سيرياستيبس : يمثّل ملفّ عودة اللاجئين بنداً رئيساً من بنود خطّة «خطوة بخطوة» التي
تبنّتها «جامعة الدول العربية» في القمّة الأخيرة في جدة. إلّا أن حلحلة
هذا الملفّ، ومن ثمّ إغلاقه، لا يبدوان بمتناول اليد، في ظلّ استمرار
العقوبات الأميركية والغربية، والتي تُعيق مشاريع التعافي، وتَحسّن الوضع
الاقتصادي، الذي تضعه الحكومة السورية مطلباً رئيساً قبل بدء العودة. ومن
هنا، تَبرز أهمّية الدور العربي في مساعدة دمشق على الالتفاف على العقوبات،
وتوفير دعم يساعد الاقتصاد السوري على النهوض مجدداً، لا سيّما مع ما
خلّفته الهجرة من تبعات اقتصادية واجتماعية، خاصة تلك المتعلّقة بهجرة
الكفاءات، والتي سيكون لها تأثيرها حتماً مع أيّ إطلاق عملي لعملية إعادة
الإعمار في البلاد. ولعلّ موجات الهجرة المتتالية من مناطق خارجة عن سيطرة
الحكومة السورية، ويُفترض أنها مدعومة من الأميركيين والأوروبيين الذين
يضخّون فيها مئات آلاف الدولارات عبر الجمعيات والمنظّمات غير الحكومية،
يعزّز التقدير القائل بأن العقوبات الغربية أحدثت تأثيراً شاملاً وغير
محصور بمناطق معيّنة، وهو ما يستوجب رفعها لإنهاء ظاهرة الهجرة والنزوح.
والجدير ذكره، هنا، أن مناطق سيطرة «قسد» تتصدّر القائمة في أعداد
المهاجرين منها، ومِن بَعدها تأتي مناطق المعارضة، ومن ثمّ مناطق سيطرة
الحكومة، الأمر الذي يمكن تفسيره بعامل تدهور الأوضاع الاقتصادية، فضلاً عن
وجود منافذ غير شرعية في كلّ من سيمالكا ورأس العين وإدلب، شجّعت السوريين
على الدخول تهريباً إلى تركيا، ومنها إلى الدول الأوروبية. لاجئو دول الجوار: في انتظار الانتعاش يتصدّر
لبنان وتركيا، المجاوران لسوريا، قائمة الدول الأكثر استقبالاً للاجئين
السوريين، ومن بَعدهما الأردن والعراق. ووفق إحصاءات مفوضية الأمم المتحدة
لشؤون اللاجئين، فإن عدد اللاجئين في دول الجوار بلغ نحو 5.7 ملايين، بينهم
3.5 ملايين في تركيا، و914 ألفاً في لبنان، و654 ألفاً في الأردن، و245
ألفاً في العراق، و129 ألفاً في مصر. وبالنظر إلى ظروفهم المعيشية في تلك
الدول، فإن احتمالية عودتهم تبدو عالية، لكون غالبيتهم يعيشون على رواتب
محدودة بالكاد تؤمّن قوتهم اليومي؛ وبالتالي، فإن أيّ تحسّن للظروف
الاقتصادية سيكون عاملاً مشجعّاً لهم على العودة. ويؤكد ذلك داوود الذي
يقطن في كردستان العراق منذ أكثر من 8 أعوام، قائلاً لـ«الأخبار»، إنه
«غادر البلاد بسبب تدهور الخدمات والاقتصاد، والمخاوف من سيطرة الإرهابيين
على المنطقة»، مضيفاً أن «غالبية المتواجدين هنا يعيشون على الإعانات ولا
يريدون البقاء إلى الأبد»، وأن «الجميع ينتظرون الاستقرار السياسي والتعافي
الاقتصادي، واتّخاذ قرارات بخصوص خدمة العلم، للعودة إلى مناطقهم». ويتّفق
معه، جهاد، الذي يقطن في تركيا؛ إذ يؤكّد أن «اللاجئ السوري في تركيا غير
قادر إلّا على تأمين قوت يومه، ولا يستطيع أن يؤمّن مستقبله ومستقبل
عائلته»، متابعاً أن «التحدّي الأكبر أمام عودة اللاجئين، هو الوضع
الاقتصادي، وضمان تسوية الأوضاع للجميع».
