سيرياستيبس :
بعد 18 عاماً على تأسيسها لم تتمكن البورصة السورية خلالها من أداء دورها الحقيقي في الاقتصاد، نظراً إلى محدودية الشركات المدرجة فيها وسيطرة المصارف عليها، فيما تستعد سوق دمشق للأوراق المالية حالياً للانطلاق نحو مرحلة جديدة بعد توقف دام نحو ستة أشهر، وسط مساعٍ حكومية لجعل سوق دمشق المالية أكثر مواكبة للحراك الاقتصادي والاستثماري والإنتاجي الذي يتوقع أن تشهده البلاد بزخم شديد.
ويرى متخصصون أنه من المهم استئناف العمل في السوق على رغم التأخر، مؤكدين أن السوق المالية تشكل مرآة للاقتصاد وتطوره وفرصة لنمو الشركات المساهمة، وتوفير فرص أمام الناس لاستثمار أموالهم بما يساعد في تنويع قنوات الادخار، ويسهم في تحسين المعيشة والدخول، مؤكدين ضرورة الإسراع بالإصلاحات المطلوبة لنمو السوق ومواكبتها للأسواق العالمية، وضرورة حل مشكلة السيولة في المصارف كي لا تؤثر في عمليات البيع وتسعير الأسهم بصورة صحيحة.
وعلى رغم أن سوق دمشق للأوراق المالية ستعمل ضمن اشتراطات معينة كأن يجري التداول بمعدل ثلاث جلسات أسبوعياً فحسب، إلى جانب اعتماد السعر المرجعي للأوراق المالية ليكون سعر الإغلاق هو سعر جلسة الخامس من ديسمبر (كانون الأول) 2024، أي قبل سقوط النظام البائد بثلاثة أيام، علاوة على جعل التداول قاصراً على الشركات التي نشرت البيانات المالية النهائية عن عام 2024، ونشرت أيضاً تقارير الحوكمة عن عام 2024 وهذا ما يفسر غياب ست مصارف وشركة تأمين عن التداول مع انطلاق السوق كونها لم تنشر بياناتها حتى الآن عن عام 2024 نظراً إلى ارتباط بعضها بالنظام السابق.
إصلاحات هيكلية وجوهرية في السوق المالية
ومن المقرر ألا تشهد السوق أية صفقات ضخمة مدة شهر من تاريخ إعادة التداول وكل تلك الإجراءات تبدو موقتة في وقت يجري العمل خلاله على تطوير أدوات السوق والتشريعات الناظمة له، مما أكده رئيس مجلس إدارة سوق دمشق للأوراق المالية فادي جليلاتي الذي قال إن انطلاق سوق دمشق للأوراق المالية يأتي بمثابة خطوة جديدة ستشهد إحداث نقلات مهمة في عمل السوق، إلى جانب كون السوق مواكبة للانفتاح التي تسير فيه سوريا حالياً بينما تقف على أعتاب اقتصاد مشرق، مشيراً إلى أن بلاده مرشحة لتكون مركزاً مالياً وتجارياً مهماً وأساساً بين دول المنطقة.
وأضاف جليلاتي إن سوق دمشق للأوراق المالية لن تكون مجرد منصة لتداول الأسهم والسندات، بل ستكون ذات دور فاعل في إعادة الإعمار والنمو الاقتصادي وجذب الاستثمارات المحلية والدولية، وستسهم في استقرار العملة الوطنية وربط الاقتصاد السوري بالاقتصادات العالمية.
