الإصلاح الاقتصادي.. بين تنامي الحاجات واستشراف المستقبل
05/12/2007



لقد بات من الواضح وبعد مرور عدة سنوات على رفع شعارات الإصلاح الاقتصادي والتي شكلت له لجان عديدة وصيغت مسودات وبرامج تنفيذية ومحاور وجداول زمنية, حتى بات الموضوع الأشخاص والنوايا والشعارات, فالإصلاح بكل حقوله وميادينه من اقتصادي وإداري وتشريعي من جهة يمثل عملية متشابكة ومتكاملة لا تتجزأ ولا تنفك عراها إلا بمستواها النظري المعرفي فقط. ومن جهة أخرى هو عملية لها مقتضياتها وبيئتها واشتراطاتها وتجاوز تلك العوامل والمقتضيات يؤدي إلى فجوة كبيرة بين الواقع التنموي والمستقبل المنشود.‏

 

إن لكل عملية تغيير سواء أكانت اقتصادية أم ثقافية أم اجتماعية حوامل اجتماعية, تتبنى عملية التغيير وتدافع عنها وتعمل على تحقيقها ضمن شروط ومصالح الفئات الاجتماعية والإصلاح وخاصة في بعده الاقتصادي بحاجة ماسة إلى هذه الحوامل لكي يمشي على قدميه وتسري الدماء في عروقه, فبذلك يكون الإصلاح مصلحة وطنية تخدم المواطن والوطن, لهذا فإن تحديد الشرائح والفئات الاجتماعية صاحبة المصلحة الحقيقية بإجراء الإصلاح المنشود يكتسب أهمية وأولوية, بل يمكن الذهاب أبعد من ذلك في تحديد مصلحة كل فئة, وتمكين كل القطاعات المختلفة من امتلاك أدوات التغيير لتحقيق مشروع الإصلاح حسب دورها وموقعها.‏

 

إن إشراك تلك القطاعات بعملية الإصلاح, والعمل على إيجاد اتجاهات جديدة للتطوير, تنطلق من الأسفل إلى الأعلى, وتتلاقى مع التوجهات الإصلاحية للمستويات القيادية العليا, ويؤدي من حيث النتيجة النهائية إلى التخفيف من التكلفة الاجتماعية للإصلاح.‏

 

رؤية استراتيجية‏

إن الملاحظة الأولى لأي متتبع لطروحات الإصلاح في سورية يتبين أن الإصلاح الحالي بات يقوم على مرتكزات واضحة بمعنى أنها تقوم على مؤشرات تبلورت إلى أن وصلت إلى صيغتها النهائية عبر برنامج تنفيذي وزمني يأخذ بعين الاعتبار الرؤية المتكاملة عبر استشراف وضع سورية المستقبلي 2025 انطلاقاً من تشخيص وضعها الراهن وتحديد نقاط القوة والضعف إلى صياغة رؤية استراتيجية تنطلق من توصيف الواقع وتتلمس حاجاته وإمكانيات تطويره. وفق منهجية عمل محددة المعالم والأهداف وهذا ما حددته الخطة الخمسية العاشرة, فحين نريد التحدث عن إصلاح اقتصادي يجب أن يكون هناك وضوح كامل عن طبيعة السوق وملامحه والتوجه المعمول به وطبيعة العلاقات التي تحكم العملية الاقتصادية بكامل أبعادها ومحاورها رغم الانتقال من الاقتصاد القديم (ذي التوجه الاشتراكي) إلى الاقتصاد الجديد (اقتصاد السوق الاجتماعي).‏

 

لقد شكل الإصلاح نقطة مهمة على طريق تحقيق التنمية الشاملة في سورية منذ التسعينيات كما أسلفنا ولقد أعطت الحكومات المتعاقبة منذ 2000 الإصلاح الاقتصادي أهمية قصوى وتم تشكيل لجان متعددة ووضع برنامج تفصيلي للإصلاح الاقتصادي في سورية وفي كل مرة كانت توضع الأسس والمعايير اللازمة للإصلاح المنشود إلى أن تبلور مع الحكومة الحالية التي أنجزت وثيقة الإصلاح الاقتصادي بعد أن أكملت إعداد وصياغة الخطة الخمسية العاشرة التي شكلت الإطار الفكري والنظري لبرنامج الإصلاح الاقتصادي, والذي تم إعداده بشكل محكم يراعي التكامل بين ما هدفت إليه الخطة الخمسية العاشرة وبين الاستشراف المستقبلي لسورية في العام 2025 (يمكن الحصول على النسخة الرئيسية للبرنامج التنفيذي للإصلاح الاقتصادي في سورية عبر موقع الوكالة العربية للأنباء سانا www.sana. org .‏

