قال حاكم مصرف سوريا المركزي عبدالقادر حصرية ، إن "مصرف سوريا المركزي تلقى عروضاً من شركات من تسع دول عربية وأجنبية لطباعة عملة سورية جديدة من بينها بريطانيا والولايات المتحدة والنمسا وأيضاً الإمارات وألمانيا"، موضحاً أن "شركات من هذه الدول تواصلت مع المركزي السوري، والعروض قيد الدراسة وسيتم اختيار العرض الأفضل فنياً وكلفة"، مؤكداً في هذا السياق أن طباعة عملة جديدة لا تزال في طور الدراسة وتحتاج إلى تهيئة الظروف المواتية لها"، قائلاً "نعمل على تحقيقها حالياً".
وأضاف حصرية "نعمل على جعل الليرة السورية قابلة للتحويل"، معرباً عن طموحه بأن يكون هناك تصنيف سيادي لسوريا بعد حقبة سيئة جداً، خصوصاً في الأعوام الأخيرة من الحكم البائد، موضحاً رؤيته لتنظيم العلاقة وضبطها مع وزارة المالية ضمن مبدأ الاستقلالية لعمل البنك المركزي.
وأشار إلى أن المركزي السوري بدأ فعلياً العمل على إعادة تفعيل نظام "سويفت" العالمي الخاص بالتحويلات المالية الدولية، بعد أعوام من العزلة التي فرضتها العقوبات، لافتاً إلى أن من شأن هذا الإجراء أن يشكل نقطة انطلاق لتسهيل عمليات التجارة الخارجية وبخاصة لجهة تشجيع الصادرات، وخفض أسعار الواردات، مما سيؤثر في حركة الأسواق الداخلية ويحسن من القدرة الشرائية للمواطنين.
عملة جديدة بتصميم جديد
متخصصون مصرفيون قالوا ، إن من الطبيعي أن تتلقى سوريا هذا العدد الكبير من العروض لطباعة العملة الجديدة، وأن تكون هناك منافسة للفوز بصفقة طباعة عملة جديدة تكلف عشرات الملايين من الدولارات، وكون سوريا اليوم بلداً منفتحاً والمنافسة فيه مشروعة كما أنها (أي سوريا) تشكل فرصة استثمارية سخية ومغرية مما يجعلها قبلة الشركات التي تبحث عن استثمار وعقود وصفقات وتصريف لمنتجاتها وتقديم خدماتها، خصوصاً أن سوريا تأخرت كثيراً عن التطور الحاصل في العالم وبخاصة في المجال التقني والتكنولوجي، وتعد بكراً للاستثمار وتحظى باهتمام عالمي حالياً على المستويات كافة.
وقالوا إن "التوجه نحو طباعة عملة جديدة في سوريا يحتاج إلى توفر جملة من العوامل أهمها إرساء أسس اقتصادية صحيحة، خصوصاً أن سوريا في طريق التحرر من عقوبات كبلتها لأكثر من 46 عاماً وتنتقل من اقتصاد موجه ومشوه إلى اقتصاد سوق حرة تنافسية، وتعاني تضخماً وانخفاضاً في القيمة الشرائية كما أن طباعة النقود ترتبط بحجم الاقتصاد وإعادة بناء الإنتاج والاحتياطي من القطع والذهب للمحافظة على الاقتصاد.
مشيرين إلى أن تبديل العملة السورية ليس حلاً سحرياً، بل جزء من عملية إصلاح شاملة تتطلب إصلاحاً سياسياً واقتصادياً لاستعادة الاستقرار، من خلال آليات حماية متعددة الطبقات لمنع اختراق الأموال غير المشروعة، بغياب هذه العوامل قد يتكرر سيناريو زيمبابوي وفنزويلا، مما يفاقم الأزمة بدلاً من حلها.
من جهته قال مصدر مصرفي ، إننا "نخطط في سوريا لطباعة عملة قوية، لذلك لا بد من تهيئة الظروف المناسبة للانتقال إلى استخدام عملة جديدة"، مؤكداً أن "العملة بصورتها الحالية لن تبقى وسنشهد ولادة عملة جديدة بتصميم جديد وقد يأخذ الأمر بعض الوقت فنحن نريد أن تكون العملة السورية الجديدة قابلة للتحويل على أن الطموح هو جعل الليرة السورية قابلة للتداول في الأسواق المالية".
يأتي التوجه نحو طباعة عملة جديدة في وقت تعاني فيه سوريا أزمة اقتصادية حادة كانت من أهم ملامحها انهيار قيمة الليرة السورية، التي فقدت أكثر من 95 في المئة من قيمتها منذ عام 2011، مما أدى إلى تضخم مفرط، وتراجع الثقة بالعملة المحلية، وانتشار الاقتصاد الموازي إلى جانب معاناة 90 في المئة من السوريين الفقر وارتفاع معدلات البطالة بحسب تقارير أممية.