وقال إن بعد رفع العقوبات والانفتاح على الاستثمارات العربية والدولية ستكون سوريا الجديدة أرضاً خصبة للفرص الاستثمارية، متوقعاً أن يشهد العمل في سوق دمشق للأوراق المالية قفزات مهمة إلى الأمام وأن تستقطب عديداً من الشركات والمستثمرين خلال السنوات القليلة القادمة في ظل تخطيط الحكومة لتبني حزمة مهمة وواسعة من الإصلاحات الهيكلية والجوهرية في السوق المالية تشمل تطوير التشريعات والنهوض بالبنية التحتية وتوفير الالتزام بمعايير الشفافية، ومحفزات جذب المستثمرين إلى جانب تطوير أدوات مالية مبتكرة مثل السندات الخضراء والمشتقات المالية والصكوك المالية الإسلامية والتكامل مع الأسواق العالمية عبر إدراج شركات جديدة بشروط ميسرة، موضحاً أن التوجه الاستثماري الذي بدأت بوادره اتجاه سوريا سيساعد في ازدهار التوظيفات في سوق دمشق للأوراق المالية، خصوصاً أن التوجه القائم حالياً يعتمد على الحوافز للمستثمرين.
جليلاتي أكد في حديثه أن سوق دمشق للأوراق المالية لن تكون مجرد منصة لتداول الأسهم والسندات، بل ستكون أداة حيوية لإعادة إعمار الاقتصاد الوطني، وجذب الاستثمارات المحلية والدولية، وتمكين القطاع الخاص وريادة الأعمال من لعب دورهم كقاطرة للنمو، مؤكداً أن انتعاش البورصة سيسهم في تعزيز العملة الوطنية وربط الاقتصاد السوري بالأسواق العالمية، موجهاً الدعوة إلى المستثمرين للقدوم إلى سوريا والاستفادة من الفرص الكبيرة التي يوفرها الاقتصاد في كل القطاعات بلا استثناء.
وهناك خمس شركات خليجية تقدمت بطلبات لترخيص شركات للوساطة المالية للعمل في سوريا، بحسب مصادر خاصة أكدت أنه يجري حالياً درس طلباتها وسط توقعات بعزم الحكومة تعديل قانون الخاص بشركات الوساطة برفع رأسمالها.
السماح للمستثمرين الأجانب بالتداول
الأستاذ في قسم العلوم المالية والمصرفية بكلية الاقتصاد في جامعة حلب حسن حزوري، رأى أن إعادة التداول في سوق دمشق للأوراق المالية تأخر، وكان يجب أن يحدث مبكراً مع عودة مختلف القطاعات للعمل في البلاد، إلا أنه اعتبر الأمر بمثابة فرصة مهمة جداً لاستعادة الثقة بالاقتصاد السوري، متوقعاً أن يكون للسوق المالية أهمية كبيرة في عملية النمو الاقتصادي عبر توجيه المستثمرين لفائض أموالهم نحو الاستثمار في السوق المالية، كما سيمكن الحكومة من الاقتراض الداخلي بدلاً من التوجه نحو الاقتراض الخارجي عبر إصدار أذونات خاصة وتفعيل صناديق الاستثمار التي تحتاج إليها سوريا في تلك المرحلة بصورة كبيرة لتلبية استحقاقات متعلقة بإعادة الإعمار، لكن لا بد أولاً من تحديث التشريعات القائمة وتطويرها، وإصدار قوانين جديدة تواكب متطلبات المرحلة الجديدة بما يساعد في تطوير والنهوض بدور سوق دمشق للأوراق المالية في الاقتصاد السوري.
وتابع قائلاً "الأهم الذي يجب فعله يتجلى في تحرير كامل للسيولة في المصارف، فكلنا يعلم أن أهم عائق تعانيه المصارف السورية هو حبس النقد وتجفيف السيولة الأمر، الذي يمنع المصارف من أخذ دورها كما ينبغي، إذ إن حبس الكاش يعوق تسعير الأسهم بسعرها الحقيقي، وإذ بيعت محفظة هل يستطيع صاحبها حينئذٍ الحصول على مقابلها نقداً بالكامل؟ وهل يستطيع إعادة توجيه الشراء أو استثمار جديد؟ هذا كله يحتاج إلى معالجة وإلى وضع مصرفي أفضل مما هو عليه حالياً، بخاصة السحوبات وتوفر السيولة وإخراج الأرباح وغيرها، ولا يمكن أن يكون التداول طبيعي وكامل إذا لم تكن هناك شفافية بين العرض والطلب وتسعير الأسهم بصورة صحيحة، وهذا لن يتحقق من دون توفر السيولة لتنفيذ الصفقات".
