في
تطوُّر يفتتح فصلاً جديداً في العلاقات السورية - المصرية، حلّ وزير
الخارجية المصري، سامح شكري، ضيفاً على دمشق، حيث أجرى لقاءً مع نظيره
السوري، فيصل المقداد، والرئيس بشار الأسد، في زيارة هي الأولى من نوعها
لمسؤول ديبلوماسي مصري رفيع المستوى إلى سوريا منذ عام 2011. الزيارة التي
حاول شكري إضفاء الطابع الإنساني عليها، عبر تأكيده أكثر من مرّة أنه جاء
ليعلن تضامُن بلاده مع سوريا على خلفيّة الزلزال المدمّر الذي ضرب البلاد
في السادس من شباط الماضي، تتزامن مع حَراك عربي على مستويات عدّة، تلعب
فيه كلّ من الإمارات وسلطنة عُمان دوراً بارزاً لتقريب وجهات النظر،
والتوصّل إلى صيغة مناسبة لجميع الأطراف تعود من خلالها دمشق إلى لَعِب
دورها الاستراتيجي، خاصة بعد وصول الأزمة إلى حالة استعصاء أفرزها فشَل
جميع محاولات تغيير نظام الحُكم في سوريا.
وخلال لقائه الأسد، نقَل الوزير المصري رسالة من الرئيس عبد الفتاح السيسي، أكد فيها الأخير تضامُن مصر مع سوريا، واستعدادها لمواصلة دعْم السوريين بمواجهة آثار الزلزال، واعتزازه بالعلاقات التاريخية بين البلدَين، وحرْص القاهرة على تعزيز هذه العلاقات وتطوير التعاون المشترك. وردّ الأسد على ذلك بشُكر الضيف المصري، وإبداء حرْص سوريا على الصِلات مع مصر «في إطار السياق الطبيعي والتاريخي»، معتبراً أن «العمل لتحسين العلاقات بين الدول العربية بشكل ثنائي هو الأساس لتحسين الوضع العربي بشكل عام». وتأتي زيارة رأس هرم الديبلوماسية المصرية إلى دمشق لتعيد إحياء روابط تاريخية بين البلدَين، بعد قطيعة بدأت عام 2011، ووصلت إلى ذروتها خلال تولّي «الإخوان المسلمين» حُكم مصر بقيادة الراحل محمد مرسي، الذي أعلن في حزيران من عام 2013 قطْع علاقة بلاده رسمياً مع دمشق، والانضمام إلى الحلف المناوئ للحكومة السورية، محتضِناً نشاط قسم من المعارضة السورية، وداعياً إلى فرْض حظر جوّي على سوريا. وتروي مصادر مصرية عدّة أن موقف الجيش المصري الذي كان يقوده في تلك الفترة السيسي، الذي شغل آنذاك منصب وزير الدفاع، ظلّ معارضاً لموقف مرسي، وهو ما أكّده الكاتب المصري الراحل، محمد حسنين هيكل، خلال لقاء تلفزيوني، ذكر خلاله أن الجيش المصري رفض سياسة الرئيس الراحل، غير أن الأخير استمرّ فيها.
أعادت زيارة رأس هرم الديبلوماسية المصرية إلى دمشق إحياء علاقات تاريخية بين البلدَين بعد قطيعة بدأت عام 2011
وبعد
انهيار حكومة «الإخوان»، وصعود السيسي إلى السلطة، عادت العلاقات جزئياً
بين البلدَين، الأمر الذي أعلنه الرئيس المصري صراحة خلال زيارة أجراها
بُعيد تولّيه السلطة إلى الولايات المتحدة عام 2014، حيث أشار إلى متانة
الصِلات التي تَجمع جيشَي البلدَين، وأكد أن وحدة سوريا تُعتبر جزءاً من
الأمن القومي المصري. ومع ذلك، لم ترقَ الروابط إلى مستويات رفيعة، بل
انحصرت في نطاق اللقاءات الأمنية، قبل أن يأتي اللقاء الذي جمع وزير
الخارجية السوري، فيصل المقداد، بنظيره المصري في نيويورك على هامش اجتماع
الجمعية العامّة للأمم المتحدة عام 2021، ليشكّل علامة فارقة. وإلى جانب
التعاون الأمني والعسكري الوثيق، لعب مستثمرون سوريون نقلوا استثماراتهم من
سوريا إلى مصر خلال الحرب، دوراً بارزاً في تعزيز العلاقات بين البلدَين،
بعدما بلغ حجم تلك الاستثمارات نحو 23 مليار دولار.
وأبدت سوريا، مرّات
عديدة، خلال تصريحات أطلقها الأسد والمقداد، تفهّمها لموقف بعض الدول التي
تتواصل مع سوريا بشكل غير علني بسبب الضغوط الغربية والأميركية، وهو ما
يمكن أن ينطبق على مصر، التي مرّت بظروف اقتصادية وسياسية صعبة خلال
الأعوام الماضية، شكّلت عائقاً أمام اتّخاذ خطوات «انفتاحية» كبيرة. إلّا
أن هذه الظروف يبدو أنها بدأت تتحوّل خلال الأشهر القليلة الماضية، في ظلّ
مبادرات عربية عديدة بقيادة الأردن والإمارات وسلطنة عُمان لكسر الجمود
السياسي، شكّلت التداعيات الكارثية للزلزال فرصة للمضيّ بها قُدُماً، وفتْح
الباب أمام مصر التي بادر رئيسها، فور وقوع الكارثة، إلى الاتّصال بالأسد،
والإيعاز بإرسال مساعدات عبر الجوّ والبحر. وفي وقت يَجري فيه الحديث في
بعض الأوساط السياسية العربية عن وجود خلافات سعودية – مصرية يمكن أن تكون
قد شكّلت دافعاً إضافياً لاتّخاذ القاهرة خطوتها الواسعة نحو دمشق، تُنبئ
التحرّكات العربية بأن الانفتاح المصري يندرج في إطار نشاط عربي واسع
النطاق لا يستثني الرياض، التي أعلن وزير خارجيّتها، فيصل بن فرحان، تغيّر
موقف بلاده من سوريا، مشدّداً على ضرورة التواصل مع دمشق التي من المنتظر
أن يزورها خلال الأيام المقبلة.
وعلى الرغم من الانفتاح المتواصل لعواصم عربية على دمشق، سواءً قبل الزلزال أو بَعده، تُواجه هذه الخطوات معوّقات عديدة واختبارات صعبة، أبرزها الموقف الأميركي الرافض لهذا التطبيع، والتهديد بالعقوبات الأميركية أحادية الجانب المفروضة على سوريا، بالإضافة إلى امتلاك واشنطن أوراق ضغط عديدة قد تبادر إلى استخدامها خلال الفترة المقبلة.