سورية الجميلة RSS خدمة   Last Update:25/05/2025 | SYR: 21:29 | 25/05/2025
الأرشيف اتصل بنا التحرير
TopBanner_OGE

 تاريخ العقوبات على سوريا: قصة بدأت في دمشق عام 1979 وانتهت بالسعودية
25/05/2025      




أخذ ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على عاتقه لعب دور الوسيط بين الولايات المتحدة وسوريا

 

سيرياستيبس :

يوماً بعد آخر يتغير المشهد في الشرق الأوسط، إلا أن الثابت فيه هو الدور السعودي بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي برز بوضوح كلاعب رئيس في الملف السوري، ونزع العقوبات الدولية عن دمشق بضمانات شخصية وسياسية واعتبارية.


بدأ تاريخ العقوبات الأميركية على سوريا منذ عام 1979، بذريعة أنها دولة راعية للإرهاب، ومنذ ذلك الحين استمرت العقوبات وتواترت فصولها، وتدخل في سياقها الاتحاد الأوروبي عام 1986 الذي أزال عقوباته لاحقاً، وكان أشدها قبل الحرب السورية الأخيرة التي بدأت عام 2011، هي العقوبات الأميركية عام 2003، على خلفية دعم تمرير الإرهابيين للقتال في العراق، ومن ثم عام 2004 حول قضايا الوجود السوري في لبنان وشرعيته، الذي كان مستمراً منذ عام 1976.

لكن بعد عام 2011 بدأت تأخذ العقوبات منحى تصاعدياً ملفتاً وقاسياً وصارماً، وهذه المرة من الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي وكندا وأستراليا وجامعة الدول العربية ودول كثيرة أخرى، وكان أكثرها قسوة "قانون قيصر" عام 2020، ومكافحة "الكبتاغون" عام 2023، ومحاربة التطبيع عام 2024، ليبلغ مجموع العقوبات الدولية على سوريا نحو 2500 عقوبة تشمل معظم مناحي الحياة اليومية.

 

تجميد العقوبات

ظلت هذه العقوبات منذ إقرارها بمثابة قيد يحطم أعناق السوريين، في وقت نجح نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد في التملص منها والالتفاف عليها لتحقيق توازنات وأغراض شخصية بحتة، إلى أن سقط النظام أواخر العام الماضي، وجاءت سلطة جديدة إلى رأس الهرم، ومع وصولها انتفت ضرورة وجود هذه العقوبات التي جرى إقرارها على نظام رحل، وهو ما تحقق بإعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب من السعودية تعليقه العقوبات على سوريا، بعد لقائه الرئيس السوري أحمد الشرع، برعاية مباشرة ووساطة كبرى من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي تجمع المصادر السياسية أنه بذل جهوداً جبارة لإتمام الاتفاق الذي وصف بالتاريخي.

والسؤال كيف سينعكس رفع العقوبات على حياة السوريين؟ وما المدد الزمنية التي يمكن أن يتحقق من خلالها؟ مع الأخذ في الاعتبار الفرق بين العقوبات التي صدرت على صورة أوامر تنفيذية من رؤساء أميركا ويحق لهم إلغاؤها مباشرة، وبين تلك التي صدرت عن الكونغرس بمراسيم تشريعية وقد تستغرق إزالتها وقتاً طويلاً للغاية وتشريعات جديدة؟ وما المقابل المطلوب من سوريا اليوم لتنفيذ الاتفاق تحت عباءة السعودية الضامنة التي برزت على المستوى الإقليمي والعالمي صانعة للحلول في هذا الإطار؟

 

تهمة الإرهاب

أرخت العقوبات الأميركية على سوريا، التي وضعتها واشنطن على لائحتها السوداء كونها دولة راعية للإرهاب، بثقلها السياسي والاقتصادي على البلاد. والمقصود بدعم الإرهاب هو دعم فصائل فلسطينية ولبنانية معادية لإسرائيل، بل واستضافتها وافتتاح مقار ومعسكرات تدريب لها، وشملت العقوبات المساعدات العسكرية والمالية وحظر التصدير لبعض المقتنيات، ومنها ما كان كماليات أو أساسيات.

آنذاك كان الرئيس الراحل حافظ الأسد على رأس السلطة، وفي الفترة الأولى من العقوبات لم يتغير شيء تقريباً داخل البلاد، وبدأت أواسط الثمانينيات تتضح فعلياً تداعيات تلك العقوبات.

ويستذكر الناس، في ذلك الوقت، أنهم مروا بفترات كان يصعب فيها الحصول على علبة مناديل، أو عبوة زيت وخلافهما، لكن العلاقة الاستراتيجية التي جمعت الأسد بالاتحاد السوفياتي، واعتماده على إعادة بناء قطاع الاقتصاد الداخلي، متكئاً على تجار دمشق وحلب، مكنته من الالتفاف على تلك العقوبات.

