ما أكثر ما تريد هذه الحكومة تنفيذه ولكن هل تستطيع ؟  
سورية الجميلة RSS خدمة   Last Update:18/04/2024 | SYR: 11:02 | 19/04/2024
الأرشيف اتصل بنا التحرير
TopBanner_OGE

Sama_banner_#1_7-19


خلطات كامبو


شاي كامبو


IBTF_12-18



HiTeck


runnet20122



Baraka16

 ثوانٍ غيّرت حياتهم: أصوات ناجين من الزلزال
08/03/2023      




سيرياستيبس :
داخل مستشفى تشرين الحكومي بمحافظة اللاذقية شمال سوريا، خيّم الحزن على وجوه الأهالي المتناثرين بين أقسام المستشفى الكبير وحديقته، فتجد أحدهم يقف على باب الإسعاف بالقرب من الحديقة، ينفث مع دخان سيجارته جرعة من الرعب والهلع الذي تجرعه فجر السادس من شباط خوفاً على روحه وأرواح من يحبهم، ويروي بتوتر كبير كل ما رآه وعايشه في ذلك الصباح المرعب.

يقصّ هذا الناجي على مسامع كل من يقف إلى جواره تفاصيل اللحظات الأولى للزلزال المدمر، وكيف هوت على عروشها أبنية المخيم الضعيفة، وعن قصة نجاته ورحلة إنقاذ من تبقى من عائلته تحت الركام لساعات، وربما لأيام، وكيف تواصل معهم عبر الأنين. هذا الأنين الذي كان طريقاً لخلق أمل بوجود حياة في بعض المواقع التي طاولها تدمير الزلزال، وخفت وتضاءلت في أخرى قبل وصول يد النجاة إلى مصدريها تحت أكوام الدمار.
كصحافي، دفعني الفضول إلى سؤال هذا الناجي أكثر عن تفاصيل ما جرى، إلا أن كمية الألم في صوته المرتجف، دفعتني لكتم السؤال، والاكتفاء بالاقتراب والاستماع وترك القصة تروي نفسها بخوفها وقلقها ورعبها وحزنها. ربما كانت رؤية تعابير وجوه المستمعين كافيةً ليكتمل المشهد في المخيلة حول حقيقة ما حدث وكيف دارت الوقائع مع هذا الناجي في ذلك اليوم الأسود.


داخل أروقة المستشفى الكبير، تتوزع الغرف التي يرقد فيها المصابون من أبناء مخيم الرمل الجنوبي للاجئين الفلسطينيين. عزيزة، شابة لم تتجاوز العشرين من عمرها، تقص الجروح والكدمات على وجهها قصة بعث من تحت الركام. تتحدّث إلى «الأخبار» عن اللحظات الأولى للزلزال المدمر: «دب الفزع في قلوبنا بعد استشعارنا بأن منزلنا يتحرك ويهتز وبدأنا نتخبط لهول ما يجري. أخت زوجي قامت بدفعي إلى الخارج علّها تبعدني عن موت محتم يتربص بي». تتابع بصوتها المتعب: «في اللحظة التي وصلت بها للخارج بفعل الدفعة، استسلم البناء الذي نقطنه وانهار عقباً على رأس، وهنا كانت اللحظة الفاصلة بين حياتي وموتي، اقتربت من الموت أو خطوت الخطوات الأولى فيه، لأتراجع عنها مع وصول المسعفين إلي، تاركة أربعة أشخاص من أفراد عائلة زوجي الذين نعيش معهم وقد أكملوا طريقهم إلى رحمة ربهم ولفظوا أنفاسهم تحت الركام». استيقظت عزيزة بعد سقوط البناء الواقع على أطراف مخيم الرمل، لتجد نفسها وقد سقطت خارج البناء من ارتفاع 4 طوابق لحظة انهياره، محملة بكسور وجروح في مختلف أنحاء جسدها.
على مقربة من عزيزة، وعلى السرير المجاور لها في مستشفى تشرين، تمدّدت أخت زوجها إسلام التي نالت منها الكارثة ما نالت من كسور ورضوض وجروح في مختلف أنحاء الجسد. تتحدث بصوت مرتجف يكاد أن يسمع: «شعرت بالاهتزازات الأولى. أمي كانت نائمة بجانبي، أيقظتها وهرعت إلى أفراد عائلتي وعملت على إيقاظهم. كانوا يغطون بالنوم ولم يشعروا بشيء. بدأ البناء الذي نسكنه يتمايل بقوة، وعندما مال البناء بدرجة كبيرة حاولت زوجة أخي القدوم إلى غرفة المعيشة التي كنا موجودين فيها فقمت بمنعها وفتحت باب المنزل ودفعتها خارجاً وطلبت منها النزول إلى الشارع. عدت إلى أختي وابنتها في الغرفة لأخرجهما لكن المنزل بدأ يتهاوى ويتصدع بشدة معلناً أنه ساقط لا محالة، فما كان مني إلا أن أمسكت بأختي وابنتها وسلمنا أمرنا لله، وما هي إلا ثوان قليلة وسقط فينا البناء بشكل كامل. لم أع ما يدور حولي إلا بعد مرور قرابة الأربع ساعات تحت الأنقاض مع سماع أصوات المنقذين تقترب مني، لأصرخ بأعلى صوت أمتلكه: أي أي نحنا هون الله يوفقكون طلعونا، وانهرت بالبكاء حيث أدركت أنه أصبح الآن بمقدوري الانهيار بعد الساعات الطويلة التي مرّت علينا بظلمة الأنقاض»

