على عكسنا جميعاً: سدودنا بخير تقريباً
70 الف هكتار خرجت من الخارطة الزراعية... عنفات تشرين تنتج 250 ميغا وأصلح نصف عنفات سد الفرات



  

سيرياستيبس

تحقيق مروة ياسين :

فلاح يضرب بمعوله الأرض.. وآخر يجني محصوله.. ومياه تسير بلا تلكؤ.. مشاهد اعتادت جماهير التلفزيون السوري رؤيتها في بدايات القرن الحالي من خلال برنامج "في رحاب الجزيرة"، فتطمئن أنفسهم دون قلق على خبز غدهم.

لم يتوقع أحد أن رحاب الجزيرة التي تغنينا طويلاً بخضرتها ومائها ستفقد الاثنين معاً، بالإضافة لفلاحيها أيضاً، لتبقى الأرض فاتحة فمها المتشقق نحو السماء طلباً للنجدة.

المياه ثروة إقليمية تقوم عليها الحضارات وتقوم لأجلها حروب، ومن أهم ما تفعله دول العالم للحفاظ على أمنها المائي هو إنشاء السدود على الأنهار التي تعبر أراضيها، إضافة للاستفادة من المحطات الكهرومائية التي تقام معها، إلا أن هذه السدود مشروطة بقوانين دولية فلا تقام بشكل عشوائي في حال كان النهر يمر بأكثر من بلد، مثل أنهار النيل والفرات ودجلة، فلا يسمح لأي دولة إقامة سد على النهر إلا في حال موافقة جميع الدول التي يمر منها النهر لأن إقامة السد ستؤثر على حصة الدول الأخرى منه.

يبلغ عدد السدود في سوريا 163 سداً، تنقسم لـ 160 منشأة بهدف الري ودرء الفيضانات، ومنها للسياحة مثل سد زرزر، ويشرف على هذه السدود "الهيئة العامة للموارد المائية" ويبلغ إجمالي تخزينها 3 مليار متر مكعب، أما السدود الثلاثة المتبقية فهي سدود نهر الفرات الثلاثة الكبرى، وتشرف عليها "مؤسسة نهر الفرات" في حلب، ويبلغ إجمالي تخزين هذه السدود 16 مليار متر مكعب.

سدود الري

يوضح المعاون الفني لمدير عام الهيئة العامة للموارد المائية، د. باسل كمال الدين، في حديث له مع جريدة "الأيام"، حقيقة تعرض الكثير من السدود للتخريب الممنهج، مثل سد الرقاد في القنيطرة، سد العمدان، سدود درعا، سد السحم الجولان.. حيث طال التخريب جسم السد، إلا "أننا اتخذنا الإجراءات الفنية اللازمة حتى لا تؤثر أكثر على السدود، ولكن جميعها بحاجة لإعادة تأهيل".

ويوضح د. كمال الدين بأن عملية إعادة تأهيل السدود تحتاج لتخصيص مورد مالي من ميزانية إعادة الإعمار، لأن "ما قمنا به هو مجرد إجراءات إسعافية، ففي درعا مثلاً جميع محطات الضخ دُمرت".

أما عن المشاريع الحكومية المقامة على سدود الري، فبحسب د. باسل كمال الدين، تبلغ المساحات المروية التي تغذيها سدود الهيئة 180،000 هكتار من أصل 250،000 كانت تغذيها قبل الحرب، مما يعني خسارة 70،000 هكتار من الأراضي المروية سابقاً.

جدول بسدود الري، والمساحات المروية من المشاريع الحكومية

المحافظة

عدد السدود

التخزين التصميم

المساحات المروية

الحسكة

12

1054.19

20،975

حلب

7

225.86

7،748 من سد 17 نيسان

91،756 من سدود الفرات

حماة

27

479.85

68،014

حمص

35

406.06

13،861

اللاذقية

14

366.45

40،844

طرطوس

4

116.66

15،151

درعا

16

96.59

10،150

القنيطرة

6

83.38

1،305

السويداء

20

68.54

1،385

ريف دمشق

7

9.5

سدود لدرء الفيضانات والسياحة

دير الزور

4

13.916

40،610

الرقة

1

0.64

108،367 مستصلحة من الفرات

إدلب

7

22.18

لا يوجد معلومات

المجموع

160

2.943 م.م3

412،418 ألف هكتار

 