 

الثقة في تصاعد‏

لقد شهد الاقتصاد السوري ومنذ بداية عقد التسعينيات تغيرات واضحة على صعيد القوانين والتشريعات والخطط والبرامج وكذلك معدلات النمو وحجم الاستثمارات. إلا أن التغيرات والإصلاحات كانت بمثابة ردود فعل واستجابات ظرفية للأزمات الضاغطة. ولذلك لم يأخذ تحسن معدلات النمو صفة الاستدامة, ولم ترتفع إنتاجية الاقتصاد الوطني بصورة مطردة, بل تعرض الأداء الاقتصادي إلى التذبذب وسرعان ما كانت الظواهر السلبية تعود إلى البروز من جديد. ويرجع السبب في ذلك إلى أن العوامل التي تؤدي إلى ضعف النمو والإنتاجية بقيت قائمة, فهي هيكلية بطبيعتها, وتحتاج إلى رؤية كلية وشاملة لعملية الإصلاح الاقتصادي ولا يفيد معها تقديم الحلول الجزئية. حالياً هناك جهود حثيثة تبذلها الحكومة لإصلاح الاقتصاد الوطني على نحو متكامل وبدعم من القيادة السياسية التي مهدت الأرضية للانتقال نحو اقتصاد السوق الاجتماعي. ويمكن القول, بأن نتائج ذلك التحول قد بدأت بالظهور, فالثقة بالاقتصاد الوطني وبيئة الأعمال في سورية في تصاعد, ومعدلات الاستثمار الخاص في تزايد, وإن الحكومة مستمرة في تفعيل وتعزيز إطار العمل الاقتصادي من أجل تحديثه وتطبيق برنامج الإصلاح الهيكلي الشامل المتضمن في الخطة الخمسية العاشرة (2006-2010) والتي حظيت بموافقة ممثلي الشعب وصدرت بقانون مصادق عليه من قبل السيد رئيس الجمهورية.‏

 

مرتكزات الإصلاح‏

 

يرتكز برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي جاءت به الخطة الخمسية العاشرة والذي يترجم سياسات التحول نحو اقتصاد السوق الاجتماعي إلى واقع عملي على أربعة أعمدة تضمن استناد الاقتصاد الوطني على أساسيات صحيحة, وتعزز من قدرته على توليد معدلات عالية من النمو ومن فرص العمل, وتساعده في التغلب على العوامل التي تحد من زيادة الإنتاجية.‏

 

أولاً: بناء اقتصاد كلي يتمتع بدرجة عالية من الاستقرار, ويتضمن ذلك توفير الانضباط المالي وتبني سياسة حكيمة في إدارة المالية العامة مع المراجعة التدريجية لبرامج الدعم وإصلاح السياسة الضريبية والعمل بضريبة القيمة المضافة, يصاحب ذلك التزام قوي بالحد من العجز وبالسيطرة على التضخم ضمن معدلات يمكن التحكم بها وعدم السماح بتجاوزها. وكذلك باعتماد معدلات صرف وأسعار فائدة تعكس القوة الحقيقية للاقتصاد الوطني, وبإصلاح شامل للسياستين المالية والنقدية وتوفير الاستقلالية في عملهما.‏

 

ثانياً: تطوير اقتصاد جزئي ذي قدرة تنافسية قائم على أساس التحرير التدريجي للأسعار وبحيث تكون أساساً لمعاملات السوق وتوفير المؤشرات اللازمة للمنتجين والمستهلكين مع إمكانية التدخل الإيجابي للحكومة في حالات فشل السوق من خلال آليات العرض والطلب وكذلك تطوير البيئة الاقتصادية والتشريعية والخدمية والفنية المطلوبة لعمل السوق وتأكيد رقابة الدول في ضمان التنافس الحر والحد من القيود التي تعوق الدخول الى السوق للمشروعات الجديدة وتشجيع حركة الاستثمار الداخلي والخارجي والعمل على المساعدة في تحديث المنتج السوري والوصول به الى مستويات الجودة العالمية من خلال امتلاك القدرة التنافسية.‏