وأشار حزوري في حديثه لنا إلى أن إعادة افتتاح السوق جاء تزامناً مع حديث واسع محلياً وخارجياً عن زخم استثماري باتجاه بلاده، وأن كل المشاريع التي جرى الحديث عنها تحتاج إلى ترتيب الوضع الداخلي من قبيل إصدار قانون استثمار جديد يلبي طموحات المستثمرين ويسمح بحرية انتقال الأموال، ومن المهم أن تكون هناك سوق متطورة للأوراق المالية تدعم تحول الشركات العائلية إلى مساهمة، واصفاً السوق المالية السورية بأنها بدائية على رغم تأسيسها عام 2009 وذلك بفعل الحرب التي أدت إلى تشويه أعمالها.
وأردف حزوري "هناك سيطرة للقطاع المصرفي على تداولات السوق في حين يجب أن يكون هناك شركات صناعية وزراعية ونفطية وغيرها مدرجة"، معتبراً أن مهمة السوق المالية هي قياس حرارة الاقتصاد وكلما كانت سوقاً متطورة ومكتملة استطاعت أن تكون مرآة أوضح للاقتصاد المحلي".
وأكد أن الاقتصاد السوري يحتاج إلى فعل كل ما يساعد في إعادة الثقة إليه، بالتالي فإن سوق دمشق للأوراق المالية تحتاج إلى إجراءات سريعة من قبيل إدراج شركات واستثمارات جديدة، وطرح صناديق استثمار وتطوير تقنيات السوق وتمكينها من مواكبة البورصات الموجودة في المنطقة في الأقل، وتعديل التشريعات للسماح بإدراج الشركات الأجنبية والسماح للمستثمرين، في الأقل العرب منهم، بالاستثمار فيها، على أن يكون هناك اكتتابات جديدة لا مضاربات، فالبورصة تلعب دوراً في جذب الاستثمارات وليس من خلال نقل الملكية فحسب، متوقعاً أن سوق دمشق للأوراق المالية تمتلك فرصة مهمة لتكون واحدة من أهم البورصات في المنطقة.
تشجيع الشركات المساهمة والادخار بالأسهم
إلى ذلك قال مدير غرفة تجارة دمشق عامر خربوطلي إن سوق دمشق للأوراق المالية هي إحدى منظومات السوق المالية التي تتضمن سوق العملات وسوق المواد والعمل المصرفي، أي سوق التمويل، لذلك عندما يعاد افتتاح السوق المالية فهو أمر في غاية الأهمية للاقتصاد ولإعادة التنشيط والمعرفة الصحيحة بأسعار الأسهم للشركات المدرجة، والأمر الأهم يتعلق بتشجيع الشركات المساهمة على عمليات الاكتتاب عبر طرح الأسهم وإدراجها في السوق المالية.
وأضاف أن بلاده اليوم مقبلة على موجة جديدة غير مسبوقة من الاستثمارات الخارجية والمحلية وحتى المغتربة، وتحتاج لإنشاء أشكال قانونية للاستثمار من ضمنها شركات مساهمة عامة تطرح أسهمها للاكتتاب العام، إما بشراكات محلية أو غير محلية، وفي النهاية يجب أن تكون أسعار أسهمها مدرجة في السوق لتعبر عن سعرها الحقيقي الذي يعكس قوى العرض والطلب وقيمة الشركات، وهنا لا بد من التركيز على أن إعادة افتتاح السوق يأتي في سياق عملي وعلمي لتنشيط هذا النوع من الاستثمار المالي سواء بالنسبة إلى إعادة تشكيل الشركات أو بالنسبة إلى صغار المدخرين عبر إتاحة قنوات استثمار جديدة أمامهم، مقترحاً أن تكون سوق دمشق للأوراق المالية منفتحة على الأسواق العربية وحتى العالمية، وأن تتيح إمكان إدراج أسهم لشركات عربية وأجنبية فيها، وهنا تصبح العملية أكثر استيعاباً وتتماشي مع اقتصاد سوريا الجديد القائم على اقتصاد السوق الحرة.