سدود نهر الفرات

"السدود الثلاثة تحت السيطرة، نحن لم نترك الإشراف على وضعها حتى ولو بشكل خفي"، بهذه الكلمات بدأ د. غياث اليوسف مدير "مؤسسة نهر الفرات" حديثه عن أوضاع سدود نهر الفرات خلال الحرب، فـ "سد الفرات كان متوقفاً بالكامل نتيجة أعمال التخريب إلا أننا تمكنا بكوادرنا من إصلاح أربع عنفات من أصل ثمانية، وبهذا يجب أن يكون الإنتاج الكهربائي 440 ميغا واط إلا أننا ننتج تقريباً 350 ميغا واط فقط، على عكس سد تشرين الذي لم يتعرض للتخريب وعنفاته الست تعمل بطاقة 105 ميغا واط للعنفة الواحدة، إلا أنه ينتج حالياً 250 ميغا واط فقط.

يشرح د. اليوسف سبب الإنتاج الكهربائي المنخفض لسد تشرين بقوله: "صحيح أن الإنتاج الأعظمي 630 ميغا واط، إلا أن أمر توليد الكهرباء خاضع لموضوع المياه، فعندما تتوفر كميات مياه كبيرة نولد كهرباء، أما عندما تكون كميات المياه قليلة نخفف الكميات المولدة، فتوليدنا في سد تشرين بحدود 250 ميغا واط، ولأن بحيرته صغيرة فتشغيل الـ 6 مجموعات خلال يومين تكون البحيرة فرغت، ونحن نعمل على الحفاظ على وضع المياه بحيث نستفيد من المياه الزائدة التي تصلنا، فنحن نولد الكهرباء من المياه الزائدة التي تصلنا، لنحافظ على منسوب ماء دائم في البحيرات، ذلك لأننا نهتم بموضع المياه أكثر من الكهرباء".

أما سد البعث فبحسب مدير "مؤسسة نهر الفرات" تعمل فيه عنفتان من أصل ثلاثة، لأن الثالثة تعرضت للتخريب ويبلغ إنتاج السد من الكهرباء 40 ميغا واط في الوقت الذي يبلغ فيه إنتاجه الأعظمي 81 ميغا واط.

ويشير د. اليوسف إلى أن المحطات الكهرومائية لسدود نهر الفرات تضع توليدها على الشبكة ومؤسسة نقل الطاقة في دمشق هي من توزع الكهرباء، ولكن فعلياً نحن نغذي حالياً من طاقة السدود المنطقة الشرقية والشمالية الشرقية بالكامل، كما تُغذى من السدود كل من حلب ومسكنة، منبج، عين العرب، الرقة وريف الرقة، والحسكة.

جدول بسدود نهر الفرات وإنتاجها الكهربائي

 

السد

عدد العنفات الإجمالي

عدد العنفات العاملة

التخزين الأعظمي

الإنتاج الكهربائي الأعظمي

الإنتاج الحالي

الفرات

8

4

14 مليار م3

880 ميغا واط

350 ميغا واط

تشرين

6

6

1،9 مليار م3

630 ميغا واط

250 ميغا واط

البعث

3

2

90 مليون م3

81 ميغا واط

40 ميغا واط

 

 

 

 

1،592 ميغا واط

640 ميغا واط

 

حجم الخسائر في سدود نهر الفرات

سألنا مدير مؤسسة نهر الفرات عن خسائر السدود الثلاثة، وما إذا كان يوجد دراسة تقديرية لحجم هذه الخسائر؟ فأجاب:

لا يوجد، لأن الخسائر كبيرة ولا نستطيع وضع أرقام لهذه الخسائر.

ــ وما هي تكلفة الإصلاحات التي قمتم بها للسدود؟

·لا يوجد أرقام ولا نريد الدخول في نقاش الأرقام والتقديرات المالية "شايفة الأمور كيف".

أما الخسائر الكهربائية، فإن إنتاج السدود الإجمالي قد انخفض نتيجة لسببين، الأول هو أعمال التخريب، والثاني هو نقص تدفق الماء من تركيا باتجاه سوريا، وكلاهما أسفر عن خسارة 950 ميغاواط أي ما يقارب الـ 59% من كهرباء السدود.