 

ثالثا: الانفتاح المسؤول للاقتصاد الوطني على الخارج وتشجيع حركة التصدير والتجارة الخارجية والاستثمار والابداعات والعمل على خفض التعرفة وإزالة العوائق الأخرى.‏

 

رابعا: الاستثمار بالمواطن السوري وبرأس المال البشري (التنمية البشرية أولا):‏

 

ويعني ذلك توسيع الانفاق العام والخاص على قطاعات التعليم والصحة والتعويل على الاحتياطي الوطني من الموارد البشرية في زيادة الانتاجية والنهوض بالقدرة التنافسية.‏

 

إن آليات الإصلاح والتطوير وترجمة هذه المحاور الأربعة الى واقع اجرائي تتسم هي الأخرى بالوضوح في مختلف فصول الخطة الخمسية العاشرة ويمكن تقسيم الآليات الإصلاحية الواردة في الخطة والتي ستشكل برنامج عمل الحكومة في الأجل القصير الى ثلاثة مستويات.‏

 

المستوى الأول: الاصلاحات على مستوى الاقتصاد الكلي.‏

 

تؤكد الخطة على ضرورة البدء الفوري باتخاذ الخطوات والاجراءات لضمان سلامة وصحة المالية العامة للدولة ودفعها باتجاه التوازن ومعالجة أوجه الخلل القائمة. وبالرغم مما حققته وزارة المالية من اصلاحات في هذا الحقل خلال العامين الماضيين إلا أن قائمة الاصلاحات تبقى عديدة متشعبة وستحتاج الى اجراءات واصلاحات لاحقة, كما أن صدور القانون المالي الأساسي هو خطوة بالاتجاه الصحيح. إلا أن مجرد صدوره سوف لن يؤدي بحد ذاته الى اصلاح الخلل في الموازنة وفي المالية العامة, إذ إن ذلك يستدعي تحقيق حزمة من الاصلاحات على جانبي معادلة المالية العامة (الايرادات, الانفاق العام).‏

 

المستوى الثاني: الاصلاحات على المستوى القطاعي والمؤسسي‏

 

يشكل العجز في المالية العامة (الموازنة) نحو 6% من الناتج الاجمالي المحلي وفق أرقام عام 2006 وهو معدل عال بكل الاعتبارات ويرتبط بالدرجة الأساس بصعود وهبوط أسعار النفط أكثر من ارتباطه بالتحسن في أداء القطاعات غير النفطية وبدون شك فإن تبعات مثل هذا العجز في حالة عدم توفير الحلول الملائمة والمستدامة ستؤدي الى نتائج غاية في السلبية وخاصة بعد توقع تراجع العوائد النفطية مع نهاية الخطة الخمسية العاشرة عام 2010 (من 5% من الناتج المحلي الاجمالي حاليا الى نحو 4 %). وبالتالي فتأسيسا على ذلك فإن الحكومة ستعمل في هذا المجال: زيادة حصة التحصيل الضريبي في الناتج المحلي الاجمالي والتي لا تتجاوز حاليا أكثر من 13 % وهي بذلك أقل بكثير من حالة الدول المجاورة ويمكن تحقيق ذلك عن طريق: (1) تحسين الإدارة الضريبية واستخدام التقنيات المتطورة والأساليب الحديثة في التحصيل.‏

 

(2) حذف الضرائب الصغيرة وتلك التي يصعب تحصيلها واستبدالها بضريبة القيمة المضافة.‏

 

(3) إعادة النظر بالنظام الضريبي وجعله يتصف بالبساطة, الاستقرار, الانصاف, الكفاءة, الحيادية, المرونة, التصاعدية, والقبول الاجتماعي.‏

 

