صدرت،
في اليومَين الماضيَين، عن الجانبَين التركي والسوري، إشارات عكست أنّ
«شيئاً ما» يَعترض مسار المصالحة بينهما، وإنْ كان جليّاً أن الطريق ليس
سهلاً أو مفروشاً بالورود. ففي حوار إذاعي أبرزته الصحف التركية في صدْر
صفحاتها، يوم أمس، تحدّث الناطق باسم الرئاسة، إبراهيم قالين، عن أن
العملية العسكرية البرية في سوريا لا تزال «خياراً» مطروحاً على الطاولة،
ويمكن أن تُنفَّذ في أيّ لحظة، ووفقاً لمستوى التهديد الأمني. وأعلن قالين
أن اجتماعاً لوزراء خارجية تركيا وسوريا وروسيا سيُعقد في أواسط شهر شباط
المقبل، وحتى ذلك الحين بإمكان وزراء دفاع الدول الثلاث أن يجتمعوا
مجدَّداً، مؤكداً، في الوقت ذاته، أن العملية السلمية ستستمرّ، وأن أنقره
تدعمها، وإنْ جدّد الإشارة إلى أن «قوات حماية الشعب» الكردية، و«حزب
العمّال الكردستاني» مجموعتان «إرهابيتان» يجب التخلُّص منهما لحماية أمن
تركيا. وجاء حديث قالين في أعقاب تأجيل موعد اجتماع وزيرَي خارجية
البلدَين، مرّتَين على التوالي: الأولى على إثر الاجتماع الأوّل لوزيرَي
دفاع البلدَين في موسكو، في 28 كانون الأوّل الماضي، حين توقّع وزير
الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، أن ينعقد اللقاء في منتصف كانون
الثاني الجاري، ثمّ قال إنه سيجري في مطلع شباط المقبل. والثانية، لدى
الإعلان أن وزيرَي الدفاع قد يجتمعان مجدّداً، وهذا يعني أن هناك قضايا
لوجستية وميدانية وأمنية وعسكرية لا تزال عالقة، وتحتاج إلى المزيد من
التشاور لإيجاد حلول لها. وعلى ضوء نتائج هذه الاجتماعات، يمكن أن ينعقد أو
يتأخّر أو لا ينعقد لقاء وزيرَي الخارجية.
وعلى الجانب الآخر، السوري، صدرت مواقف ربّما تكون الأكثر إشارةً إلى دقّة مسار المصالحة، وما يعتريه من تعقيدات لا تُحلّ بمجرّد لقاء أو اثنين أو صورة مشتركة. وفي هذا الإطار، قال الرئيس السوري، بشار الأسد، بعد لقائه المبعوث الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، إن «هذه اللقاءات، حتى تكون مثمرة، يجب أن تُبنى على تنسيق وتخطيط مسبقَين بين سوريا وروسيا من أجل الوصول إلى الأهداف والنتائج الملموسة التي تريدها سوريا، انطلاقاً من الثوابت والمبادئ الوطنية للدولة والشعب المبنيّة على إنهاء الاحتلال ووقْف دعم الإرهاب». وجاءت الإشارة الثانية على لسان وزير الخارجية، فيصل المقداد، بعد لقائه نظيره الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، في دمشق، السبت، من أنه «لا يمكن عودة العلاقات الطبيعية بين تركيا وسوريا من دون إزالة الاحتلال التركي». من جهته، تحدّث الوزير الإيراني عن أن أيّ حوار بين دمشق وأنقرة يمثّل خطوة إيجابية تصبّ في مصلحة البلدَين والمنطقة «إذا كان جادّاً»، مؤكداً أن بلاده «تثق ثقة كاملة» بالمواقف والقرارات السورية. ولربّما يعكس ما تقدَّم تشكيكاً إيرانياً في جديّة الجانب التركي، كما أن الحديث عن «ثقة كاملة» بالموقف السوري ربّما يبدو ردّاً على شائعات تباينات الموقف بين طهران ودمشق في شأن المصالحة مع أنقرة. إلى ذلك، عكست تطوّرات ميدانية أيضاً ما يعتري عملية التطبيع من عوائق، من مثل مقتل جنود سوريين في قصف تركي في شمال البلاد، ومن ثم إعلان أنقرة أن أحد جنودها قتل في قصف على قاعدة تركية في ريف حلب، فضلاً عمّا أفيد به من مقتل أربعة جنود سوريين جرّاء اشتباكات عنيفة مع مسلّحي «هيئة تحرير الشام» في ريف اللاذقية.