مشاريع الإصلاح الزراعي

يقول د.غياث اليوسف: "يقام على سدود نهر الفرات مشاريع إرواء الفرات الأوسط والأعلى والأدنى، ويوجد قنوات جر تغذي محطات ضخ موجودة على نهر الفرات مثل محطة البليخ، محطة البابيري، محطة الضخ المشتركة، المحطة اليابانية.. كلها تأخذ من نهر الفرات، وتضخ باتجاه الأراضي الزراعية المستصلحة بالمنطقة بشكل كامل مثل مسكنة، ومسكنة شرق، ومسكنة غرب، وسهول حلب، ودير الزور".

أما مساحات الأراضي المستصلحة فلا تملك مؤسسة نهر الفرات أرقاماً دقيقة، ولكن يقدر د.اليوسف بأنها كانت 600 ألف هكتار مروية قبل الأزمة، أما الآن فمسكنة شرق، مثلاً، قسم كبير منها غير مروي، وسهول دير الزور لا نعرف كم المساحات المروية منها، بالرقة لا نعرف إذا كانت تروى بشكل منظم ومعتمد عند الدولة أم لا.

الدكتور باسل كمال الدين، مدير الهيئة العامة للموارد المائية، ذكر لنا أرقاماً تقديرية تشير إلى أن المساحات المروية من قبل المشاريع الحكومية قبل الحرب كانت نحو 500،00 هكتار مقسمة بين سدود الفرات وسدود الري.

وقد تواصلنا مع "مؤسسة استصلاح الأراضي" للحصول على أرقام دقيقة للمساحات المروية بالمشاريع الحكومية، قبل وبعد الحرب، إلا أنها لم تستجب.

السدود آمنة.. ولكن!

كانت وسائل إعلام مختلفة قد تحدثت عن ضرر أصاب جسم سد الفرات سببه تفجير نفذه "تنظيم داعش" إضافة لمحاولاته تعطيل العنفات عن طريق إطلاق الرصاص عليها قبل خروجه من المنطقة، بل أن وسيلة إعلامية نشرت فيديوهات عام 2018 عن عمل الورش حول سد البعث لترميم الأنفاق المحفورة حول جسم السد والتي كانت تنذر بخطر انهياره.

غير أن مدير مؤسسة نهر الفرات يؤكد بحسم: "الحرب التي مرت على المناطق المحيطة لم تؤثر على بنية السدود".

من جهة أخرى، تحتاج السدود من الناحية الفنية إلى صيانة دورية، وفقاً لطاقة تحملها وطبيعة التربة التي أنشئت عليها، والاهتزازات التي حصلت قربها، سواء كانت طبيعية أو أثناء الحرب، بالوقت الذي تفتقر معظمها إلى نظام للإنذار المبكر، وتجهيز الخطط المحكمة للإجلاء والإغاثة للمناطق المأهولة القريبة من السدود في حال حصول انهيار مفاجئ، وإعداد خرائط خاصة بأماكن الحماية والإيواء لهؤلاء الناس، وغير ذلك مما يساعد على إدارة الأزمة بكفاءة وفاعلية وقت حدوثها والحد من الخسائر المتوقعة.

وقد سبق لمصدر في "وزارة الموارد المائية"، رفض ذكر اسمه، أن حذر في منتصف العام الماضي من المخاطر التي تنتظر سوريا نتيجة الإهمال الذي طال قطاع السدود خلال سنوات الحرب.

المصدر هذا اعتبر أن الخطر الأكبر هو أننا لا زلنا إلى اليوم نتعامل وفقاً للطاقة الاستيعابية لتلك السدود بحالتها الطبيعية، وقبل تعرضها لتصدع نتيجة الهزات الناتجة عن العمليات العسكرية التي حدثت في محيط السد أو بالقرب منه، وبالتالي هناك قدرة تخزينية جديدة للسدود يجب أن يتم اعتمادها.

بحسب مدير مؤسسة نهر الفرات، فإن بحيرة سد الفرات ممتلئة بمقدار 13.9، أي أنها تقريباً بحالة امتلائها الأعظمي، وعند سؤالنا له عن ضرورة اعتماد طاقة استيعابية جديدة للسدود تجنباً لتأثيرات الحروب، جاء الرد: "لا يوجد دراسة لوضع طاقة استيعابية جديدة لأن السدود وضعها ممتاز وجميعها تعمل بطاقتها الاستيعابية العظمى

مشروع غاب التركي

مشروع جنوب شرق الأناضول، يعرف اختصاراً باسم GAP، وهو مشروع تنموي اقتصادي لمنطقة جنوب شرق الأناضول في تركيا، وإحداها "سد أتاتورك" هو واحد من سبعة سدود تركية على مجرى نهر الفرات وتجمع بحيرته 50 مليار م3 من المياه، ويساهم في توليد 2400 ميغا واط، "أتاتورك" هو السد التركي الأكبر إلى الآن، ويليه "سد إليسو" على نهر دجلة الذي يتم ملء خزانه المائي الآن.

