لم يمضِ وقت قصير على إعلان الولايات المتحدة اختراق الطائرات الروسية -
أكثر من 20 مرّة - الأجواء فوق «قاعدة التنف»، وتالياً انتهاك اتّفاق غير
معلَن بين البلدَين في سوريا، حتى تعرّضت قاعدة «التحالف الدولي» في خراب
الجير في ريف الحسكة الشمالي الشرقي، لاستهداف صاروخي، أَوقع خسائر بشرية
في صفوف الأميركيين، للمرّة الأولى منذ بدء «المقاومة الشعبية» باستهداف
القواعد الأميركية غير الشرعية في البلاد، في حزيران عام 2021. وفيما كانت
الطائرات الروسية تواصل عمليّات الرصد والمراقبة في أجواء منطقة الـ55 كلم
و«قاعدة التنف»، نجحت إحدى الطائرات المسيّرة التي يُرجّح أنها تابعة
لفصائل سورية مدعومة من إيران، في استهداف «قاعدة ومطار خراب الجير» في ريف
اليعربية، بعدد من الصواريخ، وهو ما خلّف خسائر بشرية ومادية فيها.
ويبدو
ممّا تقدَّم، أن هناك تنسيقاً روسيّاً - إيرانيّاً غير معلن للتصعيد ضدّ
الوجود الأميركي في سوريا، بهدف الضغط على الولايات المتحدة لإجبارها على
اتّخاذ قرار بالانسحاب من القواعد التي تتواجد فيها شمال البلاد وشرقها.
والظاهر أيضاً أن الجانب الروسي ركّز اهتمامه على مراقبة وتعقّب تحرّكات
الأميركيين في التنف جنوب البلاد، فيما تولّى الجانب الإيراني مهامّ مراقبة
واستهداف القواعد الأميركية في محافظتَي الحسكة ودير الزور، في الشمال
الشرقي منها. وفي هذا الإطار، أفادت مصادر ميدانية، «الأخبار»، بأن «طائرة
مسيّرة تابعة للمقاومة الشعبية السورية المدعومة من إيران، نجحت في اختراق
نظام مراقبة خاص نشرتْه الولايات المتحدة في عموم قواعدها في سوريا،
واستهدفت بعدّة صواريخ هنغاراً هو عبارة عن غرف منامة، ما أدّى إلى وقوع
خسائر بشرية ومادية»، مشيرة إلى أن «الاستهداف وقع بعد ظهر الخميس، من دون
تحديد الوجهة التي انطلقت منها الطائرة المسيّرة». ولفتت المصادر إلى أن
«نجاح الطائرات المسيّرة في إسقاط قتلى في صفوف الأميركيين، يُعتبر تطوّراً
نوعيّاً في عملها»، متوقعةً أن «تصعّد المقاومة من عمليّاتها حتى الوصول
إلى هدفها الرئيس في الضغط على قوات الاحتلال الأميركي، لمغادرة المنطقة
نهائيّاً».
وبعمليّتها
هذه، تكون «المقاومة الشعبية» قد تمكّنت من خرْق نظام مراقبة عالي
التقنية، يتضمّن رادارات وكاميرات حراريّة ونظام دفاع جوياً نصبته الولايات
المتحدة في جميع قواعدها في سوريا. كما أن استهداف «مطار خراب الجير»
خصوصاً، وإنْ لم يكن الأوّل من نوعه، يمثّل نجاحاً إضافيّاً للمقاومة، لكون
المنطقة تقع تحت سيطرة «قسد»، منذ أكثر من 10 سنوات، فيما تبعد أقرب نقطة
من أماكن وجود المقاومة المفترضة في دير الزور، عنه، أكثر من 200 كلم. ومن
هنا، ثمّة ثلاثة احتمالات لنقطة انطلاق المسيّرة، وجميعها كارثيّة بالنسبة
إلى الأميركيين: فإمّا أنها نجحت في قطْع أكثر من 200 كلم من مناطق سيطرة
الجيش السوري في دير الزور متجاوزةً سلسلة من القواعد الأميركية في الدير
والحسكة، أو أنها انطلقت من محيط القاعدة، أو أنها انطلقت من داخل الحدود
العراقية الملاصقة للقاعدة، وهو احتمال يبدو ضعيفاً. ساد التخبط صفوف القوات الأميركية الموجودة في «قاعدة التنف»