تسمع إسلام صوتاً يرد على مناجاتها «يالله يا أختي يالله كم دقيقة ومنصير عندك». يعمّ الصمت دقائق تقاطعه أصوات المعاول التي تحفر فوق رأسها، ومع تسرب الضوء تتكشف حقيقة الألم الذي ألمّ بعائلتها لتدرك أن أختها وابنتها فارقتا الحياة بجانبها.
في الطريق إلى مخيم الرمل، وعند مدخل الطريق المؤدي إليه، تتموضع على كتفه مقبرة المخيم التي ابيضت جدرانها بعدما غطتها النعوات التي عُلّقت خلال الأيام القليلة الماضية، نعوات تحمل أسماء عائلات فلسطينية وسورية من سكان المخيم والمناطق المجاورة، ممن لم يحالفهم الحظ في النجاة من هذه الكارثة التي ألمّت بالبلاد. مشهد يعيد إلى الذاكرة مشاهد الجدران التي وثق عليها أسماء الشهداء الفلسطينيين بفعل مجازر الاحتلال الصهيوني في الأراضي المحتلة، لكن لا جان اليوم بل هي الطبيعة تعيد ترتيب توازنها.
يتحدث أحد العمّال المشرفين على المقبرة  : «لم نهدأ منذ وقوع الكارثة على مدار الساعة نستقبل جثامين الضحايا، الأمر الذي اضطرنا إلى استقدام المزيد من العمّال للتسريع في عمليات حفر قبور جديدة وفتح قبور قديمة». الرجل الأربعيني الذي لم يسعفه الوقت لمسح ما طاول وجه من الأتربة والغبار خلال ساعات العمل المتواصلة التي تعكس حالة الاستنفار الشديد التي يعمل بها في ظل الضحايا المتوافدين تباعاً، يتابع الحديث: «اضطررنا في بعض الأحيان إلى دفن أكثر من ضحية في قبر واحد». يشير الرجل بيده إلى إحدى القبور التي رمزت برقم كتب على صخرة وضعت فوق التراب «هنا أنزلنا جثامين خمس ضحايا من عائلة واحدة وهناك ثلاثة من نفس العائلة، كان الله في عون أهالي الضحايا ففوق فاجعتهم فهم لا يملكون رفاهية تأمين قبر لكل ضحية من ضحاياهم».

