سورية الجميلة RSS خدمة   Last Update:18/10/2025 | SYR: 23:57 | 18/10/2025
الأرشيف اتصل بنا التحرير
TopBanner_OGE



خلطات كامبو


شاي كامبو


IBTF_12-18


 شرعنة السطو على أموال المودعين في لبنان
18/10/2025      


سيرياستيبس :

بعد ست سنوات من احتجاز أموال اللبنانيين في المصارف، لا يزال ملف الودائع يتنقل بين وعود سياسية متناقضة، خطط متعثّرة، واقتراحات قوانين متفرقة. ما كُشف مؤخراً عن خطة حكومية - مصرفية لتصنيف الودائع إلى فئات متعددة، وما قدّمه النائب فريد البستاني من اقتراح قانون يسمح باستخدام الودائع المحجوزة بالليرة اللبنانية لتسديد الضرائب وفق "سعر صرف خاص"، يعيد النقاش إلى الواجهة: هل ما يُطرح اليوم يمثل إنصافاً حقيقياً للمودعين، أم محاولة لتقليص الخسائر على الدولة والمصارف عبر تحميل المواطنين أثمان الانهيار؟

الودائع في لبنان لم تعد مجرد حسابات مصرفية؛ إنها مرآة للانهيار المالي والأخلاقي الذي أصاب الدولة والمصارف على حد سواء. منذ 2019، جرى شطب فعلي للقيمة الحقيقية لأموال الناس، عبر سياسات "الكابيتال كونترول غير المعلن" والاقتطاعات القسرية الناتجة عن تعدد أسعار الصرف. في هذا السياق، طُرحت خطط عدة لتوزيع الخسائر، تضمنت تصنيف الودائع بين "مضمونة"، "مؤهلة"، و"غير مشروعة"، وصولاً إلى الحديث عن صندوق استرداد الودائع الممول من أصول الدولة ومصرف لبنان.

إلا أن ما يجمع بين مختلف المقترحات هو السعي لتخفيف الضغط عن المصارف وحماية ما تبقى من النظام المالي، ولو على حساب المودع. وهنا يأتي اقتراح البستاني الذي يمنح المودعين فرصة لاستخدام ودائعهم بالليرة اللبنانية لتسديد الضرائب والرسوم، لكن وفق "سعر صرف خاص" يعادل 20% فقط من سعر السوق، وبسقف سنوي لا يتجاوز 100 ألف دولار. من الناحية الشكلية، يبدو الاقتراح وكأنه محاولة لإيجاد منفذ عملي يتيح للمودعين الاستفادة من أموالهم المجمّدة. لكن التدقيق في تفاصيله يكشف جوانب إشكالية: -

سعر الصرف الخاص: إذا كان المودع سيُحتسب له الدولار على أساس 20% من سعر السوق، فهذا يعني اقتطاعاً مقنّعاً من أمواله. بكلمات أوضح، من يملك 100 ألف دولار بالليرة اللبنانية، لن يُسمح له بتسديد ضرائب بما يعادل قيمتها الفعلية، بل بخُمس قيمتها فقط، أي كأن وديعته خُفّضت بنسبة 80%.


- العدالة الانتقائية: سقف الـ100 ألف دولار سنوياً يضع تمييزاً واضحاً بين المودعين الكبار والصغار. فصاحب الوديعة الصغيرة قد يستفيد جزئياً من الاقتراح، بينما أصحاب الودائع المتوسطة والكبيرة لن يتمكنوا من استرداد سوى جزء يسير على مدى ثلاث سنوات، ما يجعل الاقتراح غير ذي جدوى لهم.


- استخدام الودائع لتقليص الدين العام: تخصيص الأموال المحصّلة حصراً لتخفيض الدين الداخلي بالليرة قد يبدو منطقياً على الورق، لكنه في الواقع ينقل الخسائر من المصارف إلى المودعين، تحت شعار خدمة المصلحة العامة. أي أن المواطن الذي جُمّدت أمواله، سيُطلب منه أيضاً أن يساهم في تقليص دين صنعته السياسات المالية الفاشلة والفساد.

الودائع بين خطط "الاسترداد" والتسويات الجزئية
اللافت أن اقتراح البستاني يأتي بالتزامن مع تسريبات صحافية حول خطة حكومية لتصنيف الودائع إلى سبع فئات، من "مضمونة" (ما دون 100 ألف دولار) إلى "غير مشروعة" (ذات مصدر مشبوه)، مروراً بالودائع التي حُوّلت بعد 2019 بسعر صرف مدعوم. هذه الخطة تُظهر بوضوح النية لشرعنة "الاقتطاع" على أموال المودعين تحت مسميات مختلفة: تقسيط على خمس سنوات، تسديد بسندات طويلة الأجل، أو شطب بين 60 و80% من القيمة.

