حيث تُقدر مجمل قيمة التحويلات الخارجية بـ 2,5 مليار دولار، أي ما يعادل 6 – 7 ملايين دولار يومياً، وتشهد ارتفاعاً خلال الأعياد والمناسبات وترتفع قيمتها إلى 13 مليون دولار يومياً. وهو ارتفاع كبير مقارنة بما نشره البنك الدولي عام 2022 لحجم التحويلات المالية، والتي بلغت في حينها 1,05 مليار دولار وذلك عبر القنوات الرسمية فقط. كما أكد الحصرية على أن الحوالات هي «شريان الحياة» للاقتصاد السوري
شريان الحياة
ازداد اعتماد السوريين على التحويلات الخارجية منذ بداية الأزمة، وأصبحت عوائل بأكملها تعتمد بشكل كلي عليها، بعد توقف العديد من الصناعات والأنشطة الزراعية بشكل كلي أو جزئي، والتي كانت تشكل عصب الاقتصاد. فالمصانع التي كانت توظف آلاف العمال أصبحت أطلالاً جرّاء الحرب، والأراضي الزراعية التي كانت تنتج الغذاء لم تعد صالحة للزراعة.
كما أن خسارة الليرة لأكثر من 90% من قيمتها، لعب دوراً في تعزيز هذا الاعتماد، حيث ارتفعت أسعار السلع والخدمات بشكل جنوني، وأصبحت الرواتب والأجور لا تكفي لتغطية أدنى الاحتياجات الأساسية.
ورغم الحديث عن التعافي الاقتصادي، إلا أن فصل الموظفين والعمال، وارتفاع نسب البطالة، وغياب البدائل الاقتصادية وتوقف عجلة الإنتاج، جعلت المواطن يعيش في فراغ مادي، لا يجد فيه سبيلاً لكسب رزقه سوى بالاعتماد على ذويه وأقاربه في الخارج.
هيمنة السوق الموازي وخسارة البنك المركزي
بالرغم من تصريح الحصرية حول تقارب سعر الصرف في السوق الموازي (11,580) وسعر الصرف الرسمي (11,000)، إلا أن المواطنين ما زالوا يلجؤون إلى تحويل الأموال عبر قنوات غير رسمية؛ ما يعني خسارة المركزي لكتلة كبيرة من التحويلات الخارجية لصالح السوق الموازي.
ذلك أن المشكلة لا تتعلق بسعر الصرف فقط؛ فقد راكم السوريون عبر سنوات علاقات ثقة مع شبكات التحويل غير الرسمية، التي تقدم لهم خدمات سريعة وعمولة أقل، بعيداً عن التعقيدات الإدارية، بعد أن فقدوا الثقة بالنظام المصرفي الرسمي.
وبالرغم أيضاً من بدء بعض مكاتب التحويلات المعتمدة بتسليم التحويلات بالدولار، إلا أن المواطن يلجأ إلى تصريفها في السوق الموازية، فالفجوة بين السوق الموازي والسعر الرسمي تتراوح بين 2,7% إلى 5% وهي رغم انخفاضها عما سبق، إلا أنها تُحدث فرقاً في حسابات المواطنين.
وتؤكد هذه المعضلة أن المطروح إلى الآن هو معالجة لأعراض الأزمة وليس أسبابها الجذرية؛ فسعر الصرف لا تزال تحدده السوق الموازية، وجميع التعليمات والقرارات النقدية تُطرح من دون توفير بيئة داعمة ومستقرة لتنفيذها. والأهم أن الثقة لا تزال مفقودة، فالوعود السابقة لم تتحقق، مثل استقرار سعر الصرف، أو تحسن الوضع المعيشي.
نصائح البنك المركزي
دعا الحصرية المواطنين إلى الابتعاد عن «السلوكيات الفردية» التي تفاقم الأزمة، مثل الاكتناز المفرط أو التوجه إلى العملات الأجنبية، واصفاً ذلك بالتصرف «الفردي الأناني» الذي يوقف النشاط الاقتصادي ويؤدي إلى الإفقار الجماعي.
تتجاهل هذه «النصيحة» الأسباب الهيكلية العميقة التي أدت إلى هذا الوضع المتردي، فالمواطن ليس سبب الأزمة بل ضحيتها. والسلوكيات التي توصف «بالأنانية» هي في حقيقة الأمر ردود فعل طبيعية على غياب الثقة، وتجاهل السياسات الاقتصادية لواقع غالبية السوريين، وتوقُّف القطاعات الإنتاجية كالزراعة والصناعة. فالمواطن الذي «يكتنز» لا يفعل ذلك رغبة في الإضرار بالاقتصاد، بل خوفاً من خسارة ما بقي من مدّخراته في ظل بيئة اقتصادية هشّة.
إن تحميل المواطنين مسؤولية الأزمة، و«الإفقار الجماعي» هو محاولة للتهرب من المسؤولية. فالمشكلة تكمن في هيكل المنظومة الاقتصادية نفسه؛ حيث تُطرح سياسات نقدية فاشلة، ويغيب الدعم عن الإنتاج المحلي، ويتم الاعتماد على الاستيراد والتحويلات الخارجية. يضاف إلى ذلك الآثار السلبية للعقوبات المستمرة التي لم يتم رفعها رغم التهليل بعكس ذلك، وفصل الموظفين والعمال، وانعدام فرص العمل. وبمجرد علاج هذه الأسباب، يمكن للمواطن أن يلعب دوره الإيجابي في عملية التعافي الاقتصادي، لا أن يكون كبش فداء لسياسات خاطئة.
قاسيون