طرق وعرة موحلة، بيوت متعبة ضعيفة متزاحمة يتخللها بيوت مدمرة، وشوارع ضيّقة غاب عنها جزء كبير الخدمات إضافة إلى محلات من التوتياء المترامية على جوانب الطرقات، بهذه الصورة استقبلنا مخيم الرمل الجنوبي، صورة تعكس معها حالة صعبة يعيشها اللاجئون الفلسطينيون فيه، زادت صعوبتها هزات الزلزال التي حوّلت بيوت المخيم الضعيفة إلى مصدر خوف وقلق لساكنيها نتيجة التصدع الذي أصابها مع استمرار الهزات التي تضرب المنطقة. يقول «أبو خليفة»، أحد سكان المخيم، لـ«الأخبار»: «90 في المئة من منازل المخيم تواجه خطر الانهيار، هي أساساً ضعيفة والعديد من العائلات لجأت إلى إخلائها واتجهت إلى مركز الإيواء الذي افتتح في مدرسة الأونروا داخل المخيم، أو المسجد الذي فتح أبوابه أمام المتضررين».
يقف «أبو خليفة» أمام سيارة الأجرة التي يعمل عليها، يؤكد أن مخيم الرمل مظلوم لناحية الدعم والاهتمام من قبل الجهات الفلسطينية المعنية، ويضيف أن الزلزال فاقم الوضع الصعب أساساً وحتى اللحظة تقتصر المساعدات التي وصلت إلى المخيم على الغذائية والإغاثية المقدمة من جمعية «الهلال الأحمر الفلسطيني» و«وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (الأونروا)، من دون التطرق إلى وضع البيوت المتصدعة التي أجبرت مئات العائلات على هجرها إلى حين إيجاد حل لهم.
أصوات أطفال يغنون ويلعبون قادمة من مدرسة «الأونروا» وسط المخيم تنتشر في الحارات المحيطة، تكسر الصمت الذي عم بعد الكارثة والحداد غير المعلن الذي يعيشه أهالي المخيم على الضحايا الذين قضوا، المدرسة المذكورة غدت بعد الزلزال مركزاً لإيواء عشرات العائلات المتضررة، حيث تمتلئ باحتها بأطفال يلعبون تحت أشعة الشمس في محاولة لإخراجهم من الصدمة النفسية التي عاشوها خلال لحظات وقوع الزلزال.