بات مؤكداً أن اللقاء بين الرئيسَين التركي والسوري لن يجري في الموعد الذي يرغب فيه إردوغان
وفي
ضوء المواقف الصادرة عن الجانبَين التركي والسوري وأيضاً الإيراني، بات
مؤكداً أن اللقاء بين الرئيسَين التركي والسوري، لن يجري في الموعد الذي
يرغب فيه الأول، وربّما تأتي الانتخابات التركية لتطيحه إلى ما بعدها، في
حال مضيّ مسار المصالحة قُدُماً. كذلك، تطرح التصريحات المختلفة أكثر من
علامة استفهام تتعلّق بأساسيات ومحدّدات التطبيع بين تركيا وسوريا، كما
مواقف الأطراف الأخرى، ومنها روسيا وإيران. كما أتت التصريحات «الصارمة»
للأسد والمقداد، بعدما لفت المراقبين «تأخُّر» الردّ الرسمي السوري على ما
كان يَصدر من مواقف تركية منذ مطلع آب من العام الماضي. وكان كل ما يتعلّق
بالمصالحة المفترَضة يأتي من الجانب التركي، وآخرها ما اعتُبر خريطة طريق
رسمها إردوغان قبل حوالي شهر ونصف شهر، على أساس لقاءات تتدرّج من المستوى
الاستخباري إلى وزراء الدفاع، فالخارجية والرؤساء. وجاء بيان وزارة الدفاع
السورية الإيجابي بعد لقاء موسكو، في إطار العموميات، ليُحكى من بعده عن
تأجيل لقاء وزيرَي الخارجية ومن ثم اشتراط الأسد، للقاء إردوغان، زوال
الاحتلال أوّلاً، ليؤكد الموقف الرسمي السوري الحذر من الرغبة التركية
المفاجئة في المصالحة، خصوصاً أن هذه الرغبة لم تقترن إلى الآن بأيّ خطّة
عملية ومبرمجة زمنيّاً. وقد انتظرت القيادة السورية اجتماع موسكو لتبني على
الشيء مقتضاه، وقد بُني هذا الشيء، أخيراً، على لسان الأسد والمقداد،
وعنوانه أن الرئيس التركي «يبيع سمكاً في الماء»، ويُقدّم وعوداً غير مقنعة
لدمشق.ad
في المقابل، فإن العزف التركي الجديد على وتر العملية العسكرية البرّية جاء كما لو أنه ردّ على موقفَي الأسد والمقداد، وأيضاً كمؤشر من شأنه تعزيز التقديرات القائلة بأن تركيا ليست جادّة في عملية التطبيع ولا تريد منها سوى تقطيع الوقت من الآن وحتى الانتخابات الرئاسية في حزيران (وربّما في أيار) المقبل، وأن الأهمّ لإردوغان هو الظهور في صورة مشتركة مع الأسد يستثمرها في الانتخابات الرئاسية، فيما تنتظر دمشق من أنقرة أجوبة واضحة ومفصّلة عن خريطة طريقها للانسحاب من الأراضي السورية وتصفية المسلّحين المعارضين في إدلب والمناطق المحتلّة، بمن فيهم ما يسمّى «الجيش الوطني»، وعدم الاكتفاء، كما قال قالين، بتصفية قوات «قسد».
الاخبار