ما يجمع بين هذه الطروحات هو أنها لا تنطلق من حق المودع باسترداد أمواله كاملة، بل من محاولة إدارة الخسائر بأقل كلفة على الدولة والمصارف. وبذلك، يتحوّل المودع من ضحية إلى شريك قسري في تسديد ثمن الانهيار. لا تمكن قراءة الاقتراح بعيداً عن الحسابات السياسية.

فالنائب الذي يرفع شعار "إنصاف المودعين"، يدرك أن حجم الأزمة يتجاوز قدرة أي اقتراح فردي على الحل. لكن ما يجري عملياً هو البحث عن حلول ترقيعية، تُسوّق على أنها خطوات إنقاذية، فيما هي في العمق جزء من عملية توزيع خسائر غير عادلة. على الناحية الاقتصادية، سيؤدي تطبيق الاقتراح إلى تعزيز الانكماش.

فالمودع الذي يخسر معظم قيمة وديعته عبر هذا "السعر الخاص"، لن يملك القدرة الشرائية أو الحافز لاستخدام أمواله في الاستثمار أو الاستهلاك. كما أن توجيه العائدات حصراً إلى خدمة الدين الداخلي لا يخلق دينامية إنتاجية، بل يرسّخ حلقة مفرغة من الاستدانة والسداد. فهل من المنطقي أن يُختزل حق المودع في استخدام أمواله عبر نافذة ضريبية محدودة؟ لماذا لا تُلزم المصارف أولاً بتحمل جزء من الخسائر عبر رساميلها وأرباحها السابقة؟ وهل يُعقل أن يُكافأ سوء الإدارة والفساد بتشريعات جديدة تشرعن الاقتطاع من أموال الناس؟



إنّ أزمة الودائع في لبنان لم تعد قضية مالية فحسب، بل تحوّلت إلى معركة على مفهوم العدالة نفسه. فبينما يحاول الساسة والمصارف تقديم حلول مجتزأة على شكل اقتراحات قوانين أو خطط متقطّعة، يزداد شعور المودعين بأنهم أمام عملية منظمة لنقل الخسائر من أصحاب القرار إلى عامة الناس.

اقتراح البستاني، كسواه من المقترحات السابقة، لا يعالج أصل المشكلة: غياب الاعتراف بمسؤولية الدولة والمصارف عن الانهيار، ولا يضع آلية واضحة وشفافة لمحاسبة المتسببين. بل يكتفي بتحميل المودع أعباء إضافية، تحت شعارات "المصلحة العامة" و"خفض الدين"، وكأنّ المواطن هو من صنع الدين العام أو استفاد من الفوائد الطائلة التي جنتها المصارف خلال سنوات التوسع المالي. من الناحية الاجتماعية، استمرار التعامل مع المودعين كخزّان لتسديد الفواتير المالية سيعمّق أزمة الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، ويدفع إلى مزيد من الهجرة، ويقضي على أي أمل باستعادة دورة اقتصادية طبيعية.

فلا يمكن لاقتصاد أن يتعافى، فيما مدّخرات الناس محجوزة أو مهدورة، وفيما أي مبادرة استثمارية تصطدم بعجز النظام المالي عن استعادة أبسط قواعد الشفافية. ختاماً، إن ما يحتاجه لبنان ليس "سعراً خاصاً" للودائع ولا تصنيفات تُشرعن الاقتطاع، بل مسار واضح يعترف بالحقوق، يوزّع الخسائر بإنصاف، ويرسم خطة نهوض شاملة تربط بين الإصلاح المالي والإصلاح السياسي. ذلك أن أي حلّ جزئي أو ترقيعي سيبقى حبراً على ورق، فيما المودعون يكتفون بالفتات من أموالهم، ويستمر النظام الذي تسبب بالانهيار في إعادة إنتاج نفسه. العدالة الحقيقية لن تتحقق إلا إذا وُضعت مصلحة المودع أولاً، وإذا تجرأت السلطة على كسر الحلقة الجهنمية التي تجعل من المودع الحلقة الأضعف.

العربي الجديد


طباعة هذا المقال طباعة هذا المقال طباعة هذا المقال أرسل إلى صديق

 
 

سورس_كود



Baraka16


Orient 2022


معرض حلب


الصفحة الرئيسية
مال و مصارف
صنع في سورية
أسواق
أعمال واستثمار
زراعـة
سيارات
سياحة
معارض
نفط و طاقة
سوريا والعالم
محليات
مجتمع و ثـقافة
آراء ودراسات
رياضة
خدمات
عملات
بورصات
الطقس