البلاد التي تنجب شباناً لتصدّرهم إلى العالم
27/01/2020



حسام حامد

 منذ نحو خمس سنوات تقريباً، وكانت الحرب السورية في أوج هذيانها، قالت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن السوريين يمثلون أكبر عدد من اللاجئين تحت ولايتها (3،3 مليون).

 ورغم عدم وجود إحصائيات دقيقة، فإن دراسة لـ "الإسكوا" قدرت عدد الشباب بين هؤلاء بـ (726،000)، إضافة إلى (440،000) شاب غادروا البلاد دون أن يسجلوا كمهاجرين.

 وأشارت بعض التقارير إلى أن أكثر من 30% من الأطباء البشريين هاجروا إلى خارج سورية منذ نشوب الأزمة، كما أن عدد أطباء الأسنان الذين غادروها وصل الى 10 آلاف طبيب من أصل 25 ألفاً.

تركز التقارير الاقتصادية عادة، في رصدها للمؤشرات التنموية، على الأطباء والمهندسين، ولا تهتم كثيراً بالمعلمين مثلاً، بمدرسي الجغرافيا واللغة الانكليزية، بالرسامين والعازفين، بأولئك الذين يمتلكون موهبة في التمثيل، موهبة في الشعر وتأليف الروايات..

 لكم إذاً أن تتخيلوا حجم النزيف العقلي والثقافي الذي تشهده البلاد منذ سنوات، ولكم أن تتخيلوا أي مستقبل ينتظرنا إذا لم يتوقف النزيف بسرعة.

 قبل الحرب، صنف المجتمع السوري كثاني مجتمع مرسل للهجرة في المنطقة العربية (بعد لبنان)، وأشارت إحصاءات رسمية في العام 2007 الى ارتفاع نسبة المهاجرين والمغتربين السوريين بالنسبة إلى عدد السكان، والتي وصلت في مجملها إلى حوالي (18%).

 بالطبع غيرت الحرب من دينامكيات الهجرة الخارجية للشباب السوري، فازدادت أعداد المغادرين بشكل هائل بسبب انعدام الأمن والخوف والعنف. ولكن إذا كانت الحرب هي المسؤولة عن هذه الموجة العارمة من الهجرة، فإن النزيف كان قد بدأ قبل ذلك، إذ كنا، كما كثير من بلدان العالم الثالث، نمتلك ما يجعلنا بلداً طارداً للكفاءات والأحلام الشابة.

 انتهت الحرب في معظم أراضي البلاد، وقريباً سوف تنتهي تماماً، ومع ذلك فليس لنا أن نحلم بأن تُعكس الصورة فوراً ودفعة واحدة: أن تزدحم حدودنا وشواطئنا بقوافل العائدين. المسألة تحتاج وقتاً طويلاً، والأهم تحتاج عملاً دؤوباً ومكلفاً.

قبل ذلك لا بد من الإيمان بأن كل مشكلة تنطوي على فرصة، وهنا أيضاً، في مشكلة الهجرة ثمة فرصة يجب استثمارها، فنقل المعرفة والمهارات والخبرات والثقافة، التي اكتسبها الشباب السوري في دول المهجر، هي إحدى الوسائل المهمة التي تؤثر تأثيراً إيجابياً في رسم صورة المستقبل هنا. وسوريا بعد الأزمة بحاجة، أكثر من أي وقت مضى، إلى منظور إنمائي جديد من أجل إدماج الشباب المغترب ومشاركته بشكل واسع وفعال في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهي كذلك بحاجة ماسة إلى وجود وسائل مؤسساتية تكفل تنفيذ هذه المهمة.

ولقد أثبتت التجارب أن دعم الشباب المغترب لجهود التنمية في بلده الأم (سواء بإقامة المشروعات أو تعزيز التبادل التجاري بين البلد الأم وبلد المهجر) يقلل من حدة الآثار السلبية لهجرة الكفاءات ويسهم ولو جزئياً في تحويل نزيف العقول إلى كسب له. كما قد تساعد هذه المشاريع الشباب المغتربين على استكشاف فرص العودة إلى بلدهم الأم مستقبلا.

 وفي الحالة السورية قبل الأزمة، قامت العديد من المشاريع الصغيرة والمتوسطة عبر الاستفادة من التحويلات، والتي شكلت فرص عمل للشباب، لكنها عانت من مشاكل عديدة تتعلق باستمرار التمويل وبيئة الأعمال الحاضنة، وعدم وجود قوانين مشجعة وتسهيلات في كافة المحافظات بشكل متلائم مع الوضع الديموغرافي والمصادر الطبيعية في كل محافظة.

 وعلى الرغم من جهود وزارة المغتربين وانعقاد عدة مؤتمرات للمغتربين، وخروج العديد من التوصيات الهامة والأساسية، مثل: إصلاح القضاء والنظام الإداري، تشجيع تشكيل الجمعيات الأهلية النوعية وتعددها واستقلاليتها، تطوير القوانين والتشريعات الاقتصادية والمالية والصناعية لتتوافق مع نظيراتها العالمية، وتطوير الحوكمة للخروج من حكم البيروقراطية إلى حكم التنافسية.. إلا أن معظم هذه التوصيات بقي حبراً على ورق ولم يترجم إلى خطط عمل حقيقية.

 في السنوات التي سبقت الأزمة، لعب القطاع الأهلي دورا في تعزيز العلاقة بين المهاجر السوري الناجح وبلده الأم، ولعبت (جمعية رجال وسيدات الأعمال السورية) دورا في انشاء مجالس رجال الأعمال السورية المشتركة مع العديد من دول المهجر، في محاولة لجذب رجال وسيدات الأعمال السوريين خارج سورية وإعطائهم الصورة المثلى عن الأعمال والخدمات والفرص الاستثمارية المتعددة في سوريا. وتجلى ذلك في ظهور بدايات من التحويلات المادية والاجتماعية والفكرية بين الجاليات المغتربة مع الوطن، بيد أن نقص المعرفة أو البنية الأساسية المناسبة التي تمكن العديد من الشباب المغتربين من المشاركة، حد من الإسهامات التي يمكن أن يقدموها للبلد.

لا يمكن العودة إلى الوراء، كما أن ذلك ليس مطلوباً، ولكن لا بد من أن يظل الماضي ماثلاً في أذهاننا، إذ ثمة دروب شقت يجب المضي بها، وثمة الكثير من الأخطاء يجب تلافيها، والكثير الكثير من الدروس التي نتعلم منها..

 

 



المصدر:
http://syriasteps.com/index.php?d=137&id=179085

Copyright © 2006 Syria Steps, All rights reserved - Powered by Platinum Inc