأسواق الفرعية، ما يضاعف سعر تكلفة الخضار والفواكه 4-5 مرات إن لم يكن أكثر، وكذلك الحال بالنسبة لباقي السلع.

أحد باعة المفرق للخضار والفواكه اعتبر أن مسألة النقل من السوق المركزي لباقي الأسواق مريرة وهناك استغلال واضح من كل الأطراف.‏‏ وعن تباين أسعاره مع أسعار جاره الذي يعاني الظروف نفسها باعتبار المصدر واحداً، تذرّع بأن جودة المواد تختلف من بائع لآخر، مع الإشارة هنا إلى أن ما وجدناه مختلفاً من بائع لآخر سببه الجشع، فالبعض يكتفي بربح مقداره 10 ليرات، في حين أن البعض الآخر لا يرضى أقل من 100 ليرة!!

مدير حماية المستهلك بوزارة التجارة علي الخطيب طالب بوضع ضوابط وهوامش سعرية على أرض الواقع وليس على الورق فقط، ابتداء من السوق المركزي وصولاً إلى أصغر بائع مفرق، مشيراً إلى أن هناك إمكانيات لضبط التلاعب بالأسعار لدى الجهات المعنية دون أدنى شك، ولفت إلى أن الانتشار الواسع لبائعي الخضار والفواكه في السنوات القليلة المنصرمة يتطلّب ضبط عملهم دون التذرّع بشماعة الأزمة.‏‏

تشخيص السبب‏‏

رئيس اتحاد فلاحي دمشق محمد خلوف وضع النقاط على الحروف من جهة تشخيص أسباب ارتفاع أسعار الخضار والفواكه، فمن خلال مقارنة بسيطة قام بها رأى أنه في حال مقارنة الأسعار بالتضخم الحاصل لن نجدها مرتفعة، لكنها كذلك بالتأكيد مقارنة بدخل المستهلك المتدني. وأشار خلوف إلى أن معظم المزارعين يتعرضون لخسائر كبيرة رغم ارتفاع سعر الخضار، وذلك بسبب التكاليف العالية للإنتاج والنقل وأسعار الأسمدة وهي مجتمعة أدت لارتفاع الأسعار بشكل جنوني، وأكد أن الدخل الشهري للمستهلك لم يتمّ رفعه بما يتوازى مع التضخم الحاصل، لذا نجد أن معظم أسعار الخضار والفواكه وبقية السلع الغذائية مرتفعة أمام تدني الدخل الشهري بشكل كبير، مع وجود أسباب أخرى تتعلق باختلاف وتباين الأسعار بين بائع وآخر وسوق وأخرى، كون التكاليف تختلف كثيراً وخاصة فيما يتعلق بالنقل.‏‏

غياب الإرادة‏‏

يرى الدكتور علي كنعان من كلية الاقتصاد بجامعة دمشق أن القضية هي حنكة تجارية، لأن دورة رأس المال ضمن السوق –كما أسلفنا – إن عادت بأرباح مضاعفة في ظل غياب المساءلة المباشرة، تجعل السلعة بيد تاجر واحد أو اثنين استطاعا الانفراد بالسوق، فغابت معايير التنافس السعري ما حقّق لهذا التاجر أو ذاك أرباحاً طائلة خلال أشهر كان يحتاج لثلاث سنوات على الأقل لجنيها، ومن خلال عملية العرض والطلب يتمّ إيقاف تدفق سلعة يحتاجها السوق ضمن فترة زمنية معينة، ولأن المستهلك بات مغلوباً على أمره فهو يحتاج لهذه السلعة أو تلك مهما غلا ثمنها، لأن عملية تجويع السوق لفترة قصيرة تجعل كلاً من التاجر الصغير وصولاً للمستهلك يخضعان للائحة السعرية الجديدة‏، مشيراً إلى أن ارتفاع الأسعار خلال الأشهر السبعة الماضية لا يبرره غلاء الوقود وندرته ولا النقل ولا تذبذب أسعار الصرف، لأنها منذ ذلك التاريخ ثابتة لم تتغيّر!.

ويرى كنعان أنه لابد من توافر أمر واحد فقط لمعالجة مشكلة حمّى ارتفاع الأسعار تتمثّل بالإرادة الرامية لإيجاد فرق عمل من الجهات المعنية لديها السلطة والإرادة لاستئصال هذا المرض الخطير من جذوره.

البعث

 



المصدر:
http://syriasteps.com/index.php?d=128&id=182968

Copyright © 2006 Syria Steps, All rights reserved - Powered by Platinum Inc