نظام التمويل العقاري الجديد.. حل أم تصريح؟ خبير : التضخّم ونقص السيولة يعوق تحويله إلى واقع 21/07/2025
سيرياستيبس :
في خطوة تهدف إلى تعزيز الاستقرار الاجتماعي، أعلن حاكم بنك سوريا
المركزي عن إطلاق نظام التمويل العقاري بموجب القانون ٣٩، مستلهماً نماذج
دولية لضمان فعاليته، يأتي المشروع لتمكين الشباب والعائلات من الحصول على
سكن آمن، ولاسيما في ظل الدمار الكبير الذي لحق بالقطاع السكني، مع تأكيد
أهمية الدعم الدولي لإعادة الإعمار، ورغم أن السكن حق أساسي وليس رفاهية،
إلا أن التحديات الاقتصادية والتنفيذية تطرح تساؤلات حول مدى قابلية هذا
الطموح للتحقيق على أرض الواقع، أم أنه يبقى التصريح حبراً على ورق مثل بعض
التصريحات الحكومية؟
خبير التقييم العقاري أنور وردة، قال حول
الإيجابيات الرئيسية لنظام التمويل العقاري المقترح من حاكم بنك سوريا
المركزي بالنسبة للشباب: “تطمح أي حكومة إلى تمكين الشباب من الحصول على
سكن مناسب في مراحل عمرية مبكرة، وتقليل الاعتماد على الإيجارات، انطلاقاً
من الإيمان أن السكن حق وليس رفاهية، هذا الأمر- إن تحقق، يغني الشباب عن
النزوح الداخلي والخارجي طلبا للعمل”.
وعن رأيه- إن كان صندوق الضمان سيعزز ثقة المواطنين والمستثمرين في
السوق العقاري؟ قال: “نظرياً نعم، فوجوده يحد من العشوائية والفساد في منح
القروض وتقييم العقارات، وصندوق الضمان يحمي المقرضين والمقترضين من التعثر
والتعسر، وهذا يشجع المطورين والمستثمرين على بناء مشاريع جديدة”.
تحديات تواجه تنفيذ النظام وفعاليته
ورأى وردة أن هذا النظام يواجه عدة تحديات قد تعوق تنفيذه وتحد من
فعاليته، فالتضخم وتذبذب القوة الشرائية لليرة السورية يجعل القروض طويلة
الأمد محفوفة بالمخاطر للمقرض والمقترض، والبنوك التي تعاني من انعدام
السيولة لا يمكنها تمويل مشاريع سكنية ضخمة، والفساد الذي رَبَتْهُ الكوادر
الإدارية في العقود الماضية سيلقي ظلاله السوداء على عمليات التمويل
والتقييم، واستمرار النزاع المسلح في بعض المناطق يرسم إشارة استفهام كبيرة
حول الاستقرار الأمني والسياسي في البلد، وهذا يقلل إقبال المستثمرين على
ضخ الأموال في مشاريع سكنية.
وبالنسبة لإمكانية تقييم فعالية القروض الميسرة المدعومة من المؤسسات
الدولية في مساعدة أصحاب العقارات المتضررة قال وردة: “لا يمكن تقييم
الفعالية من دون معرفة كيفية وصول القروض إلى أصحاب العقارات المتضررة بشكل
مباشر (وليس عن طريق قنوات رسمية أو غير رسمية)، ومعايير تحديد المتضررين،
ومدة السداد، وكلفة القرض، وغير ذلك”.
دور شركات التمويل الخاصة في النظام (النظري والعملي)
ويرى وردة أن “شركات التمويل الخاصة قد تلعب نظرياً دوراً في تعزيز نظام
التمويل العقاري، إذ يمكن أن توفر سيولة ضخمة تخفف الضغط على المصارف
الحكومية، وتخلق عروضاً تنافسية وإدارة مرنة لتقديم القروض، عملياً: هذه
الشركات تبحث عن الربح المضمون في البيئات الآمنة سياسياً وعسكرياً
واقتصادياً، ولهذا لن تعمل حالياً في البيئة السورية، وستكتفي بمراقبة
الأوضاع، وبناء على تطور الأمور ستقرر الدخول أو صرف النظر عن هذا النشاط
في سوريا”.