وحذا الاتحاد الأوروبي حذو أميركا وأقر حزمة عقوبات واسعة عام 1986، لكنه أزالها في أواسط التسعينيات.

فصل جديد

بدأ فصل جديد من العقوبات القاسية، كان على رأسها عقوبات عام 2003 الأميركية المرتبطة باتهام نظام بشار السد بدعم المقاتلين العراقيين في مواجهتهم مع الأميركيين، وتسهيل مرور الإرهابيين من سوريا إلى العراق، بل وفتح أبواب السجون حيث كانوا ينزلون في دمشق، فكان قانون "محاسبة سوريا" الذي شمل قيوداً صارمة في مجالات مالية ومصرفية، وأخرى تتعلق بقطاعي الطيران والاتصالات وحظر توريد مستلزماتهما.

وفي عامي 2004 و2005 عوقبت سوريا من جديد على وجودها في لبنان، واتهامها بارتكاب جرائم هناك، وتالياً الضغط عليها للخروج من هذا البلد، مع استخدام قرار أممي ملزم لذلك عقب اغتيال رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري في فبراير (شباط) 2005، وترجم هذا القرار بانسحاب جيش النظام السوري خلال أبريل (نيسان) ومايو (أيار)، اللذين تبعا الاغتيال.

نقطة التحول

بقي نظاما الأسد الأب (حافظ) والابن (بشار) يناوران بين تلك العقوبات وينجحان في تخطيها غالباً، إلى أن اندلعت الثورة السورية عام 2011، فبدأ النظام بتلقي العقوبات جملة وتفصيلاً من دول العالم، واستهدفت العقوبات للمرة الأولى رئيس الجمهورية وكبار مسؤوليه وشخصياته، وحاصرت قطاعات النقل والنفط والغاز والبنوك والاستثمار، مما أدى إلى شلل فعلي في الاقتصاد الوطني.

عاماً تلو آخر كانت تزداد العقوبات وتتسع دائرة الدول المشاركة فيها، وصولاً إلى عام 2020، إذ كان نقطة التحول في مصير حكم عائلة الأسد مع إقرار حزمة "قانون قيصر" الأميركي، الذي لم تشهد البلاد له مثيلاً في الصرامة والشدة من قبل، وشمل عقوبات بالجملة على شركات وكيانات ومؤسسات وأفراد، وتجميد أصول أموال عامة، وحظر التعامل مع أية جهة أو شخصية فردية أو اعتبارية، تتعاون مع نظام السد، وفي مختلف النواحي، في مقدمها الطاقة والتمويل والبناء والطيران والسلاح، كما أتاحت بنود القانون ملاحقة أية شركة أجنبية أو مصرفية أو شخصية تتعامل مع نظام الأسد.

في عام 2023 توج "قانون قيصر" بقانون مكافحة تجارة "الكبتاغون"، من خلال اتهام سوريا بأنها أصبحت المركز الدولي لإنتاج وتصدير المخدرات إلى الخليج ودول العالم، وأضيفت أسماء شخصيات جديدة على لائحة العقوبات من بينها رجال أعمال وأفراد من عائلة الأسد.

في عام 2024 صدر قانون عقابي جديد يهدد أية دولة تحاول تطبيع علاقاتها مع نظام الأسد تحت اسم مشروع "مناهضة التطبيع مع نظام الأسد"، ويشمل القانون عقوبات مشددة على كل حكومة أو كيان رسمي يدعم الأسد اقتصادياً أو سياسياً أو غير ذلك.

وبلع عدد العقوبات على سوريا حتى تاريخ سقوط النظام أواخر يناير ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي 2024 نحو 2500 عقوبة، وهي نسبة من أعلى معدلات العقوبات التي فرضت على دولة حول العالم في العصر الحديث، وبمجملها عاقبت التحويلات المالية والمساعدات التنموية أيضاً، فصارت سوريا من أكثر دول العالم التي ترزح تحت حصار اقتصادي خانق.

من دفع الثمن؟

فعلياً لم يدفع بشار الأسد وأسرته والمحيطون به ثمن تلك العقوبات، بل كانوا على الدوام يمتلكون ممرات خلفية للحصول على ما يريدون، وكانوا أكثر انغماساً في تجارة المخدرات وجباية الأموال واكتنازها وتأسيس إمبراطورية مالية كبرى، في حين دفع الشعب السوري ثمن تلك العقوبات على مدار عقود.

يارا خزامي والدة لثلاثة أطفال في دمشق، تقول إن العقوبات حاصرت قوت يومهم، "ولم تكن تؤثر في النظام بصورة مباشرة، لأنها لم تجوعه أو تجعله يفقد امتيازاته، ولم تثنه حتى عن بطشه في وجه شعبه"، في حين عجزت أياماً طويلة، عن تأمين الدواء والحليب لأطفالها والأسعار التهبت، وأكدت أنها "سمعت عن أناس كانوا يموتون لأنهم لا يملكون ثمن العلاج".

