سيرياستيبس
أوقات عصيبة عاشها عشرات الشبان في لبنان بعدما اكتشفوا خواء محفظتهم المالية بعد اختفاء منصة الحلم بالربح السريع عن الشاشة، وتقوم منصات عدة بتنويع أدواتها، وتستخدم شبكة الإنترنت للترويج، وتوهمهم أنها الطريق الأقل كلفة من أجل الخروج من حال العوز والفقر التي تعصف بجيل كامل من العاطلين عن العمل.
"تلاشت الأحلام والوعود بالغنى"، هكذا ينظر المتداول سعد إلى توقف منصة "داوبت" Daobit، التي كان يضع مدخراته الشهرية فيها لقاء أرباح شهرية مرتفعة، إلا أنها اختفت من دون سابق إنذار، وتلاشت الأموال. ويشعر المتداولون بالعجز، فهم وثقوا بعالم "الكريبتو" بوصفه بوابة إلى الربح، إذ وعدتهم المنصة بمداخيل خيالية. وتجتذب تلك المنصة الشبان من خلال الطلب منهم بتحويل مبلغ مالي بالدولار الأميركي، ومن ثم يحصلون على مبالغ شهرية، تعد بمثابة فائدة على الفائدة التراكمية.
دوامة "الكريبتو"
تتجاوز نسبة البطالة في لبنان نحو 32 في المئة حسب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ويشكل هؤلاء صيداً ثميناً لمروجي أوهام الربح السريع.
في السياق شرح عامر الطبش مستشار تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الأسباب الكامنة وراء سقوط الشباب في شَرَك "دوابت"، "فهي منصة غير مرخصة، ولم تحصل على العلم والخبر وفق الآليات الرسمية النظامية في لبنان. وبدأت المنصة بالترويج لنفسها بوصفها منصة للتداول والاتجار بالأصول الرقمية والعملات المشفرة وغيرها من السلع الإلكترونية من تداول عقود وخدمات مختلفة، ولكن ما لبثت أن قامت بتوسيع نطاق أعمالها"، ولفت الطبش إلى سقوط المتداول اللبناني نتيجة الجهل بحقيقة التقييمات لمنصة كهذه، إذ شككت بعض الجهات الموثوقة بخلفيات المنصة، ووضعتها في خانة "الأعمال الاحتيالية"، نظراً إلى أخطارها على المستخدمين وعملها من دون ترخيص من الهيئات الرقابية ومن دون رخص رسمية لخوض العمل في الأسواق المالية الخاضعة للقوانين المحلية والدولية. وأشار الطبش إلى "دخول المنصة مرحلة التغيير التدريجي في المواصفات والخدمات، ففي البداية، قامت بتعديل وصفها من منصة تداول أصول رقمية ذات عوائد مالية مرتفعة أغرت اللبنانيين على أمل مضاعفة الأرباح، إلى مرحلة التوقف المفاجئ لعمليات السحب، واختفت خدمات الزبائن والدعم الفني، وأغلقت أعداداً كبيرة من الحسابات أو حتى قيّدتها، ومن ثم ما لبس أن اكتشف الزبائن أنهم وقعوا ضحايا لعملية احتيال واسعة النطاق، وقد سرقت الأموال المودعة لديها". نقص الخبرة
استهدفت المنصة شريحة الشبان والباحثين عن ربح سريع وثابت، وقدمت أرباحاً شهرية تصل أحياناً إلى 20 في المئة. وأكد الطبش أن "المنصة هدفت إلى امتصاص مبالغ مالية كبيرة من التداول النقدي إلى محفظتها، وأن نسبة ربح 20 في المئة، هو رقم غير منطقي في عالم المال والأعمال، وتنوعت الشرائح المستفيدة من المنصة، فمنهم من يبحث عن دخل مالي إضافي إلى جانب أجره الشهري الثابت من الوظيفة في ظل الوضع الاقتصادي الصعب، وفئة شككت بمآرب المنصة إلا أنها أقنعت نفسها بجدوى التداول من خلال داوبت، ناهيك بالشريحة التي تتعرض إلى الضغط الاجتماعي للاشتراك".
"وتلجأ هذه المنصات إلى أساليب احتيالية مختلفة، فهي تلجأ إلى المؤثرين للاستثمار فيها، وتمنحهم عوائد مرتفعة، ليقوم هؤلاء، بدورهم، بمهمة الترويج والتسويق عبر حساباتهم، وليتحدثوا عن أرباح ضخمة من خلال فيديوهات وشهادات، وتستمر هذه المنصات بالعمل إلى أن يبلغ الأمر مداه، ومن ثم تبدأ بتخفيف عمليات التوزيع، وتسوِّق لنواياها بمنح مزيد من الأرباح الخيالية في القريب العاجل، إلا أنها سرعان ما تتوقف عن العمل وتختفي" وفق الطبش الذي تحدث عن "عملية احترافية تستثمر في واجهة مالية مقنعة للمتداولين، وهي ذات شكل ومظهر مميزين وتقنية عالية، لافتة الأنظار بمهنيتها وتطورها للإيقاع بضحاياها". الشبان في المصيدة
أدخلت هذه المنصات المالية الرقمية الشبان إلى المصيدة، وحذر الطبش من نقص الوعي وضعف المناعة النفسية لدى المتداولين الشبان، وقال "لا وجود لمنصات الربح العالي المضمون والخيالي والفوائد العالية جداً من حيث المنطق"، وتحدث عن دور التوعية في التخلص من قيود هذه المنصات عازياً الوقوع المتكرر في شرك تلك المنصات إلى "اقتناع البعض بجدواها، وعدم تقبل الحقيقة، فهم باتوا متعلقين بها نفسياً".
