سيرياستيبس :
لم ينقطع القصف التركي على مواقع سيطرة «قسد» في مدن الشمال السوري وبلداته، على امتداد الحدود وخطوط التماس بين الطرفَين، منذ الإعلان عن بدء عملية «المخلب السيف». واستهدفت أنقرة، في الجولة الأخيرة، قاعدة مشتركة للأميركيين مع «قسد»، بالقرب من سدّ مدينة الحسكة الغربي، مُخلّفةً قتيلَين من القوّات الكردية، من دون إلحاق أيّ ضرر بمقرّ تواجد الأميركيين في القاعدة.
كذلك، استهدفت نقطة حراسة لـ«قسد» مُلاصِقة لقاعدة روسية في «مجمع المباقر» في تلّ تمر شمال غربي الحسكة، ما أدّى إلى مقتل عنصر من «قسد»، وإصابة آخرين. وطاولت الضربات، أيضاً، للمرّة الأولى، ثلاثة حقول نفطية في مدينتَي رميلان والقحطانية في أقصى ريف الحسكة الشمالي، فضلاً عن معمل غاز السويدية على مقربة من قاعدتَين أميركيتَين في المنطقة. وبلغت عمليات الطائرات الحربية التركية ريف دير الزور، وتحديداً قرية المكمن على بُعد 70 كلم من الحدود السورية - التركية، عند المثلّث الرابط بين محافظات الحسكة والرقة ودير الزور. والظاهر أن أنقرة أرادت، من خلال استهدافها على مدار الأيام الأربعة الفائتة أكثر من 100 موقع بنحو 700 قذيفة صاروخية، على امتداد نحو 60 مدينة وبلدة وقرية، إثبات جدّيتها في الهجوم البرّي، كما وتصعيد الضغط على كلّ من واشنطن وموسكو، للاستحصال على غضّ طرفهما عن بدء هذا الهجوم.
وكان الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، اتّهم «الدول الضامنة بالإخفاق في الوفاء بوعودها بضمان أمننا»، مُهدِّداً، خلال كلمة في اجتماع اللجنة البرلمانية لحزبه، بأن «العمليات التي تقوم بها الطائرات والمدفعية ليست سوى البداية». وعلى الأرض، بدأت التحرّكات التركية البرية تَظهر من خلال وصول ثلاث فِرق من الوحدات الخاصة إلى قاعدة تركية بالقرب من أعزاز، مع عربات محمَّلة بالمدفعية والدبّابات والأسلحة. وبحسب مصادر ميدانية تحدّثت إلى «الأخبار»، فإن «الفصائل المسلّحة السورية المدعومة من تركيا، تلقّت أيضاً الأوامر برفع الجاهزية القتالية إلى الحدّ الأقصى، خلال اجتماع لعسكريين أتراك مع قادة الفصائل يوم الاثنين الفائت». وأفادت المصادر بأن «الجانب التركي أبلغ الفصائل بأن العملية البرّية قادمة ولا تَراجع عنها هذه المرة»، لافتةً إلى «وجود معلومات أوّلية بأن تركيا قد تبدأ عملية محدودة، تهدف إلى قضْم قرى وبلدات على خطوط التماس في محيط أبو رأسين والدرباسية في الحسكة، ومحيط عين العرب ومنبج وتل رفعت في ريف حلب، ومركز بلدة عين عيسى في ريف الرقة الشمالي»، مؤكدة أن «مواصلة تركيا العملية وتوسيع رقعتها سيكونان مرهونَين بالمواقف الدولية التي ستخرج حينها».
في المقابل، حاولت «قسد» كسْب تعاطَف الأطراف الدولية، من خلال اتّهامها الأتراك باستخدام «أسلحة كيماوية» في قصفهم قرية طاطا مراش في ريف عفرين. ومن المتوقّع أن تلجأ «قسد»، أيضاً، إلى التلويح بتعليق مشاركتها في ملاحقة خلايا «داعش» في مناطق سيطرتها، وسحْب جزء من قوّاتها في أرياف دير الزور ومحيط آبار النفط إلى الشريط الحدودي، للضغط على الأميركيين، ودفعهم إلى اتّخاذ إجراءات تمْنع وقوع العملية التركية. كذلك، ستلجأ «قسد»، غالباً، إلى إعادة تفعيل «غرفة العمليات المشتركة» مع الجيشَين السوري والروسي في ريف حلب، في محاولة لتفادي خسارة مناطق واسعة. وعلى رغم أن الاستهداف التركي الأعنف طاول مُدن شمال محافظة الحسكة حيث السيطرة الأميركية، إلّا أن التصريحات الكردية طالبت موسكو باتّخاذ موقف حازم تجاه الاعتداءات التركية، وضرورة العمل على إيقافها. وفي هذا الإطار، أشار القائد العام لـ«قسد»، مظلوم عبدي، إلى أن «الهدف الحقيقي للغزو البرّي التركي المحتمَل هو مدينة كوباني (عين العرب)، بهدف ربطها مع أعزاز شمال حلب، ومدن أخرى احتلّتها أنقرة في العام 2019»، مُطالِباً الأميركيين والروس «ببذل مزيد من الجهود لوقف الاعتداءات التركية»، لافتاً إلى أن «المناطق التي تخضع للقصف مثل كوباني ومنبج تخضع للسيطرة الروسية». وأقرّ عبدي بأن «عدم وجود سياسة واضحة للولايات المتحدة، في ما يتعلّق بمستقبل شمال وشرق سوريا، يجعل من الصعب علينا التفاوض مع دمشق».
ومع تصاعد القصف التركي، لم تخرج المواقف الأميركية والروسية عن الإطار الديبلوماسي. إذ أصدرت وزارة الدفاع الأميركية بياناً مقتضباً، نبّهت فيه إلى أن «الأعمال العدائية، من قِبل جميع الأطراف في سوريا، تهدّد مهمّة إلحاق الهزيمة النهائية بتنظيم داعش». فيما دعا المتحدث باسم الرئاسة الروسية، ديمتري بيسكوف، «الأطراف كافة إلى الابتعاد عن أيّ خطوات تزعزع الاستقرار»، مؤكداً أن «موسكو تحترم وتتفهّم مخاوف تركيا الأمنية». بدوره، قال المبعوث الروسي إلى سوريا، إلكسندر لافرنتييف، إن روسيا «تأمل بأن تستمع تركيا إلى حُججنا لوقف أعمالها في الشمال السوري»، مطالباً «السلطات الكردية بإظهار الحكمة بشأن ضرورة التعامل مع الحكومة السورية».
الاخبار اللبنانية
|