أعلى الصفقات في تاريخ السوق
تشير المعلومات إلى أن المؤشر العام لسوق دمشق للأوراق المالية في الـ28 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 اليوم السابق لتحرير مدينة حلب من قوات النظام البائد، ناهز عتبة 108 آلاف نقطة للمرة الأولى في تاريخه، وأغلق المؤشر العام على 99.694 في الخامس من ديسمبر، والذي كان اليوم الأخير في التداول قبل إغلاق السوق.
وفي الفترة الأخيرة قبل سقوط النظام البائد، شهدت السوق إقبالاً على شراء أسهم بعض الشركات مثل شركة "سيرياتل للاتصالات"، والتي عمدت إلى توزيعات أرباح، مما رفع من حجم المؤشر الرئيس للسوق بصورة عامة.
وتشير بيانات السوق أن عام 2024 شهد قفزة على صعيد مؤشرات التداول، إذ بلغت قيمة التداول نحو 78.4 مليون دولار خلال الأشهر الـ11 الأولى من العام، وتحديداً من الأول من يناير (كانون الثاني) حتى الـ28 من نوفمبر (تشرين الثاني) من خلال 193 مليون سهم، موزعة على 90.548 صفقة - الأعلى على صعيد الصفقات وحجم التداول - على الإطلاق منذ إنشاء السوق.
1.5 مليار دولار القيمة السوقية للسوق
تبلغ القيمة السوقية لسوق دمشق للأوراق المالية حالياً ما يقارب من 1.5 مليار دولار، وكانت الإدارة الجديدة علقت التداول فيها اعتباراً من الخامس من ديسمبر 2024، وذلك لمراجعة الوضع التشغيلي والمالي للشركات المدرجة، إلى جانب تعزيز الإجراءات الرقابية لضمان نزاهة السوق.
تقسم سوق دمشق للأوراق المالية إلى السوق الرئيسة التي تضم 21 شركة مدرجة، تليها السوق الموازية "أ" وبها ثلاث شركات مدرجة والسوق الموازية "ب" وبها ثلاث شركات أخرى، وتضم نحو 15 بنكاً (11 تقليدياً وأربع مصارف إسلامية) تشكل ما يقارب 86 في المئة من إجمال الأسهم المدرجة، وتعد البنوك العمود الفقري لسوق دمشق، ويأتي قطاع التأمين بالمرتبة الثانية بنصيب ست شركات مساهمة من أصل 13 شركة عاملة في السوق السورية، وهناك شركتان صناعيتان تعملان في مجال الزيوت والأسمنت.
وبحسب البيانات، بلغ عدد المستثمرين القابلين للتداول 23130 مستثمر حتى نهاية نوفمبر 2024، في حين أن عدد حسابات التداول المفتوحة لدى السوق حتى نهاية نوفمبر 2024 زاد على 30 ألفاً.
وتراجعت القيمة السوقية من 2.6 مليار دولار في مارس (آذار) 2020 إلى نحو 680 مليون دولار في يوليو (تموز) 2021، نتيجة انهيار سعر صرف الليرة السورية الرسمي من 434 ليرة سورية للدولار إلى 2500 ليرة سورية للدولار بين الفترتين.
وتخطت قيمة التداول خلال عام 2023 نحو 30.3 مليون دولار، منخفضة بنحو 85 في المئة من عام 2010 حين قاربت 200 مليون دولار.
وتستحوذ خمس شركات مدرجة على أكثر من 50 في المئة من القيمة السوقية الإجمالية لسوق دمشق للأوراق المالية، وفق آخر الأرقام الرسمية الصادرة عن نهاية عام 2023.
اندبندنت عربية