حلقات الأيام الأخيرة متداخلة بعضها ببعض. من الحلقة الصغرى إلى الحلقة الكبرى. رئيس تيار المردة سليمان فرنجية ذهب إلى باريس وعاد دونما أن يحمل كلمة السر النهائية بانتخابه رئيساً. الرجل حليف حزب الله. لكنه أولاً حليف سوريا المدعوة إلى العودة إلى الجامعة العربية في قمة 19 أيار المقبل في ضيافة الرياض، أول مَن حضّ على إخراجها من الجامعة وأول مَن يعيدها إليها. الحلقات التالية أن حواراً مباشراً بدأ بين سوريا والإمارات، ثم انتقل إلى السعودية، وعرّج على مصر ولا أحد يعرف ماذا ينتظره. لكن المؤكد أن الأصل يكمن في الحوار السعودي - السوري في قضايا البلدين والجوار، على غرار الحوار السعودي - الإيراني المار في هذه الأيام في شهر عسل مفتوح. إذذاك يصبح لبنان جزءاً لا يتجزأ منه.

قلما عُرف، على الأقل منذ الحرب اللبنانية، أن كانت السعودية في لبنان بلا سوريا أو العكس. عندما اتفقتا في عقد ونصف عقد من الزمن في هذا البلد استقرت أحواله. عندما اختلفتا عام 2005 انفجر. أعيد ترميم علاقتهما فيه عامي 2009 و2010، ثم ذهبتا إلى المواجهة المباشرة والعلنية في الحرب السورية. من ذلك يصبح الحوار السعودي - السوري، للبلدين كما للبنان، ذا مغزى كبير وضروري. إلا أن عليه أن يسلك أولاً طريق الجامعة العربية.
أكثر مَن عبّر عن الحلقات المترابطة تلك زيارة مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى بربارا ليف لبيروت في 24 آذار قبل أن تتلاحق تطورات إضافية مذذاك. إلا أن الديبلوماسية الأميركية كشفت عن إحكام الحلقات تلك دونما تمكنها بالضرورة من فصل إحداها عن الأخرى


ما سمعه المسؤولون اللبنانيون من ليف تركز على الآتي:
1 - لم تسهب خلافاً للمتوقع في الحديث عن انتخابات الرئاسة اللبنانية. استعادت اللازمة الأميركية الدائمة وهي أن واشنطن مع انتخاب رئيس في أسرع وقت، يليه تأليف حكومة ثم مباشرة الإصلاحات وخصوصاً تطبيق البرنامج المقترح من صندوق النقد الدولي، وتضيف: ساعدوا أنفسكم كي نساعدكم. إلا أنها أكدت أن لا مرشح لإدارتها ولا تريد تنكّب أي من المرشحين على أكتافها. تنتظر انتخاب الرئيس أياً يكن فحسب.
2 - تحدثت عن الاتفاق السعودي - الإيراني برعاية الصين، وكشفت لمحدثيها اللبنانيين أن واشنطن أخذت علماً من الرياض بحصول التوقيع على الاتفاق قبل وقت قصير فقط من احتفاليته، من غير أن تحدد المدة القصيرة التي مكّنتها من الاطلاع عليه: ساعات قليلة أم أكثر بقليل؟ استنتاج المستمعين إلى ليف أن إدارتها فوجئت بالاتفاق قبل أن تبادر الزائرة إلى القول إنها ترحب به، بيد أنها طرحت علامة استفهام حيال استعداد إيران لالتزامه. أوردت شكوكاً حيال الجمهورية الإسلامية على أنها الجهة المتأهبة للإخلال به. مع ذلك لمس محدثو ليف وقْع مفاجأة الاتفاق السعودي - الإيراني برعاية صينية خصوصاً. للمرة الأولى تُتخذ مبادرة بالغة الأهمية في حجم ما حصل في الصين قلبت الأوضاع الإقليمية رأساً على عقب، تقدم عليها الرياض من دون تنسيق مسبق، لوقت طويل على الأقل، مع واشنطن التي بات من السهل سماع ديبلوماسييها يقولون إنهم لم يعودوا يفهمون لغة المملكة ويتعاملون مع جيل لا يشبه أسلافه ويغامر بالخطوط الحمر.