كتب الاعلامي هني الحمدان :
غريب عندما تسمع اتهامات للإعلام بالتقصير وأنه إعلام فاشل، ويتم التطاول عليه بالسخرية! إنه لأمر محبط بحق، ومؤلم أن يتم قذف الإعلام ومؤسساته بأقسى العبارات ويُنسف كل شيء، حتى لو كانت جهوداً منفردة لأسماء مهمة في هذا الحقل، والأكثر إيلاماً عندما تأتي عبارات كهذه واتهامات من شرائح مثقفة في المجتمع، وليس من العموم والسواد العام، فلا أحد راضياً عنه، لا المواطن ولا المسؤول..!
ماذا فعل الإعلام، وخاصة الرسمي؟ وهل العلّة بالصحفيين أم المؤسسات والإدارات، أم ضيق المساحة التي سيطرت على كل مرافق الحياة؟!
لست متحيّزاً للإعلام الرسمي، لكنه للأمانة إعلام تعرّض لظلم مادي ومعنوي. هناك رجال إعلام، لكن بلا إعلام، إعلام مرتهن لعقليات متلاحقة، لا تملك الفكر الإعلامي والتخطيط السليم لكيفية أن يكون هذا الإعلام خادماً حقيقياً.. رؤى فردية بحتة، وأشخاص وصلوا إلى بعض المفاصل المهمة، خلال حقب زمنية مضت، ليسوا على إلمام كامل بدور الإعلام بذلك وواجباته ومساحاته، واليوم بات شأنه كباقي مؤسسات الدولة، يعاني من الفشل والترهل، ولم يكن المستوى المطلوب للدور الذي يجب أن يؤديه، فخسر المواطنَ، وأغرقته بعض الإدارات المفصلية بمسائل ثانوية لا تهمّ أحداً، فتاه وتأخّر…!
من يستطيع اليوم تشخيص حالة الإعلام بدقة ويجد العلاج.. ؟ حالته واضحة وضوح الشمس، لكن من يستطيع أن ينتشله من مشكلاته ويحل أزماته.. ؟!.
صحيح أنه إعلام ينبض، لا بأس بذلك، وسط غياب مرجعية واضحة المعالم والتفاصيل..! الحكومة تعمل في جوّها الطبيعي، مفضّلة «السترة» والتستّر على معطياتها ومؤشراتها، والويل لمن يحيد..! وإعلام لم يعد قادراً على تلبية شغف المواطن للمعرفة بأدق التفاصيل، فالصحافة الجائعة للمعلومة، أو المقصّرة بتلبية حاجات البشر وعدم تمكّنها من تقديم الإجابات عن شكاواهم، ليست بصحافة، سينعاها البشر بالهجرة إلى مواقع التواصل أو البحث عن صحافة أخرى. فالتفتيش عن المسبّبات لا يحتاج إلى عناء وجهد ومال، ما يحتاجه الإعلام اليوم هو القرارات والدعم المادي السخيّ، وفتح قنوات العمل والتشبيك مع الحكومة بشكل أوسع، وهذا ليس باكتشاف خطير. الإعلامي موظف يا سادة، وإذا لم تتحركوا فسوف لن تجدوا كفاءات في حقل من أهم الحقول في أي دولة كانت.
لا أحبّذ التحدّث عن واقع مهنة الإعلام وحال الإعلام، من باب أن السكوت «أريح»، إلا أنني اطلعت على ورقة عمل مقدّمة من وزارة الإعلام حول «المواقع الإلكترونية وتأثيرها في نشر الأخبار، وكيفية ضبط محتواها والإجراءات المتّخذة للحيلولة دون مساهمتها في تضليل الرأي العام».
الورقة ملأى بالطروحات والتوجهات الغنيّة، وفيها تخمة إلى حد الإغراق من أجل ضبط «السوق العشوائي» والجوّ الرحب الذي تعيش فيه مواقع إلكترونية مما هبّ ودبّ، بلا هويّة أو ترخيص يضبط إيقاع هذا السوق.
فقط 93 موقعاً إلكترونياً حاصلة على التراخيص الرسمية، حسب معلومات الوزارة، وطلبات الحصول على ترخيص في الوقت الحالي 42 طلباً. هذا ناهيك بالمواقع الإلكترونية الحكومية الرسمية المملوكة للدولة والوزارات، وهناك مواقع إعلامية لم تحصل على ترخيص للعمل مع صفحات الـ«فيس»، والواقع الحالي للإعلام الإلكتروني يستدعي تنظيمه لعلّ في ذلك يتم الوصول إلى الخدمة الصحفية المنشودة.
واقع يتكون من مجموعة من الجزر، لا توجد جسور قوية تربط فيما بينها وتوحد قواها. ما يعانيه هذا الإعلام الرسمي والخاص المرخّص والمخالف هو ضعف المتابعة، بسبب المحدودية والضوابط المهنية والإعلامية التي تقيّد الموضوعات، وندرة المعلومات والتأخر في مواكبة الأحداث بالنظر لطبيعة الأفراد.
فالإعلام الإلكتروني بمجمله يعاني من تشتّت الرسالة والهدف من المحتوى المقدم عبره، وهو أمر ناتج بطبيعة الحال عن ضعف الإمكانات و تسرب وهجرة بعض الكوادر الصحفية المحترفة والقادرة على إنتاج محتوى إعلامي مميز يحقق الأهداف المأمولة.
لا نغرق كثيراً في السلبيات، فالأمل يحدو الجميع بأن يتم تنظيم سوق الإعلام الإلكتروني من خلال إخضاعه لمحددات قانونية واضحة لضمان رسالة صحيحة وواضحة، تصبّ مخرجاتها في المصلحة الوطنية.
فهل تقدر وزارة الإعلام على أن تجد الأرضيات المناسبة لإنشاء مواقع إلكترونية وصفحات تهتم بالمحتوى المتخصص وضبط جودته، عبر وضع معايير خاصة؟ وكذلك فرز المواقع ذات المضمون، والعامل بحقّ من مواقع وصفحات تحولت إلى ما يشبه الصحافة الصفراء، ناهيك باتباعها سرقة الأخبار ونشر الأخبار المغلوطة…!
الجميع يتطلّع إلى أن تكون وسائل الإعلام الرسمية الإلكترونية وغيرها سبّاقة في الإعلام والاستشراف للمستقبل، وعليها أن تسبق الحدث من دون تراخ أو عثرات، فهل سنرى مثل هذا الإعلام؟!