لا يوجد رقم دقيق لأعداد السوريين الذين قصدوا القارة الأوروبية منذ عام 2011 لاجئو أوروبا: العودة مستحيلة بينما
لا يوجد رقم دقيق لأعداد السوريين الذين قصدوا القارة الأوروبية منذ عام
2011، تفيد إحصاءات متقاطعة بوجود نحو مليون ونصف مليون لاجئ هناك، بينهم
نحو 800 ألف في ألمانيا، و114 ألفاً في السويد، و74 ألفاً في هولندا، و38
ألفاً في الدنمارك. وعلى رغم أن هؤلاء يعيشون في ظروف أفضل نسبياً من تلك
التي يرزح تحتها نظراؤهم في دول الجوار، إلّا أن العديد من وسائل الإعلام
الأوروبية تتحدّث عن أوضاع صعبة تواجهها أعداد كبيرة منهم، بسبب الفروقات
الاجتماعية ومشكلات السكن ومدّة اللجوء والتعليم واللغة. ومع ذلك، فإن
التقديرات تؤكد أن غالبية السوريين الذين قصدوا البلدان الأوروبية، لا
يفكّرون في العودة في المدى المنظور على الأقلّ، خاصة أن الهجرة بالنسبة
إليهم كانت حلماً تحقّق فعلياً، بعد اندلاع الحرب. وهنا، يلفت أنس إلى أنه
«نجح في الوصول إلى ألمانيا في عام 2015، بعد أن كان حلم طفولته، وتمكّن من
الزواج من ألمانية والحصول على الجنسية، ولا يفكّر في العودة إلى سوريا
إلّا لزيارة الأهل والأقارب»، فيما يرى أبو إلياس، الذي وصل إلى السويد في
عام 2013، أن «طول أمد الأزمة، واندماج نسبة جيّدة من السوريين، وتجمّع
أغلبيتهم في مدينة واحدة، كلّها عوامل خلقت أجواء اجتماعية واقتصادية خفّفت
من آثار الغربة، ومنعت مَن هم بعمر الشباب من التفكير في العودة مطلقاً».
ويستدرك بأن «العودة من الممكن أن تتحقّق إذا كانت هناك فرص عمل ومغريات في
مرحلة متقدّمة من إعادة الإعمار، مع احتمالية عودة كبار السن، لكون
الغالبية لم يبيعوا ممتلكاتهم حتى الآن، ولامتلاكهم علاقات اجتماعية بأقارب
لا يزالون في الداخل السوري».
لا حلّ من دون واشنطن من
جانبه، يرى «مركز أبحاث المجلس الأطلسي» أن المضيّ في حلّ مشكلات اللاجئين
السوريين «أمر يصعب تنفيذه» من قِبَل «جامعة الدول العربية»، في حين «لا
يزال بإمكان الولايات المتحدة إظهار وجودها للمساعدة في ذلك». ويبيّن
المركز، في خلاصة حول عدّة دراسات أجراها عن جدوى عودة سوريا إلى «الجامعة
العربية»، ومدى تأثير ذلك على الملفّات العالقة، أن «واشنطن يمكن أن تساعد
العرب في الحصول على شيء من شأنه تحسين الظروف المعيشية للسوريين، مقابل
ترسيخ وقف إطلاق النار لضمان عدم تنفيذ المزيد من العمليات العسكرية في
المناطق الخارجة عن سيطرة دمشق». ويضيف أن «الاستقرار والأمن النسبي وزيادة
الدعم لإعادة الإعمار في الشمال السوري، قد يؤدّي إلى عودة طوعية وآمنة
للعديد من اللاجئين، بينما يمكن لواشنطن العمل مع شركائها العرب لدفع
الأطراف السورية نحو إعادة تأسيس سلطة مؤسّسات الدولة الحيوية في مناطق
المعارضة».
الاخبار
|