تطبيق نظام الانفاق متوسط الأمد (MTEF) medium term expenditure framework وهو نظام متطور يمثل الجيل الجديد لأساليب اعداد الموازنات والذي لم يعد يقتصر على الموازنة السنوية بل يتعداها لاعداد موازنة متوسطة الأمد (3 سنوات في آن واحد) وقد أخذت بهذا النظام في الوقت الحاضر العديد من الدول العربية من أجل تنظيم موازناتها في إطار تنفيذ خططها الانمائية ومن المؤمل ادخاله حيز التنفيذ في سورية خلال العام 2007 عن طريق التعاون مع المنظمات الدولية ذات العلاقة. وبالتأكيد فإن هنالك مشكلات عديدة أخرى تؤثر على موازنة الدولة وتثقل كاهلها يأخذها برنامج الإصلاح الاقتصادي بالاعتبار ويقدم الحلول المناسبة لها منها مشكلة ارتفاع معدلات الإنفاق الحكومي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي حيث تصل حالياً نحو 27% . وإذا ما أردنا تحقيق غايات الإصلاح الاقتصادي في توفير الاستقرار للاقتصاد الكلي والارتفاع بمستوى النمو الاقتصادي, فلا بد من العمل على خفض تلك النسبة والحد من أوجه الإنفاق اللاتنموي. وهنا تبرز مشكلة الإنفاق العام الموجه إلى الدعم بأنواعه المختلفة (الدعم المباشر, الدعم الضمني, الدعم غير المباشر, الدعم عبر القطاعات..) في الوقت الحالي تتحمل الدولة مبالغ طائلة من أجل مقابلة فاتورة الدعم بأنواعه المختلفة, ويجتزىء هذا المكون من الإنفاق العام نسبة عالية من الناتج المحلي الإجمالي تصل نحو 14% ويحتل دعم المحروقات نحو 11%. وبالتأكيد فإن اختزال ذلك وإعادة توزيعه سيساهم مساهمة كبيرة في إعادة التوازن للمالية العامة للدولة.‏

 

أما الدعم عبر القطاعات وغير المباشر فيتجلى في عدم التمكن من استرداد التكاليف الحدية في قطاعات المازوت والكهرباء والماء. ولا خلاف في القول بأن مبدأ الدعم هو جزء من الفلسفة الاقتصادية والسياسية للدولة وهو من المبادىء الحميدة لتحقيق العدل الاجتماعي شرط حسن استخدامه وتوجيهه للفئات الاجتماعية المستحقة, وهذا ما يتوجب العمل به. إلا أن ما يحدث حالياً هو العكس تماماً, فمادة المازوت على سبيل المثال والتي يشكل دعمها نحو 7% من الناتج الإجمالي المحلي, يستأثر بمنافع الدعم الذي تقدمه الدولة لاستهلاكها ذوو الدخل المرتفع بالدرجة الأساس. ففي دراسة قامت بها هيئة تخطيط الدولة حديثاً تبين أن ال 10% من السكان الذين يقعون في أعلى الهرم الاستهلاكي ولديهم عادة مستوى دخل عال يتمتعون بنحو 65 ضعفاً بالدعم من مادة المازوت مقارنة بال 10% من السكان الذين يقعون في أسفل الهرم الاستهلاكي ومن ذوي الدخل المتدني.‏

 

ولعل من بين أهم المشكلات الصعبة الأخرى التي تواجهها الموازنة والمالية العامة للدولة اتساع حجم الإنفاق الحكومي وبالذات فيما يتعلق بالباب الأول (النفقات الجارية أو النفقات غير الإنتاجية والتي تستأثر بنحو 64% من إجمالي الموازنة العامة للدولة عام 2006 لمقابلة المرتبات والنفقات الإدارية ), ويعود تضخم ذلك الباب بالدرجة الأساس إلى تضخم البيروقراطية وعدد العاملين في أجهزة الدولة, حيث يعمل لدى الدولة في سورية حالياً نحو 104 ملايين موظف أي مايعادل أكثر من 7% من السكان, وتعد هذه النسبة من بين أعلى النسب في الوطن العربي والعالم بالإضافة إلى الهدر وعدم الاستخدام الأمثل للموارد.‏

 

وبوجه الخصوص, هنالك حاجة لإعادة النظر في فائض قوة العمل في المنشآت الإنتاجية العامة, حيث تعاني الغالبية من العاملين في تلك المنشآت من حالة التشغيل المنقوص والعمل بإنتاجية متدنية علماً بأن شروط إعادة هيكلة تلك المنشآت وجعلها تعمل بقواعد الربحية هي أن يؤدي العمل فيها وظيفة إنتاجية بالدرجة الأساس, وأن يعاد النظر بأوضاع القوى العاملة في كل منشأة وفق حسابات الطلب والاحتياجات الحاضرة والمقبلة.‏