الوعي ضروري
بدأت جهات مختلفة بالتوعية من مخاطر المنصات المالية، وتلعب الجهات الأمنية دوراً في فرض الإجراءات الوقائية والاحترازية.
وبدأ قسم العلاقات العامة في قوى الأمن الداخلي بحملة توعوية، وبسلسلة منشورات لتحذير المواطنين من عمليات النصب التي تستخدم مواقع التواصل الاجتماعي للتأثير على السلوك الاستثماري للمواطنين في لبنان.
وشدد الطبش على ضرورة متابعة مجموعة من الخطوات تبدأ مع التحقق من تراخيص المؤسسة عبر المنصة والصادرة عن وزارة الاقتصاد أو المصرف المركزي وغيرهما، والتدقيق في العنوان ومكان مركز المؤسسة ومقامها الثابت، ومستويات الفوائد التي يجب أن تكون ضمن سقوف طبيعية وملائمة للوقائع الاقتصادية العالمية، والتحقق من إمكان السحب الفوري. وعليه، لا بد من التزام حدود الحيطة والحذر عندما يكتشف العميل ألا إمكان للوصول إلى المحفظة المالية أو أنها تحدّ له عمليات سحب الأرباح عند مستوى الربع مثلاً، إذ يجب أن يتحقق من "خضوع أنظمة المؤسسات المالية لقواعد ثابتة، وأن تحترم حق العميل بسحب ودائعه كاملة عندما يشاء من دون سقوف". ضحايا الفضاء المفتوح
يعد ضحايا "داوبت" أنموذجاً للمنصات التي تستفيد من وسائط التواصل الاجتماعي وفضاء الإنترنت المفتوح لإيقاع المتداولين في شركها. وهي ليست وليدة اللحظة، فخلال العقد الأول من القرن الـ21، ازدهرت تقنيات التسويق الشبكي، وتحدث متضررون عن تعرضهم إلى خسارة أموالهم ومدخراتهم، وأكد أحدهم أنه "باع سيارته من أجل الدخول إلى الشبكة، لكنه سرعان ما تحول إلى أسير لعبة تشبه المقامرة، والدخول في دوامة، وحال من الضياع بين إقناع البعض بالدخول أو خسارة كل شيء بسبب قرار الخروج".
وتلجأ هذه الشركات لإقناع الشبان بالدخول إلى إنشاء الشبكة الشخصية التي تشبه العنقود، حيث يحصل على مبلغ مالي وربح إضافي لقاء إدخال عميل جديد إلى الشبكة، وهكذا دواليك.
وكشف بيار أميوني الناشط في مجال التداول عن ازدياد عمليات الاحتيال من خلال المنصات غير الشرعية، بفعل الرغبة بالربح السريع وضعف الرقابة القانونية، والاستفادة من منصات الدردشة، مما يؤدي إلى خسائر مالية هائلة.
وصف الطبش عمل المنصات بـ"إقناع المتداول للدخول في المصيدة ومن ثم إغراقه". جريمة مكتملة الأركان
فتح فضاء الإنترنت الباب واسعاً أمام الجريمة الدولية، وسهل سبل الإفلات من العقاب لحزمة واسعة من الأعمال الخارجة عن الرقابة القانونية المحلية. وشكل هروب واختفاء تلك المنصات جريمة بحق المتداولين، ولفتت مصادر وزارة الاقتصاد اللبنانية إلى أن "تلك المنصات لا تخضع لرقابة وزارة الاقتصاد، ولا إلى هيئة الإشراف على المصارف لأنها غير مرخصة في لبنان، وأنها تعمل من خلال الإنترنت ما يزيد من صعوبة ملاحقتها"، داعية إلى "اللجوء المباشر إلى القضاء لملاحقة تلك المنصات غير المشروعة".
وذكر أميوني بسلسلة من الجرائم بحق المتداولين اللبنانيين، أبرزها منصة التداول Bytesi التي ألحقت الضرر بآلاف المستثمرين، وأدى اختفاؤها إلى خسارة تقدر بـ200 مليون دولار أميركي. وجاءت خضة BinanceFund عام 2021 لتكشف عن خسائر بـ300 مليون دولار، والتي استفادت من أسماء وهمية وعروض استثمارية بواسطة التواصل الاجتماعي و"الواتساب"، الأمر الذي يفترض تحركاً وقائياً من الأجهزة الحكومية والأمنية للحؤول دون تكرار تلك الجرائم، وتعزيز الوعي الرقمي.
وشدد الطبش على ضرورة التحقيق من ملف تلك المنصات لجلاء مصير الأموال وإمكان استردادها، وشكك "في القدرة على بلوغ حلول ناجعة من خلال المسالك القانونية اللبنانية، إذ كشفت التجربة عن العجز في ملاحقة المنصات التي تنشأ من دون تراخيص، والتي تؤدي إلى تحويلات رقمية يمكن تتبعها نظرياً، ولكنها تبلغ محطة لا يمكن تتبعها إلى النهاية، وهو ما يؤدي إلى توقف التحقيقات أو استرداد الأموال".
اندبندنت عربية
|