ويبدو خيار تبديل العملة إصلاحاً نقدياً جذرياً وضرورياً لاستعادة الاستقرار النقدي، وضبط الكتلة النقدية داخل وخارج البلاد، ومكافحة التضخم، وإعادة هيكلة النظام المالي، واستعادة ثقة المواطنين والمستثمرين عبر تبني سياسات نقدية ناجحة تعمل على إدارة النقود بصورة علمية سليمة، إلى جانب تأمين الابتعاد عن سياسة التمويل بالعجز التي استمرت لعقود من الزمن مما أدى إلى تشابكات مالية معقدة في بنية العمل المؤسساتي في البلاد.
الدفع الإلكتروني والعملات المشفرة
حاكم مصرف سوريا السابق والمتخصص المصرفي دريد درغام أكد في : أن طباعة عملة جديدة في سوريا عملية ضرورية بل أولوية، ولكن نجاحها مرتبط بوجود خطة اقتصادية واضحة وموارد كافية واستقرار عموماً، مشيراً إلى أن كلفة الطباعة لكل ورقة تراوح ما بين ثمانية و20 سنتاً بحسب درجة تعقيد وأمان الأوراق المطبوعة، لذا لا بد من دراسة الفئات المطروحة بعناية في نطاق متطلبات التعاملات التجارية والأهم وضع خطة سحب العملة، وألا يُعرض الناس لطوابير التبديل، وأخيراً لا بد من اختيار توقيت التبديل ومدته بصورة مدروسة جداً.
درغام أكد في حديثه على ضرورة وجود تصور متكامل لبنية الدفع الإلكتروني القادمة بما فيها تشريعات المصارف الرقمية وشركات المحافظ الإلكترونية وضمان التناغم فيما بينها بحيث لا نكرر التقدم التقني الذي شهدته بعض الدول من دون وجود التناغم المطلوب بين وسائط الدفع المعتمدة بين مختلف المصارف المعنية أو من دون تعميم الدفع الإلكتروني عليها جميعاً، مؤكداً ضرورة وجود رؤية مقبولة لدرجة انخراط سوريا في منصات العملات المشفرة وكيفية الاستفادة منها بما يخدم أولويات البلاد ودعا إلى إعادة النظر في أهداف ونشاط وملاءة المصارف المحلية سواء من الناحية المالية أو التشغيلية والتحضير لمعايير جديدة تسمح فقط للمصارف الجدية بالاستمرار بالعمل في السوق السورية وما يتطلبه الأمر من إعادة هيكلة واندماج أو رسملة واستثمارات تقنية وانتشار جغرافي لتحقيق أعلى درجة من الشمول المالي.
التسريع بالدفع الإلكتروني أفضل
ومن وجهة نظر تجارية حول طباعة عملة سورية جديدة قال عضو غرفة تجارة دمشق محمد حلاق، في موضوع العملة الجديدة لا شك أننا في حاجة إلى حلول من خارج الصندوق، كإلغاء أكثر من فئة نقدية (5000 و2000) ويترتب على هذا الأمر أن نقوم بإجراءات عدة منها تعديل سعر الصرف المرجعي بناءً على الكتلة النقدية التي سنستغني عنها أو الكتلة النقدية المتوفرة وبالطبع هناك الكثير من العوامل التي يجب أن تتوافق وتترافق مع هذا الإجراء كتسكير الحدود ليوم أو يومين وتعديل القيم المتوفرة بالمصارف كافة بحسب السعر المرجعي الجديد وتعديل قيم الأوراق المالية وكثير من الأمور الأخرى التي يجب أن تكون توافقية ما بين اقتصاديين وأكاديميين وآخرين.
وقال الموضوع ليس بالسهل، وإنما قابل للتطبيق في حال وجود توافق عليه ورغبة شديدة بالتعديل ومطلوب منه الكثير من الإجراءات الأخرى.
الأمر الآخر لماذا تتم طباعة عملة جديدة، ولا يتم التحول باتجاه الدفع الإلكتروني؟ بالطبع هذا الإجراء هو الأفضل والأحدث ولكن يلزمه تعديل كامل لكثير من التشريعات بحيث يصبح الدفع الإلكتروني متاحاً، ومقبولاً وواجباً لا شك.
يتابع حلاق حديثه أن البيئة غير متهيئة حالياً لمثل هذا الإجراء ولكن التسريع بهذا الاتجاه قد يكون أفضل من طباعة عملة جديدة.
هي أفكار تحمل في طياتها الكثير من الحلول والنقاشات التي يجب أن تقدم الأفضل للاقتصاد السوري الذي عانى ما عاناه خلال 14 عاماً من الحرب و60 عاماً من القهر والتراجع.