 

- إيلاء أهمية قصوى للتنمية المحلية في المحافظات وتوسيع تطبيقات اللامركزية وتشجيع المحافظات على تطوير مواردها الذاتية المحلية والابتعاد التدريجي عن الاعتماد على الإعانات المالية المركزية, علماً بأن أعلى نسبة من التخصيصات الاستثمارية والجارية للموازنة.‏

 

- ضرورة وجود هيئة مستقلة تشرف على النقد والسياسة النقدية, متمثلة في استقلالية مصرف سورية المركزي, والأمر كذلك بالنسبة يجب للهيئات الحكومية التي تشرف على وضع النواظم للعمل القطاعي, حيث إن تتمتع هي الأخرى بالاستقلالية وأن تتم إدارتها بحرفية عالية عن طريق اختيار كفاءات وطنية ذات قدرات متميزة وتمتع بحوافز كافية ( هيئة الأوراق المالية, هيئة الاتصالات , هيئة الكهرباء والمياه وهيئة الطاقة ).‏

 

- إعادة هيكلة الأجهزة الإحصائية على المستوى المركزي وعلى مستوى المحافظات, حيث إن اقتصاد السوق الاجتماعي يعتمد بالدرجة الأساس على( تدفق مستمر من المعلومات والبيانات التي توضح حركية السوق وتقيس أداء الاقتصاد الوطني بصورة دورية.‏

 

- البدء بعملية إعادة هيكلة العمل الإداري في الوزارات والعمل على خلق علاقة جديدة بين أجهزة الدولة وبين المواطن بشكل عام المستثمر بشكل خاص. وأن تقوم كل وزارة بمراجعة إجراءاتها الروتينية وتشريعاتها المتعلقة بالمعاملات مع المواطن والمستثمر والعمل على اختزال ذلك الروتين إلى الحد الأدنى من أجل تخفيض تكلفة المعاملات وبناء جسور الثقة. ومن جانب آخر, وأن يتم الشروع بتطبيقات الحكومة الإلكترونية حيث تساعد في سرعة أداء المعاملات وتحسين كفاءة العمل الإداري الحكومي وتخفيف العناء على المواطنين.‏

 

المستوى الثالث الإصلاحات على مستوى الاقتصاد الجزئي:‏

 

إصلاح أسواق الإنتاج وتحديد الدور الجديد للدولة في ضمان عملية المنافسة في السوق وتوفير مقوماتها والعمل على منع الاحتكار ورفع القيود القطاعية وتسهيل عملية الدخول إلى السوق والخروج منه بالنسبة للمستثمر المحلي والأجنبي مع وجود كافة الضمانات لحقوقه في إطار الملكية الفردية. - اعتماد برنامج عمل وطني شامل من أجل مراجعة القوانين والتشريعات المتعلقة بالترخيص وبالمعاملات, وحذف ما يمكن حذفه من إجراءات معوقة للدخول للسوق, وتبني شعار (العمل الحر هو القاعدة والترخيص هو الاستثناء). - إصدار قانون وطني للمنافسة مشتق من روح الاتفاقيات العالمية, وبالذات في إطار الشراكة الأوروبية وفي إطار اتفاقيات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية ما سيزيد من مصداقية نظم تجارتنا الخارجية ويعزز من ثقة المستثمرين. - الوصول بمعدلات التعرفة إلى معدلات البلدان المجاورة, كما يستلزم إزالة العقبات الأخرى المتعلقة بتراخيص استيراد السلع الاستهلاكية والزراعية, وتعديل التشريعات التي تحكم التجارة الخارجية وتلتزم بالمعايير الدولية فيما يتعلق بالحد من الإغراق. - إصلاح أسواق عوامل الإنتاج (أسواق العمل, الأرض, أسواق رأس المال إضافة إلى أسواق الموارد الطبيعية كالمياه).‏

 

