خواطر في مسألة: الاستثمار..!
13/01/2020



سيرياستيبس :

د. سعـد بساطة:

قبل الأزمة: دأبت عـلى القيام برحلات مكوكية أسبوعـية لدمشق: على مدى شهور… لصياغـة قانون استثمار جديد مع هيئة الاستثمار؛ حيث جلس حول الطاولة المستديرة ممثلو الوزارات المختلفة؛ ومن الطبيعي أن يقوم كلٌ منهم بجر اللحاف لصوبه.. والبحث عـن مصالح الوزارة التي يمثلها..

لمست أموراً مفيدة (وطريفة في آن واحد) في الحوارات التي دارت (والتي تحوّل بعـضها إلى مجادلة عـقيمة)!

لاننسى أن الهدف من الاستثمار هو توفير الخدمات والسلع للمواطن؛ خلق فرص عمل وتقليل نسبة البطالة؛ توفير التخصصات المختلفة من الفنيين والإداريين والعمالة الماهرة؛ تصدير الفائض من السلع والخدمات للخارج ما يوفر العملات الأجنبية.

دعـوني ألخـّص النقاط الأساسية ضمن نقاشاتنا الطويلة:

– المستثمر ليس مؤسسة خيرية؛ هو يبحث عـن الأفضل للمبلغ المستثمر.

– إذا لم تضع الدولة أولويات؛ فستتحول المشروعـات كلها إلى «قلي» وتعـبئة البطاطا «تشيبس» (قال كلينتون عـن دول المنطقة إنها سباقة في هذا المجال؛ في حين دول جنوب آسيا صارت رائدة في صنع التشيبس الإلكترونية micro Chips!)!

– إن لم تحدد الدولة مناطق تفضيلية للاستثمار؛ فسيتراكض الكل لأطراف العـاصمة (التي هي مزدحمة للتو).

– موضوع الإعـفاءات الضريبية لم يعـد جذاباً (لا أنكر فائدته) ؛ لكنه لايحل محل بنود أهم للمستثمر الأجنبي مثل حياد القضاء.

– موضوع لجان تحكيم فنية وحيادية تحل مكان القضاء التقليدي؛ الذي قد يستمر تأجيل القضية فيه عشر سنوات؛ أمر حيوي.

– سرعة ترخيص المشروع مهمة جداً.

– لانزال مهملين للفضلات الناتجـة عـن أي مشروع صناعـي عـلى البيئة الحاضنة؛ الذي يمكن أن تتأتى عـنه خسائر لايمكن تعـويضها – للأجيال القادمة-.

– كان إصرار وزارة العـمل عـلى استخدام جل عـمالة المشروع من السوريين؛ والآن: في ظل اختلال الخزان العـمالي لدينا لأسباب لن أتطرق لتفصيلاتها؛ فيفترض التساهل هنا؛ واستغـلال العـمالة القادمة مع مشاريع ماوراء البحار؛ لتدريب البقية من عـمالتنا؛ فالقرن 21 لم يعـد فيه مكان للعمالة الرخيصة؛ بل الماهرة؛ ذات الإنتاجية المرتفعـة.

– الطاقة لم تعـد رخيصة كما في الماضي؛ وليست متاحة كالسابق؛ فالمشروعـات الخضراء/ذات الاستهلاك المحدود من حوامل الطاقة: محبـّذة جداً.

– ضرورة توافق المشروع مع الخطط الخمسية للدولة؛ فما معـنى مشروع ينتج مواد كمالية؛ بينما اهتمام الدولة بالأمـن الغـذائي مثلاً!

– توافر الحد المقبول من البنى التحتية (نقل- طاقة – مياه، إلخ)!

– تركت هذا للأخير عمداً: الفسااااد (وتحته خطوط حمراء)؛ لا أن يزيد فاسد –مثلاً- مؤونة المشروع من المواد المحصورة (كوتا)؛ ثم يفرض نفسه شريكاً باقتسام مرابحها!

– سهولة الانسحاب من المشروع: لا أن تستغـرق سنوات ومعـاملات وإجراءات!

– توافر إمكانات تحويل العـملة من/ وإلى، (أذكر لوفتهانزا: الطيران الألماني أنشأت محطة في دمشق؛ ولمست أرباحاً ممتازة؛ فزادت بمحطة حلب؛ وتراكمت الأرباح؛ ومنعتها الدولة من تحويلها للخارج؛ فتساءلت ماتفعل بها؛ وجاءتها الإجابة: فندق للمسافرين؛ وتكرر السؤال حول التعـامل مع السيولة لدى تراكم الأرباح.. والجواب التقليدي: مطعم..ولما أيقنت أن ّ الدولة لن تسمح لها بإخراج أموالها؛ أغـلقت كل مشاريعها في سورية؛ وانسحبت لاتلوي عـلى شيء!)!

تساؤل: هل من الضروري حتى تبدأ استثمارك أن يكون لديك مقر لعملك يلائم من حيث المستوى ما ترغب أن تكون عليه؟. هذه المقولة غير دقيقة إذا قرأنا لائحة العظماء؛ فالطريف أنهم جميعاً كانوا من أفضل المستثمرين، وفي الوقت نفسه فقد بدؤوا استثماراتهم في مرآب بسيط للسيارات: هنري فورد صاحب ومؤسس شركة فورد للسيارات قام بالبدء في تجاربه الأولى على السيارات في كراج صديق له في ولاية يديت رويت الأمريكية. والت ديزني أيضاً بدأ رسوماته الكاريكاتورية في ولاية كاليفورنيا، وبالتحديد في لوس أنجلوس في كراج بيت عمه، وهو المكان نفسه الذي بدأ فيه تصوير أفلامه الكرتونية، ستيف جوبز، وستيفين وزيناك أيضاً بدأا العمل، وأنشأا شركة أبل الأشهر عالمياً في مجال الكمبيوتر في الكراج الخاص بستيف، صاحبا ومؤسسا شركة هيولت باكار الشهيرة بدأا عملهما في إنشاء شركتهما في كراج للسيارات قاما باستئجاره في منزل رقم 237 في أديسون أفنيو؛ حيث استأجرا الكراج وأسسا الشركة، ولم يكونا قد قررا بعد ماذا سيعملان، ولكنهما وجدا أنه من الجميل والطريف أن تكون لديك شركة.

كون الأرقام تعـبـّر، دعـونا نرى دول العـالم الأعـلى بجذب الاستثمارات – بمليارات $- (الصين 128- هونغ كونغ 103- أمريكا 92- بريطانيا 72- سنغافورة 67- البرازيل 62- كندا 54- أستراليا 52- الهند 34- هولندا 30- تشيلي 23- إسبانيا 22). وبالنسبة للعـرب (الإمارات 9- مصر 8- السعـودية 7- لبنان 2.5- المغـرب 2.3- الجزائر 1.6- الأردن 1.5- السودان 1).

قد يستعـظم لبعـض كل هذه البنود المشروطة، وأنا أكرر بمعـرض التفسير قولاً للأمريكي تيودور روزفلت «الخطط الجيدة لاتضمن النجاح ولكن الخطط السيئة وصفة مؤكدة للفشل».

تشرين



المصدر:
http://syriasteps.com/index.php?d=131&id=178585

Copyright © 2006 Syria Steps, All rights reserved - Powered by Platinum Inc