القضاء على الأموال المشبوهة
المتخصص في الشأن الاقتصادي والمصرفي والأستاذ في الجامعة الوطنية الخاصة في مدينة حماة إبراهيم نافع قوشجي، قال ، "تبديل العملة في سوريا ليس مجرد خطوة تقنية، بل هو مشروع إستراتيجي لإعادة رسم ملامح الاقتصاد الوطني واستعادة ثقة المواطنين والمستثمرين بالليرة السورية.
إن إصدار عملة جديدة لا ينبغي أن يكون مجرد أداة تقنية لمعالجة التضخم، بل يجب أن يكون محفزاً لاعتماد سياسات نقدية دقيقة تكبح جماح التضخم من خلال ضبط كمية النقود المتداولة بما ينسجم مع حجم الإنتاج، وتطوير آليات فاعلة لإدارة السيولة وفق منهج علمي يضمن الاستقرار المالي".
أوضح أن هذا التحول لا يمكن أن يتم من دون إجراءات قانونية ومصرفية صارمة تهدف إلى مكافحة الاقتصاد غير الرسمي، وذلك عبر إلزام الجميع بالاندماج في النظام المصرفي الرسمي وإحكام السيطرة على النقد المتداول، بحيث يتم القضاء على الأموال المشبوهة، سواء تلك المتراكمة في أيدي عصابات المخدرات أو فلول النظام السابق.
قوشجي شدد على ضرورة اعتماد تشريعات حازمة لمكافحة غسل الأموال، لتوفير بيئة مالية شفافة تعزز الاعتراف الدولي بالقطاع المصرفي السوري، ولتحقيق نجاح هذه العملية، لا بد من تسريع الإصلاحات الاقتصادية وتفعيل أدوات التحفيز الاستثماري، إلى جانب ضبط سعر الصرف وتشجيع استخدام الليرة السورية في مختلف المناطق.
موضحاً أن دمج الاقتصاد غير الرسمي يعد خطوة أساسية عبر فرض آليات صارمة لتحويل الأموال إلى النظام المصرفي، مما يعزز الشمول المالي ويسهم في ضبط الاستقرار النقدي.
إزالة الأصفار محفوفة بالتحديات
في رده على سؤال، وصف قوشجي عملية إزالة الأصفار من العملة السورية بالخطوة المحفوفة بالتحديات، إذ إن نجاحها مرهون بتوافر بيئة اقتصادية وسياسية ومؤسساتية متينة، وإلا فإنها قد تؤدي إلى نتائج عكسية تفاقم الأزمات بدلاً من حلها، ولتحقيق ذلك، يؤكد قوشجي على ضرورة العمل على محاور عدة، أولها ضمان حرية الأسواق وتعزيز المنافسة، بحيث يتم تحديد الأسعار وفق آليات العرض والطلب، بما ينسجم مع القيمة الجديدة للعملة ويحقق توازناً في الرواتب والأجور، وثانياً لا بد من السيطرة على التضخم بحيث يبقى ضمن مستويات معقولة (أقل من 10 في المئة سنوياً)، إذ إن إزالة الأصفار من دون معالجة التضخم قد تؤدي إلى انهيار سريع للعملة الجديدة، كما حدث في زيمبابوي عام 2008 وفنزويلا عام 2018.
وثالثاً قال قوشجي لا بد من تحقيق التوازن بين سعر الصرف الرسمي والسوق الموازية من خلال سياسات مالية صارمة، إضافة إلى إرساء الشفافية في السياسات النقدية، عبر خطة واضحة لإدارة الكتلة النقدية وتحديد سقف لطباعة النقود الجديدة، إلى جانب إصدار تشريعات تمنع التلاعب بالأسعار أو المضاربة على العملة الجديدة، لحماية الاستقرار المالي.
وقال قوشجي إن "تبديل العملة السورية ليس مجرد تغيير شكلي، بل هو جزء من عملية إصلاح متكاملة تتطلب إعادة هيكلة سياسية واقتصادية جذرية لضمان نجاحها واستعادة الاستقرار المالي، وفي غياب هذه المقومات، قد يتحول الأمر إلى أزمة جديدة، تحاكي التجارب الفاشلة في زيمبابوي وفنزويلا".
وحول خيار حذف الأصفار فقد رأى مستشار وزير الاقتصاد والصناعة للشؤون النقدية والمالية جورج خزام في منشور له على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" أن حذف صفرين من العملة هو الوسيلة الوحيدة التي من خلالها يمكن استبدال المدخرات بالليرة من المواطنين، مضيفاً أن حذف صفرين وحسب من العملة عند إصدار ليرة جديدة "نيو ليرة"، مع ترك القوى المؤثرة بتحديد قيمة العملة من العرض والطلب والإنتاج والصادرات والمستوردات وحجم البطالة، هو الذي يحدد القيمة السوقية للعملة الجديدة مقابل الدولار والذي يعكس حقيقة القوة الشرائية لـ"نيو ليرة" وهو الوسيلة (الوحيدة) التي يجب العمل عليها عند اتخاذ قرار استبدال العملة.
اندبندنت عربية