سيرياستيبس
شهد العام الاقتصادي الأول في عهد الرئيس السوري أحمد الشرع مرحلة انتقالية حساسة سعت خلالها الحكومة إلى إعادة ترتيب المشهد الاقتصادي بعد سنوات طويلة من الانكماش والاضطراب. ارتكزت السياسات على تثبيت مؤشرات الاقتصاد الكلي، وتنشيط بيئة الاستثمار، وتحسين حركة التجارة، وتطوير الأطر القانونية والمؤسسية. ورغم الزخم السياسي والاقتصادي المصاحب لبداية المرحلة الجديدة، بقيت النتائج متفاوتة، وأفرزت مساراً هشاً يراه الخبراء بحاجة إلى مزيد من الاستقرار والوضوح. وركزت الحكومة في عامها الأول على دعم القطاعات الإنتاجية الأساسية، مثل الزراعة، والصناعات التحويلية، والطاقة، لتعويض جزء من الخسائر الناتجة من الحرب وتدهور البنية التحتية. لكن الناتج المحلي الإجمالي ظل دون نصف المستوى الذي كان عليه قبل الأزمة، نتيجة نقص الاستثمارات الأجنبية وتعطل مساحات واسعة من القدرة الإنتاجية.
يقول الخبير الاقتصادي أنس فيومي لـ"العربي الجديد": "الاقتصاد السوري يمر بمرحلة انتقالية مهمة، شهدت بعض التحولات الإيجابية مثل رفع العقوبات الغربية والأميركية، وتحسن حركة المعاملات المالية والتجارية، وعودة النشاط المصرفي تدريجياً، بما في ذلك افتتاح فروع للبنوك وتحسين الخدمات المصرفية، إضافة إلى محاولات إدخال أنظمة الدفع الإلكترونية". وشهدت السنة أيضاً إطلاق برامج لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وفتح المجال أمام الاستثمار المحلي والعربي، لكن حجم المخاطر السياسية والاقتصادية ظل مانعاً رئيسياً أمام تدفق استثمارات أجنبية مباشرة، ما جعل الحكومة تعتمد على تمويلات محدودة من صناديق الدولة. كذلك عملت على رفع رواتب القطاع العام وتحسين بعض الخدمات الأساسية، مثل الكهرباء والمياه، مع تقدم ملحوظ في إعادة تأهيل محطات التوليد.
قطاع مصرفي مقيد وواجه القطاع المصرفي قيوداً واسعة بسبب نقص السيولة واحتياطات النقد الأجنبي، ما حد من قدرة المصارف على الإقراض وتمويل النشاط الاقتصادي. وحاولت السلطات ضبط التعامل بالعملات الأجنبية وتثبيت سعر الصرف، لكن الإجراءات بقيت دون سياسة نقدية متماسكة أو أدوات قادرة على امتصاص الاختلالات في السوق. ويقول الدكتور محمد خير لـ"العربي الجديد" إن "تثبيت سعر صرف الليرة عند حدود 11 ألفاً للدولار في منتصف 2025 لم يكن نجاحاً نقدياً، بل هدنة مالية بين الحكومة ومكاتب الصرافة التي احتجزت الكتلة النقدية السورية، ما أدى إلى عجز المصارف عن توفير السيولة".
ويضيف أن "استعادة الثقة بالعملة ليست مسألة إجراءات مالية فقط، بل مسألة سردية وطنية. فالدولة الجديدة ما زالت تبحث عن شكلها، ولذلك بقيت الليرة تبحث عن وزنها. وارتفاع أسعار الكهرباء والاتصالات لم يترجم إلى خدمات أفضل، وتحول الاقتصاد إلى شبكة من الرسوم والإتاوات تحت عنوان إعادة الإعمار، بينما يتسع نطاق الفقر". ورغم محاولات ضبط الأسعار، بقيت الأسواق رهينة التضخم وتقلبات سعر الصرف. والاعتماد الواسع على الاستيراد جعل الأسعار تتحرك مع أي توتر في سوق القطع. وأكد فيومي أن تقييم التحسن الاقتصادي غير ممكن دون بيانات رسمية دقيقة، مضيفاً أن الوزارات لم تنشر حتى الآن مؤشرات واضحة حول الناتج المحلي، التضخم، أو ميزان المدفوعات.
التصدير محاصر والنقل يتحسن وبقي الميزان التجاري سلبياً نتيجة ضعف الصادرات وارتفاع كلفة الواردات، فيما يواجه المصدرون، وفق مدير هيئة دعم وتنمية الإنتاج المحلي والصادرات، فراس غفير، عقبات داخلية، كتهالك البنية التحتية للنقل، وارتفاع تكاليف الشحن، وخارجية، مثل العقوبات وتأخير المعابر ورفض أساطيل النقل القديمة. ويؤكد غفير أن اعتماد الصادرات على مواد أولية مقابل واردات مصنّعة يفاقم العجز التجاري. وبالتوازي، نشطت الدبلوماسية الاقتصادية عبر اتفاقيات مع دول الخليج وتركيا والولايات المتحدة، بينما أقرت الحكومة حزمة قوانين لتحسين بيئة الأعمال وتنظيم الجمارك والضرائب وإنشاء صناديق لدعم الإنتاج وإعادة الإعمار وتعزيز الصادرات.
في المقابل، شهد قطاع النقل تحسناً تدريجياً بعد فتح الطرق الرئيسة وتأهيل شبكات متضررة، وأكد وزير النقل يعرب بدر أن "العمل على استعادة خدمات النقل يسير وفق خطة مرحلية، مع التركيز على البنية التحتية المتضررة، وأن الإصلاح الحقيقي يحتاج إلى وقت، خصوصاً في ما يتعلق بشبكة الطرق والمواصلات الحديدية التي تعرضت لأضرار كبيرة خلال سنوات النزاع". وأضاف لـ"العربي الجديد" أن الحكومة تسعى لإنشاء طرق بمواصفات عالية وتأهيل الشبكات القائمة لتكون أكثر أماناً وكفاءة، إلى جانب تطوير شبكة خطوط حديدية قادرة على نقل البضائع والمواطنين بشكل فعال، مشدداً على أن "الاستثمار في النقل لا يقتصر على إعادة فتح الطرق، بل يشمل تطوير منظومة متكاملة تضم الطرق السريعة والجسور وخدمات النقل العام والبنية اللوجستية لضمان حركة اقتصادية مستدامة وتحقيق ربط حقيقي بين المحافظات والمناطق المحررة، ما ينعكس إيجاباً على التجارة الداخلية وتدفق الاستثمارات".
ووفق خبراء ومراقبين، فإن المرحلة المقبلة تتطلب رؤية نقدية واضحة، واستعادة الثقة بالليرة، وإصلاح النظام المصرفي، والسيطرة على التضخم. كذلك يشددون على ضرورة إصدار بيانات اقتصادية دقيقة لتقييم الأداء، في ظل تقديرات دولية تشير إلى ناتج محلي لا يتجاوز 9 مليارات دولار مقابل 68 ملياراً قبل الأزمة. ويؤكدون أن غياب البيانات يشكل عائقاً أساسياً أمام التخطيط ووضع سياسات اقتصادية فعالة.
العربي الجديد
|