وأمام
هذه السيناريوات، ساد التخبّط صفوف القوات الأميركية الموجودة في القاعدة،
والتي نفّذت، بالتعاون مع «قسد»، سلسلة اعتقالات بحقّ مدنيين في القرى
والتجمّعات السكنية المحيطة، بتهمة تسريب معلومات عن تحركات القوات
الأميركية ومراكزها في المنطقة. كذلك، شهدت أجواء محافظتَي الحسكة ودير
الزور، تحليقاً متواصلاً للطيران الأميركي الحربي والمسيّر، في موازاة
استنفار داخل القواعد ونشر دوريات تابعة لـ«قسد» في محيط «العمر»
و«كونيكو»، تخوّفاً من وقوع هجمات مشابهة لهجوم «خراب الجير». وبعد مرور 12
ساعة على الاستهداف، وتأكيد وقوع خسائر بشرية في صفوف الأميركيين، نفّذت
طائرات حربيّة أميركية، غارات جويّة على عدّة مواقع لقوات محلية سورية
مدعومة من إيران في مدينة دير الزور وبادية البوكمال. وأعلنت وزارة الدفاع
الأميركية («البنتاغون»)، في بيان، «شَنّ غارات محدودة ودقيقة ضدّ جماعات
مدعومة من إيران شرق سوريا، رداً على هجوم طائرة من دون طيار أسفر عن مقتل
متعاقد أميركي وإصابة خمسة جنود». وأشار البيان إلى أن «أجهزة الاستخبارات
حدَّدت أن المسيّرة من صنع إيراني»، مضيفاً أنه «تمّ تنفيذ الغارات الجوية،
رداً على الهجوم الذي وقع الخميس، بالإضافة إلى سلسلة من الهجمات الأخرى
ضدّ قوات التحالف الدولي من مجموعات تابعة لإيران».
من جهتها، أكدت
مصادر ميدانية سورية في دير الزور، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «طائرات
تابعة للاحتلال الأميركي اعتدت بعدّة غارات على بناءين عسكريّين توجد فيهما
قوات رديفة في منطقة هرابش، بالقرب من مطار دير الزور العسكري، ما أدّى
إلى ارتقاء خمسة شهداء وأربعة جرحى»، مضيفاً أن «العدوان طاول أيضاً نقطة
عسكرية لقوات رديفة في بادية القورية في ريف الميادين، ما أدّى إلى استشهاد
عنصرَين وجرح خمسة أفراد من القوات الرديفة». وعادت «المقاومة الشعبية»
للردّ على الاعتداءات الأميركية مجدّداً، باستهداف صاروخي لقاعدة حقل
«العمر» النفطية، شمال شرقي دير الزور، بعد ظهر الجمعة، من دون معلومات عن
حجم الخسائر، ووسط استمرار حالة التوتّر في عموم المنطقة.
في
هذا الوقت، حذّر «المركز الاستشاري الإيراني»، في بيان، أمس، الأميركيين
من استهداف مراكزه وقواته، قائلاً: «نملك اليد الطولى ولدينا القدرة على
الردّ في حال تمّ استهداف مراكزنا وقواتنا على الأراضي السورية». كما أوضح
أن العدوان استهدف «نقاطاً مدنية» هي عبارة عن «مخازن تغذية ومراكز خدمات»،
لافتاً إلى سقوط «عدد من الشهداء والجرحى الأبرياء الذين لا ذنب لهم». كما
أشار البيان إلى أن الاحتلال الأميركي يحاول، من خلال اعتدائه على المنطقة
منذ سنوات، «فرْض معادلة، ولطالما كانت ذريعتهم أنهم يردّون على مصادر
نيران»، مضيفاً أنه «تبيّن أنهم يسعون، بحسب ما يعتقدون ويُشيعون، إلى
استهداف أسلحة دقيقة وتجهيزات حسّاسة تنقلها إيران، وتُشكّل خطراً على
ربيبتهم إسرائيل». وفي أعقاب إطلاق التحذير الإيراني، تمّ استهداف القاعدة
الأميركية في حقل العمر النفطي في ريف دير الزور الشرقي، بعدة قذائف
صاروخية.