في التصوّرات الغربية السائدة، تُصنَّف روسيا دائماً على أنها طرف يعتمد سياسة هجومية
في
التصوّرات الغربية السائدة، تُصنَّف روسيا دائماً على أنها طرف يعتمد
سياسة هجومية، تُحرّكها رغبة دفينة في الانتقام، واستعادة السيطرة على
الفضاء السوفياتي السابق، والتحكّم ببلدان باتت مستقلة. تبرّر هذه
التصوّرات اتّباع استراتيجية الاحتواء حيال موسكو، باعتبار ذلك مقاومة
مشروعة لتوجّهات روسية توسّعية تُحرّكها عقيدة الجوار القريب، المهيمنة لدى
صنّاع القرار الروسي. لكن أصحاب تلك الرؤية يتناسون أن العواصم الغربية،
في المرحلة التي تلت انهيار الاتحاد السوفياتي، اختارت إقصاء روسيا من جميع
البنى السياسية والأمنية الجماعية. وأتى إدماج دول «حلف وارسو» السابقة في
«الناتو»، و«أطلسة» أوروبا الشرقية بشكل كامل، ليُمثّل نسخة حديثة من
استراتيجية الاحتواء التي طبّقتها الولايات المتحدة ضدّ الاتحاد السوفياتي،
ولكن من دون وجود تهديد روسي تجاه أوروبا هذه المرّة. وكما يشير أندريه
غراتشيف، مستشار الرئيس السوفياتي الأخير ميخائيل غورباتشوف، في كتابه
«واشنطن في مواجهة موسكو: 30 عاماً من سوء الفهم والأخطاء»، الصادر في
2020، فإن «الإعلان من قِبَل بوش الابن في 2007، عن العزم على ضمّ جورجيا
وأوكرانيا إلى الناتو، أيقظ لدى الاستراتيجيين العسكريين الروس مخاوف
التطويق القديمة، التي سبق لستالين التنديد بها في 1946. وبعد أن جهر
الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بعقيدته الجديدة في مؤتمر ميونيخ للأمن في
2007، تمّت ترجمتها ميدانياً في السنة التالية خلال الحرب الخاطفة بين
بلاده وجورجيا، وكذلك بعد 7 سنوات، عبر الردّ الروسي الحازم على إطاحة
الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش من قِبَل فريق موالٍ علناً للغرب». وقد
دفع نشر بطّاريات صواريخ أميركية إضافية في أوروبا، وتزايد المناورات
العسكرية قرب حدود روسيا، الأخيرة إلى تطوير «دبلوماسية نووية» تتمحور حول
برامج لتحديث قوّاتها المسلّحة، وإنتاج منظومات سلاح قادرة على اختراق
الأنظمة الدفاعية الأميركية.
التموضع الدفاعي لروسيا يُنظر إليه بسلبية
شديدة من قِبَل دول «الناتو»، في سياق تَتجدّد فيه التوتّرات في أوكرانيا
منذ 2014، وكذلك في بحر البلطيق وفي بيلاروسيا. المناوشة بين روسيا
وبريطانيا في 23 حزيران الحالي هي حلقة جديدة تكشف تصاعد هذه التوتّرات في
أوروبا. البريطانيون، الذين انبروا ليكونوا بمثابة «ناطقين رسميين» باسم
«القضية الأوكرانية»، ولم يقبلوا بالأمر الواقع الذي فرضته موسكو في هذه
المنطقة، يحاولون الضغط عليها قرب شواطئ القرم. وإذا كان من الطبيعي، برأي
جان كريستوف مونغرونيي، أن «تتصدّى القوى الغربية لإرادة روسيا تغيير الوضع
الدولي القائم»، فإنه من البديهي أيضاً أن تَجهد موسكو لتعديل موازين
القوى لصالحها في ظلّ تحوّلات البيئة الاستراتيجية العالمية.
سيرياستيبس - الاخبار