في وقت أوحى فيه اللقاء الذي جمع بين وزيرَي دفاع سوريا وتركيا في العاصمة الروسية موسكو قبل نحو أسبوعَين، بأن طريق التطبيع بين البلدَين بات سالكاً، خصوصاً في ظلّ الحديث عن لقاء ثانٍ سيَجمع وزيرَي خارجيتَيهما، تُظهر ردّة الفعل السورية المتأنّية، والتحرّكات المكّوكية المرتقَبة لمسؤولي «مسار أستانا» (روسيا وإيران وتركيا) خلال الأسبوع المقبل، وجود مطبّات عديدة في هذا الطريق، تتطلّب مزيداً من الوقت من أجل إزاحتها، ولا سيما بعد أن شمّرت واشنطن عن ساعدَيها، ودخلت على الخطّ، في محاولة لإفشال مسار التطبيع بين البلدَين. وشدّد الرئيس السوري، بشار الأسد، في أوّل تعليق رسمي من أعلى مستوى في البلاد على هذه القضية، خلال استقباله ألكسندر لافرنتييف، المبعوث الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في دمشق، على أن اللقاءات التي تَجري مع أنقرة، بوساطة روسية، «يجب أن تُبنى على تنسيق وتخطيط مسبَق بين سوريا وروسيا من أجل الوصول إلى الأهداف والنتائج الملموسة التي نريدها من تلك اللقاءات، انطلاقاً من الثوابت والمبادئ الوطنية للدولة والشعب، المبنيّة على إنهاء الاحتلال ووقف دعم الإرهاب»، في ما يؤشّر إلى تمسّك دمشق بمطلبها الرئيس من أنقرة، والمتمثّل في خروج الجيش التركي من الشمال السوري، ووقْف دعْم الفصائل المسلّحة.

وجاء حديث الرئيس السوري بعد ساعات من خروج تسريبات حول موقف دمشق من عقْد اجتماع بين وزيرَي خارجيتَي البلدَين، كانت أعلنت أنقرة تطلّعها إلى إتمامه منتصف الشهر الحالي، إذ أوضحت الحكومة السورية، على لسان مصدر رسمي رفيع المستوى، أن موعد اللقاء لم يُحدَّد بعد، بسبب رفض دمشق عقْده قبل تحديد الأهداف المرجوَّة منه، وفي مقدّمتها انسحاب الجيش التركي من كامل الأراضي السورية، بالإضافة إلى رفضها استثماره في العملية الانتخابية التركية، والتي يشكّل الملفّ السوري أحد أبرز عناوينها الدعائية. وفي أعقاب هذا التوضيح، أعادت تركيا تقويم موقفها، ليَخرج وزير خارجيتها، مولود تشاووش أوغلو، بتصريحات جديدة تحدّث فيها عن إمكانية اجتماعه بنظيره السوري مطلع الشهر المقبل، وهو اجتماع قد تنضمّ إليه الإمارات، أو قد يُعقد على أراضيها، تبعاً للتطورات السياسية اللاحقة.d

تشهد مناطق التماس في ريف إدلب تصعيداً متواصلاً جرّاء هجمات يشنّها مسلّحون يتبعون «هيئة تحرير الشام»


في هذا الوقت، صعّدت واشنطن من حدّة تصريحاتها المُناهضة لمسارات التقارب مع دمشق، بما لا يستثني الانفتاح الإماراتي، وسط تهديد غير مباشر باستخدام قانون العقوبات الأميركية على سوريا (قانون قيصر) من أجل عرقلتها. ويأتي ذلك فيما من المنتظر أن يلتقي وزير الخارجية التركي، نظيره الأميركي أنتوني بلينكن، في واشنطن، لمناقشة قضايا عدّة على رأسها التطبيع مع دمشق. ويجيء هذا اللقاء بعد سلسلة اجتماعات أمنية ودبلوماسية أجراها مسؤولون من البلدَين خلال الشهر الماضي، طرحت خلالها واشنطن خطّة مضادة للخطّة الروسية، تهدف إلى تثبيت «الإدارة الذاتية» الكردية، وفتْح قنوات تَواصل بينها وبين أنقرة بشكل مباشر، بالإضافة إلى محاولة تحقيق إنعاش اقتصادي متوازٍ في مناطق «الذاتية» ومناطق سيطرة تركيا في الشمال السوري، بما يسهّل انفتاح بعضها على بعض. كذلك، سعى الأميركيون إلى إرساء توازن ميداني أكثر قبولاً لدى تركيا، عبر دعْم مكوّنات عربية، وإعادة إحياء فصائل عربية معارضة، من بينها «ثوار الرقة». وفي هذا الإطار، أكّدت مصادر ميدانية، لـ«الأخبار»، أن واشنطن قدّمت بالفعل أوّل دفعة من الأسلحة للفصيل المذكور، كما قدّمت دفعات مالية لقيادته، ونظّمت خطّة تدريبات لعناصره في مقرّ «الفرقة 17» في الرقة، والتي أعادت الولايات المتحدة التموضع فيها بعد نحو أربع سنوات من الانسحاب منها. ويسبق اللقاءُ التركي - الأميركي في واشنطن، لقاءً آخر يجمع وزيرَي خارجيتَي روسيا، سيرغي لافروف، وإيران حسين أمير عبد اللهيان، في موسكو، في السابع عشر من الشهر الحالي، حيث يناقشان مجموعة من القضايا من بينها التقارب السوري – التركي، علماً أن الوزير الإيراني، الذي أعلن في وقت سابق ارتياح بلاده إلى خطوات الانفتاح بين أنقرة ودمشق، يزور الأخيرة اليوم السبت قادماً من بيروت


ميدانياً، تشهد مناطق التماس في ريف إدلب تصعيداً متواصلاً جرّاء هجمات يشنّها مسلّحون يتبعون «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة)، بعد إعلان زعيمها أبو محمد الجولاني رفضه التقارب السوري - التركي، وإشهار رغبته في تصدّر المشهد باستغلال موقف «الائتلاف» المُساوق لتركيا، والذي تعرّض رئيسه، سالم المسلط، أمس، للاعتداء بالضرب في مدينة أعزاز شمالي حلب، وطُرد منها. وأفادت مصادر ميدانية، «الأخبار»، بأن الجيش السوري تصدّى لسلسلة هجمات حاول مسلّحون تنفيذها، ما أدى إلى مقتل عدد من هؤلاء.