العدوان الذي وصفتْه الخارجية السورية، في بيانها، بأنه «يعكس من جديد أبشع صور الهمجية واللاإنسانية للكيان الإسرائيلي، وممارسته لأشدّ وأفظع الانتهاكات للقانون الدولي، بما في ذلك القانون الإنساني الدولي»، جاء ليقطع الطريق على وصول طائرات المساعدات الإغاثية إلى المدينة المنكوبة. وكان مطار حلب قد استقبل، وفق المؤسّسة العامّة للطيران المدني، 79 طائرة منذ وقوع الزلزال، كجزء من حمولات المساعدات الواردة إلى المدينة التي تسبّبت الكارثة الطبيعية بتشريد الآلاف من سكّانها. وحذّرت الوزارة «الكيان الإسرائيلي من مغبّة الاستمرار في ارتكاب هذه الجرائم»، ودعت «المجتمع الدولي إلى إدانتها والعمل على وضع حدّ لها، وخاصّة أنها تُنذر بالمزيد من التهديدات والأخطار للأمن والسلم في المنطقة والعالم»، معتبرةً أن «العدوان الإجرامي (...) يُعدّ جريمة مزدوجة كونه من جهة استهدف مطاراً مدنياً، ومن جهة أخرى إحدى القنوات الأساسية لوصول المساعدات الإنسانية من داخل سوريا وخارجها إلى ضحايا الزلزال». ومن جرّاء هذا الاستهداف، أعلنت وزارة النقل تحويل هبوط طائرات المساعدات الإغاثية الإنسانية، والتي كانت مبرمجة رحلاتها عبر مطار حلب الدولي، إلى مطارَي دمشق واللاذقية، علماً أن سوريا استقبلت، منذ وقوع الكارثة حتى مساء أوّل من أمس الاثنين، 283 طائرة معونات تَوزّعت على ثلاثة مطارات (دمشق: 107 طائرات، حلب: 79 طائرة، واللاذقية: 97 طائرة).
قطَع العدوان الإسرائيلي الجديد على حلب الطريق على طائرات المساعدات الإغاثية إلى المدينة المنكوبة
وبعدما
كانت وسائل إعلام سورية معارضة، وبعض وسائل الإعلام العربية، تُسارع إلى
تبرير الاعتداءات السابقة، بذريعة أن سببها إيران، لم تَجِد هذه المرّة
تبريراً مناسباً للجريمة، وخصوصاً أن العدوان استهدف مدرّجات المطار، ما
يعني أن إسرائيل أرادت تعطيل المرفق ومنْع هبوط طائرات فيه. وفي هذا
الإطار، عمد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» المُعارض، والذي كان سبّاقاً
خلال الاعتداءات السابقة في تسويغ العدوان واعتباره جزءاً من «حرب
إسرائيلية - إيرانية على الأرض السورية»، وفق تعبيره، إلى إدانة الاستهداف
الأخير بشكل غير مباشر، عن طريق التأكيد أن مطار حلب كان «خليّة نحل لنقل
المساعدات العربية للشعب السوري»، زاعماً أن «إيران تستخدم محيط المطار»
وليس مدرّجاته حتى يتمّ إخراجها عن الخدمة.
وسبقت العدوانَ حملةٌ
إعلامية مركّزة استهدفت النشاط الإغاثي الإيراني والعراقي (الحشد الشعبي)
لمدينة حلب، بعدما أنشأ العراق جسراً جوّياً وبرّياً لمساعدة المدينة، وبدأ
مشاريع إغاثية عدّة، من بينها بناء مساكن مؤقّتة، إلى جانب الحملة التي
تنفّذها الإمارات، متصدّرةً من خلالها قائمة الدول التي أرسلت ولا تزال
ترسل مساعدات إلى سوريا، وهو ما سيؤدّي القصف الإسرائيلي إلى إعاقته الآن.
ودانت إيران الهجوم، واعتبرتْه «مثالاً واضحاً على الجريمة بحق الإنسانية»،
مشيرة، على لسان الناطق باسم الخارجية ناصر كنعاني، إلى أن «بعض الدول
الغربية ومنظّمات حقوق الإنسان تلتزم الصمت حيال استمرار الهجمات الوحشية
واللاإنسانية للكيان الصهيوني المجرم على سوريا، وهذا الصمت مثال على تشجيع
الكيان المذكور كمعتدٍ ومنتهك لحقوق الإنسان والقوانين والأنظمة الدولية».
ويُعدّ هذا العدوان الثاني من نوعه على مطار حلب الدولي خلال أقلّ من ستة أشهر، بعدما تسبّب الأوّل الذي وقع نهاية شهر آب من العام الماضي بخروج المطار عن الخدمة لأربعة أيام بسبب تعرّض مدرّجاته لأضرار بالغة. كذلك، يعدّ الهجوم الثاني أيضاً بعد وقوع الزلزال، حيث استهدفت إسرائيل أوّلاً بناءً سكنياً في حيّ كفرسوسة في دمشق في التاسع عشر من شهر شباط الماضي، ما أدّى إلى مقتل 5 أشخاص وإصابة 15 آخرين. وسيكون من شأن الضربة الأخيرة أن تُعمّق من معاناة حلب، التي اعتبرها تقرير أصدره "البنك الدولي" قبل أيام، «أشدّ المحافظات تضرّراً، إذ سُجّلت فيها 45% من مجمل الأضرار التقديرية (2.3 مليار دولار)»، بينما قُدّر، بشكل مبدئي، حجم الخسائر الاقتصادية في أربع محافظات سورية ضربها الزلزال (حلب وحماة وإدلب واللاذقية) بنحو 5.1 مليار دولار.