- ضرورة إيجاد مرونة في قوانين العمل بحيث إن المنشآت تستطيع أن تستجيب للأوضاع المستجدة في السوق وبسرعة ويتطلب ذلك أن يكون هنالك قانون للعمل يضمن حقوق الأطراف الثلاثة (الدولة, أرباب العمل, والعمال). وذلك ضمن حزمة أشمل من الإصلاحات الاجتماعية تضمن الحقوق المكتسبة للعمال وتؤسس لصناديق البطالة وتطوير التأمينات الاجتماعية والتأمين الصحي الاجتماعي, كما إننا بحاجة إلى تحديد برامج استهدافية للنهوض بالمناطق وبالفئات الاجتماعية الفقيرة وبالاعتماد على خريطة مستويات المعيشة التي تم إصدارها حديثاً, والتي تشخص نسب الأسر المعيشي الفقيرة في أصغر الوحدات الإدارية وتضمن وصول الدعم لمستحقيه.‏

 

- ضرورة لإصدار جملة قوانين وتشريعات ذات علاقة بعمل السوق من بينها قوانين الإفلاس وضبط الشركات وحماية المستهلك وغسل الأموال, قانون من بينها ضريبة القيمة المضافة, قانون مكافحة الفساد...الخ. - إيلاء أهمية قصوى للاستمرار بإجراءات إصلاح القطاع المالي والذين يتضمن تطوير القطاع المصرفي وأسواق الأسهم والسندات وأسواق الدين وأسواق القطع الأجنبي, ووضع النواظم وآليات الإشراف على المؤسسات المالية والأسواق الرأسمالية وحماية صغار المستثمرين. - التركيز على إصلاح نظم الاستثمار برأس المال البشري وتطوير الموارد البشرية والاهتمام بالبحث والتطوير وتأسيس النظام الوطني للإبداع والإنتاج المعرفي وتبني سياسات عامة تروج لخلق ونشر الابتكارات والإبداعات التقنية فأدائنا في هذا المضمار ما زال ضعيفاً, كما أن مؤشر الإنتاجية الكلية لعوامل الإنتاج, والذي يقيس مدى مساهمة العنصر البشري والتقدم التكنولوجي في الناتج الإجمالي المحلي يبقى متدنياً مقارنة بالدول المجاورة حيث لا يتعدى أكثر من 2,2% وهذا يعني أن سورية تواجه مشكلة تدني الإنتاجية في جميع القطاعات كما تعاني من ضعف النمو في الإنتاجية.‏

 

- إصلاح سياسة وطنية للرعاية الاجتماعية, وإعادة نظر جذرية وكاملة بنظم الضمان الاجتماعي والتقاعد والتأمين الصحي وتعويضات البطالة كي يمكن أن تمتد لتشمل ضمان أرباب المهن الهامشية وتلك التي يضمها القطاع الاقتصادي غير المنظم.‏

 

- تطوير نظام احترافي للقضاء التجاري يفهم المنطق الاقتصادي الجديد لتوجه السوق الاجتماعي ويتمتع بالحيادية والشفافية العالية ويتمكن من حل النزاعات وإقامة التسويات وضمان حقوق الملكية للمستثمرين. ويتطلب الوصول لذلك أن تكون هنالك برامج جهود تدريبية مكثفة لتكوين جيل جديد من القضاة الشباب في هذا المضمار الذي ما زال قاصراً في نظامنا القضائي.‏

 

لقد آن الآوان كي تسير سورية إلى العالمية والانفتاح ولتأخذ دورها الذي تستحقه في هذا العالم الجديد الذي لم يعد يسمح بالانعزال والانغلاق. ولقد سقطت مبادىء التنمية المستقلة التي سادت في الستينيات والسبعينيات والثمانينات, وأصبحت قوة الدول الاقتصادية تقاس بقدرتها على المنافسة وانخراطها في النظام الاقتصادي العالمي. كذلك فإن الإصلاح الشامل والعميق لم يعد مطلباً لتعزيز عمليتي النمو والتنمية فقط بل أصبح مطلباً لحماية الأمن القومي لسورية الذي تعززه القوة الاقتصادية. بحيث تستطيع سورية عبر سلسلة من الإصلاحات العميقة في قطاعات التنمية البشرية والقطاعية والكلية أن تدفع عنها معظم الضغوطات والتهديدات الخارجية التي تتعرض لها, فضلاً عن تمكينها من الارتقاء الاقتصادي والمطلوب بما ينعكس على مستوى الرفاه الاجتماعي ومستويات المعيشة للمواطنين.

 

 

د.جمعة حجازي



المصدر:
http://syriasteps.com/index.php?d=160&id=203

Copyright © 2006 Syria Steps, All rights reserved - Powered by Platinum Inc