سيرياستيبس

كتب الدكتور سعد بساطة

ضمن بروتوكولات العـمل؛ هنالك فصل مخصوص بالهدايا، وهنالك نصائح مهمة يجب اتباعـها وإلا أعـطت الهدية عـكس ما يراد منها.

يجب أن تراعـي الهدية شخصية متلقيها «لاتهد ولاعـة لمن لا يدخن؛ أو كحولاً لمن لا يشرب»!

وبالعـادة تكون الهدية رمزية لا يزيد ثمنها عـلى (100 دولار) وإلا عـادت لملكية المؤسسة (التي استلم مديرها الهدية!).

شاهدنا انبطاح أمراء دول النفط – لتغـطية عـقد النقص- بهدايا ثمينة للغـاية لرؤساء دول غـربية؛ وهؤلاء الغـربيون بدورهم ردوا بهدايا رمزية (مثل أصيص زرع أو لوحة بسيطة أو كتاب)!

أحدهم يروي أنه كان ضمن وفد لدولة ثرية؛ كانت عـادة أميرها أن يهدي كل أعضاء الوفد الزائر ساعـات «رولكس» ثمينة؛ ولما كادت تنتهي الزيارة ولم تأت العـطايا، اكفهرت الوجوه؛ ولم تنفرج الأسارير إلا حين أعلن صاحبنا لدى رؤيته الخادم مقبلاً يحمل صينية الساعـات؛ بسرده آية كريمة – بشكل ملغوز- لطمأنة صحبه «الساعـة آتية لا ريب فيها»…!

أهدت وزارة الخارجية بدولة العـدو صندوقاً من النبيذ المحلي الفاخر لكل سفراء الدول الأوروبية فيها؛ أعـاد سفير اليونان الهدية مع رسالة « أمي علمتني ألا أقبل مالاً مسروقاً؛ وهذا النبيذ من عـنب فلسطيني مستولى عـليه»!

وقف عمر بن الخطاب أمير المؤمنين على المنبر ممسكاً بيده صندوقاً وقال: أيها الناس إن زوجتي أم كلثوم بنت علي بن أبى طالب أرسلت إلى زوجة ملك الروم هدية عبارة عن (تمر وحناء وطيب) ؛فردت زوجة ملك الروم عليها بهذه الهدية؛ وفتح عمر الصندوق أمام الحاضرين فإذا هو (مملوء بالمجوهرات)، عـندها سأل عمر الحاضرين: هل هذه المجوهرات من حق زوجتي؟ فقال الحاضرون: نعم يا أمير المؤمنين. إنها هدية بهدية ولا يشترط فيها التساوي في القيمة.

وكان بالمسجد علي بن أبي طالب والد أم كلثوم زوجة أمير المؤمنين عمر فوقف وقال: يا أمير المؤمنين إن ظننت أنهم قد نصحوك فقد خدعوك «إنما أُهديت الهدية لزوجة أمير المؤمنين»؛ ولو كانت امرأة غير زوجة أمير المؤمنين ما أرسلت زوجة ملك الروم إليها بكل هذه المجوهرات..

فقال عمر: وبما تنصحني يا أبا الحسن؟ فأجاب علي: أما أنا فأرى أن تأخذ زوجتك من هذه المجوهرات بما يساوي قيمة ما أهدت به زوجة ملك الروم وباقي المجوهرات يرد إلى بيت مال المسلمين؛ فختم عمر: (لولا علي لهلك عمر)!

يروى أن الرئيس العـراقي الأسبق «أحمد حسن البكر» أثناء مباحثات اقتصادية في موسكو أبرم صفقة لشراء رافعـات عـملاقة؛ ونتيجة لذلك أُهدي سيارة ليموزين فخمة؛ سأل عـن ثمنها فقيل له إنها لا تقدّر بثمن لكونها من الفخامة بحيث لا تليق إلا بالرؤساء؛ سأل ثانية: «هل تعـادل قيمتها قيمة رافعـة عـملاقة؟» جاءه الجواب: «بل اثنتان».. هنا طلب تبديلها برافعـتين؛ لكونه لا يحب الفخفخة؛ وبلده بالإعـمار أحوج للروافع.

قد يتساءل أحدنا عـن أغلى هدية سياسية.. والجواب: لا يوجد ما هو أشهر من كتاب «الأمير»، الذي لما انتهى مكيافيللي من تأليفه أهداه إلى لورنزو الثاني، أحد حكام أسرة آل ميديشي في إيطاليا في القرن السادس عشر، وكان مكيافيللي قد غادر الدنيا في عام 1527، وهو دون الستين، ولم يكن يعرف أن كتابه المنشور بعد رحيله سيعيش قروناً من الزمان!.

ومما قاله، وهو يهدى كتابه إلى الأمير لورنزو الثاني، أن الأمير يتلقى الكثير من الهدايا بالتأكيد، وأن هذه الهدايا مادية كلها، وهى هدايا قد تكون ذهباً أو خيولاً، أو ما هو أغلى من الذهب والخيول.. ثم يقول بعد ذلك في إهدائه أنه لا يملك أشياء كهذه ليهديها إليه، ولكن لديه عدداً من النصائح ستفيده في الحكم! ولم تكن هذه هي النصيحة الوحيدة طبعاً لأنه قدم معها الكثير من النصائح، ليس للحاكم في زمانه وفى بلده فقط، ولكن لكل حاكم على رأس أي بلد فيما بعد.