هو مشروع يهدف إلى توسيع الرقعة الزراعية وتوليد الكهرباء عبر بناء 21 سداً ونفقاً على مجريي نهري الفرات ودجلة.

وعن تأثير مشاريع تركيا المائية سلباً على كميات المياه المتدفقة نحو سوريا، قال مدير مؤسسة نهر الفرات "بالتأكيد السدود التركية أثرت على تدفق الماء لسوريا والعراق، ولكن السدود عندهم الآن بحالة امتلاء، ومع موسم الأمطار هم الآن مجبرون على فتح السد وتمرير المياه لنا".

ويوجد اتفاقية سابقة بين سوريا وتركيا تنص على تمرير 500 متر مكعب بالثانية يفترض أن تمرر يومياً، وهي مقسومة بنسبة 58% للعراق، و42% لسوريا، ولكن في بعض الفترات لا تعطينا تركيا 200 متر مكعب بالثانية، خصوصاً خلال فترات الجفاف في فصل الصيف، حيث تقل إلى حد كبير الكثافة المائية الواردة من تركيا.

وعندما سألنا د. غياث اليوسف عن الإجراءات التي يمكن اتخاذها، أجاب: "هناك بروتوكول معتمد حسب مذكرة التفاهم".

يورد الدكتور في القانون الدولي للمياه، مساعد عبد العاطي شتوي، في دراسته عن "الضوابط القانونية الحاكمة لإنشاء المشروعات المائية على الأنهار الدولية"، المبادئ القانونية التي يجب إتباعها من قبل الدول النهرية عند تدشين وبناء تلك المشروعات، وذلك بقصد تحقيق الاستخدام الأمثل والمنصف لصالح دول الحوض المشترك، وفي الوقت ذاته منع نشوب المنازعات الدولية بينها.

وتقسم الضوابط إلى قسمين:

أولاً. ضوابط قانونية وتتضمن مبدأين: 1. مبدأ عدم الإضرار، 2. مبدأ حماية البيئة النهرية.

ثانياً. الضوابط الإجرائية لإقامة المشروعات المائية: 1. الإخطار المسبق 2. تسوية المنازعات النهرية بالطرق السلمية.

وهنا ترد التساؤلات عما طبقته تركيا من هذه الضوابط وما تركته؟ هل قامت بالإخطار مسبقاً قبل تنفيذ مشروعاتها؟ وهل سوت المنازعات؟ وهل تلتزم بحماية البيئة النهرية؟ وعملياً هي لا تلتزم بمبدأ عدم الإضرار، إذ أن آخر الشهادات الواردة من شمال حلب عن مدخل نهر الفرات إلى سوريا، تفيد بأن ارتفاع المياه لا يتجاوز المتر إلى المتر ونصف بحيث يتمكن الرجل من السير في مجرى النهر دون أن تغمر المياه خصره.

هذا عدا عن حجزها القسم الأكبر من مياه نهر الخابور عن الأراضي السورية بأكملها، وهو ما أدى إلى توقف جريان النهر، وجفاف مجراه تماما في سوريا بدءاً من سنة 2001 لأول مرة، ويشكل حوضاً زراعياً يصل إلى 20 ألف كيلومتر مربع خسرتها سورية، وتم حرمان سكان البلدات والقرى على طول مجراه من مياه الشرب والري.

وفي التسعينيات تسببت السدود الكبرى التي قامت تركيا ببنائها ضمن مشروع "جنوب شرق الأناضول" في جفاف مجرى نهر الخابور ومن قبله نهر جقمق وانخفاض منسوب نهر الفرات، ما أدى إلى انخفاض شديد في منسوب المياه الجوفية في سورية، وصعوبة الوصول لهذه المياه، فارتفعت تكاليف ضخها ومن ثم ارتفعت تكاليف الاستصلاح الزراعي في البلاد.

الايام




المصدر:
http://syriasteps.com/index.php?d=132&id=179335

Copyright © 2006 Syria Steps, All rights reserved - Powered by Platinum Inc