وفي القطاع التعليمي يبين الأستاذ المدرس جهاد ربيعة أن مدارس سوريا صارت تفتقد لأبسط المستلزمات، وبدأ يتسرب الأطفال على إثر الجوع والفقر والحاجة تاركين مقاعد الدراسة نحو العمل المضني أو الهجرة البعيدة وربما الخيام، في حين عاش من تبقى منهم في حال خوف مما ينتظرهم مستقبلاً.

أحمد عبدالرحمن، لاجئ سوري، كان مقيماً في لبنان، وعاد لبلده عقب سقوط نظام السد، يروي أن أموراً كثيرة تغيرت، حيه مهدم، منزله كذلك، لا فرص عمل ولا أفق لمستقبل، لذا قرر العودة ثانية من حيث جاء.

في الوقت ذاته تستبشر جميلة سرور من رفع العقوبات، وهي طالبة جامعية في كلية الهندسة، تعيش مع أسرتها في منزل صغير، إذ يعانون دفع إيجاره الشهري، ومن خدمات الاتصالات والمواصلات وارتفاع الأسعار، آملة أن ينتهي كل ذلك سريعاً.

في الجانب الصحي تفتقد المستشفيات والمستوصفات معظم المعدات والأدوية، وتبدأ رحلة البحث عن البدائل، بحسب الممرضة نورهان عبدالحي، التي تقول "البدائل ليست دائماً مجدية، ومعدلات الموت لدينا مرتفعة، نعاني حتى على صعيد عدد سيارات الإسعاف، وعلى صعيد تقديم الإسعافات الأولية نفسها، وذلك كله بسبب العقوبات".

 

المقابل المطلوب

"لا شيء في السياسة يأتي بالمجان، دائماً هناك مقابل"، يقول الأستاذ في العلوم السياسية رائد جمال الذي أكد أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب عرض مطالبه أمام الشرع الذي وعد بتنفيذها ليصار إلى "تجميد" العقوبات ومراجعتها، وعن أبرز تلك المطالب يقول الأستاذ الجامعي "لا شك أنه كان هناك أكثر من مطلب حيوي وفعال ويحتاج إلى عمل حقيقي، لكنني سأكتفي بذكر أبرز ما جرى طلبه من القيادة السورية الجديدة، وهو أن تتولى إدارة الشرع مسؤولية مراكز احتجاز مسلحي داعش وعائلاتهم في الشمال الشرقي من سوريا، التي ما زالت حتى الآن تحت إشراف قوات قسد (قوات سوريا الديمقراطية)، وهو بحد ذاته ملف دولي مقلق لتداخل جنسيات المعتقلين وغياب آلية واضحة للترحيل أو المحاسبة، كذلك جرى طلب فتح المجال الجوي لأميركا لمواجهة داعش ومساعدتها في ذلك بصورة تامة"، ويضيف "من بين المطالب كان ترحيل عناصر إرهابية فلسطينية من الأراضي السورية، إضافة إلى أهم بند، هو بمثابة الاختبار الصارم للإدارة الجديدة ومتعلق بترحيل المقاتلين الأجانب كافة من سوريا، الذين يفوق تعدادهم 7 آلاف، ومن بين المهم في المطالب هو توقيع سوريا على اتفاقات أبراهام مع إسرائيل".

ريادة الدور في المنطقة

يوماً بعد آخر يتغير المشهد في الشرق الأوسط، إلا أن الثابت فيه هو الدور السعودي بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي برز بوضوح كلاعب رئيس في الملف السوري ونزع العقوبات الدولية عن دمشق بضمانات شخصية وسياسية واعتبارية، وبطبيعة الحال فهذا الدور لم يأت من فراغ، بل كان حصيلة جهود دبلوماسية مركزة وقراءات استراتيجية متوازنة تعكس أهمية الرياض بين عواصم العالم كضامنة للاستقرار الإقليمي.

أخذ ولي العهد السعودي على عاتقه لعب دور الوسيط بين أميركا وسوريا، ونجح في أقل من ستة أشهر من إزاحة العقوبات عن كاهل الدولة الوليدة وفق رؤية ترتبط بالمقام الأول بالحالة الإنسانية التي تعيشها دمشق، وتمهيداً لإعادتها لدورها الإقليمي في المنطقة بعد سنوات طويلة من المشقات السياسية والتقارب والتنافر والتنافس مع المحور الإيراني – الروسي، اللذين جاء بهما الأسد عوضاً عن امتداده الطبيعي ضمن الحضن العربي.

تجمع الآراء السياسية أن الشخصية القيادية لولي العهد السعودي كانت الفيصل في إتمام اللقاء فالاتفاق، ونجحت المملكة في تذليل العقبات وإتمام ما كان يبدو مستحيلاً قبل اللقاء السوري - الأميركي.

اندبندنت عربية


شارك بالتعليق :

الاسم : 
التعليق:

طباعة هذا المقال طباعة هذا المقال طباعة هذا المقال أرسل إلى صديق