وحول فعالية الاستفادة من التجارب الكندية والدانماركية في السياق
السوري، قال: “رغم أن الحكمة ضالة الإنسان، وعليه أن يلتقطها حيثما وجدها،
إلا أن التفكير بالتآسي بدول بالغة التطور، ككندا، والدانمارك، وفيه رفع
غير مبرر لسقف الآمال والتوقعات، وهذا يؤدي إلى الإحباط يوماً ما، فهناك
اختلافات جذرية بين سوريا وتلك البلاد من حيث البنية التحتية التقنية،
والبيئة التشريعية المالية والقانونية والإدارية، والقدرة الشرائية،
والمخاطر الاقتصادية والسياسية والأمنية، هذه المقارنة غير منطقية في سوريا
حيث المخاطر مرتفعة والضمانات منخفضة والإمكانيات معدومة.
واستعرض وردة في حديثه المخاطر المحتملة التي قد تواجه المقترضين،
معتبراً أن أهم مشكلة ستواجههم هي أنهم لن يجدوا من يقرضهم!، مضيفاً: “وإذا
فرضنا أنهم اقترضوا، فالمخاطر الأكبر ستكون على المقرض وليس على المقترض،
رغم أن كليهما سيواجهان مشكلة التضخم الشرسة المترافقة مع ترهل وتباطؤ في
حركة العجلة الاقتصادية يكاد يوصل البلد إلى مرحلة الانكماش”.
وتابع قائلاً: “هنا سؤال يطرح نفسه: بأي عملة ستكون القروض؟ بالليرة
السورية، أم بالدولار الأميركي الذي انخفضت قيمته أكثر من 30 بالمئة في
الأشهر الماضية بسبب حبس السيولة في البنوك؟ هل سيواصل الدولار انخفاضه، أم
سيقفز قفزة هائلة حالما تتحرر السيولة؟”.
تأثير النظام على أسعار العقارات
وبالنسبة لإمكانية تأثير هذا النظام على أسعار العقارات في السوق
المحلي، يرى الخبير وردة أن “سعر العقارات يرتبط بعدد من الأمور، وعلى
رأسها العرض والطلب، وربما كان للتسهيلات التي يقدمها هذا النظام أثر في
زيادة الطلب الفوري على الشراء، مما سيؤدي إلى رفع الأسعار، وستلعب
المضاربة العقارية لعبتها المعتادة التي تؤدي إلى تشويه السوق ورفع الأسعار
بشكل اصطناعي، مما يخلق فقاعة عقارية تهدد الواقع الاجتماعي والاقتصادي في
حال انفجارها”.
وحول الخطوات اللازمة لضمان أن تكون عمليات التقييم العقاري موثوقة
ودقيقة في ظل هذا النظام الجديد قال: “سواء تم إطلاق هذا النظام أم لا، يجب
تأهيل المقيمين العقاريين وضبط أدائهم بطريقة احترافية تختلف عما يجري
حالياً من تسطيح وتسخيف لا واعٍ ولا مسؤول لعملية التقييم”.
وشدد على أنه “يجب أن يكون التقييم العقاري صمام أمان للسوق، وإلا فإنه
يتحول إلى أداة لطعن السوق ومن فيه وما فيه، وسيؤدي إلى صدم المقرضين
والمقترضين معاً، على الطريقة التي جرت بها الأمور في أزمة الرهن العقاري
التي عصفت بأميركا والعالم عام 2008، مع فارق مهم تجب ملاحظته: في أميركا
تدخلت الدولة بإمكانياتها الهائلة لإنقاذ السوق والمؤسسات المالية
(المصرفية والتأمينية)، لكن الحكومة السورية لن تكون قادرة على التدخل
لإنقاذ البلاد والعباد من كارثة مماثلة في حال حدوثها”.
وحول الآليات التي يجب أن تتبناها الحكومة لدعم هذا النظام وضمان
استدامته على المدى الطويل قال: “الجواب: بصراحة، لا أرى داعياً للإجابة
على هذا السؤال حالياً، لأنني أرى أن الفكرة مجرد حلم وأمنية ليست قابلة
للتحقيق في ظل الأحوال السياسية والاقتصادية والأمنية التي تمر فيها
البلد”.