يتحدث أحمد، أحد متطوعي قسم الدعم النفسي في «الهلال الأحمر الفلسطيني»، : «نحاول قدر الإمكان أن نبعد الأطفال عن التداعيات النفسية للكارثة التي وقعت عبر النشاطات التي ننفذها معهم، لقد عاشوا لحظات مريرة ولا يقتصر الأمر على الأطفال الذين فقدوا أفراداً من عوائلهم أمام أعينهم بل كذلك أولئك الأطفال الذين هاموا في الشوارع مع ذويهم متخبطين وهلعين فشاهدوا أبنية مخيمهم تتمايل مع الاهتزازات وسط أصوات الصراخ والرعب والمناجاة».
في زاوية الباحة تركن سيارة العيادة المتنقلة التابعة لوكالة «الأونروا»، تحاول تقديم ما تستطيع من خدمات طبية لرتل الأهالي الذي اصطف عند بابها، جلّهم من كبار السن الذين يعانون أمراضاً مزمنة ازداد وقع ألمها مع رحلة التهجير عن بيوتهم الضعيفة التي سقطت أو الآيلة للسقوط. بعضهم عايش التهجير طفلاً عن قريته ومدينته في فلسطين واليوم يتكرر المشهد في هجرة جديدة عن منزله الذي احتوى على مدى عشرات السنين أحلام العودة إلى الوطن.
الفلسطينية أم محمد تتحدث إلى وهي جالسة على مقعدها المدولب أمام العيادة المتنقلة داخل مركز الإيواء بانتظار دورها لتتسلم أدويتها، تقول: «ماذا يمكن أن أتحدّث عن الكارثة! نلجأ إلى الله وحده»، تصمت قليلاً ثم تتابع: «فقدت بيتي نتيجة الضرر الذي أصابه حيث أصبح مهدداً بالسقوط ولا يمكن العودة إليه حالياً، وها نحن نسكن إحدى صفوف المدرسة كحل مؤقت. خرجنا بالثياب التي نرتديها منذ اللحظة الأولى التي بدأ فيها بيتنا بالتمايل والتشققات والصدوع تظهر في السقوف والجدران، لجأنا إلى الشارع بداية الأمر ثم أخبرونا أن مدرسة الأونروا فتحت أبوابها لاستقبال المتضررين». عن واقع المساعدات التي وصلت إليهم تقول: «نتسلم يومياً وجبات من قبل المشرفين على المركز، نسد بها رمقنا، إضافة إلى بعض البطانيات والفراش التي نبعد بها برد الليل عنا». تشير المرأة السبعينية، بعد الترحم على ضحايا الزلزال والدعاء بالشفاء للمصابين، إلى أن القلق الرئيسي اليوم لمتضرري الزلزال الناجين هو ترميم بيوتهم ليستطيعوا العودة إليها من دون أن يعرضوا حياتهم للخطر.
خارج مدرسة الإيواء لا تغيب هواجس الكارثة عن حديث أهالي المخيم، وعلى زاوية إحدى حارات مخيم الرمل الجنوبي التي تنتهي ببناء منهار، يجلس رجال فلسطينيون تحت أشعة الشمس علّها تدخل الدفء إلى أجسادهم في ظل غياب وسائل التدفئة والكهرباء عن بيوتهم شأنها شأن معظم المدن السورية. يستذكرون اللحظات القاسية التي عاشها المخيم وكيف هب شبابه إلى الأبنية المدمرة لنجدة العالقين تحت الركام، إضافة إلى مأساة إحدى العوائل الفلسطينية التي قضى جميع أفرادها في الزلزال باستثناء ابنتهم التي بقيت تحت الأنقاض ثمانية أيام قبل وصول فرق الإنقاذ إليها. يروي العم أسامة لـ«الأخبار» عن حصيلة ضحايا الزلزال، فيقول: «قضى 28 فلسطينياً من أبناء المخيم تحت الركام، وتم إنقاذ العشرات على مدى أيام من وقوع الكارثة، وهناك أنقاض لم تستطع فرق الإنقاذ رفعها حتى الآن للتأكد من عدم وجود ضحايا أو ناجين محتملين تحتها، وسط حديث دار بين أهالي المخيم عن سماع أصوات قادمة من بعض الأبنية المدمرة داخل المخيم».
على بعد أمتار يجلس الثمانيني أبو جمال، أحد الناجين من كارثة الزلزال، على باب بيته، بينما أحفاده يلعبون أمامه. اللاجئ الفلسطيني ابن بلدة الطنطورة التي هجّر عنها عام 1948، يقول لـ«الأخبار» بلكنته الفلسطينية الأصيلة مشيراً إلى البناء المدمر في آخر الحارة التي يسكنها: «شايف كيف... ما عرفنا شو بدنا نعمل، نزلوني ولادي على الطابق الأرضي ودورنا وين في جسور باطون أعدنا تحتا لبين ما هديت». يوضح لرجل أن الزلزال الحقيقي بدأ لديه عندما علم من أبنائه الذين هبوا لإنقاذ العالقين وانتشال الضحايا عن هول الفاجعة التي ضربت المخيم وكمية الموت والدمار. تدمع عيناه: «كلهم إخوتنا وبلحظة صاروا ذكرى... الله يصبر أهليهم ويصبرنا معهم».
الاخبار



شارك بالتعليق :

الاسم : 
التعليق:

طباعة هذا المقال طباعة هذا المقال طباعة هذا المقال أرسل إلى صديق

 
 

سورس_كود



islamic_bank_1


Baraka16




Orient 2022



Haram2020_2


معرض حلب


ChamWings_Banner


CBS_2018


الصفحة الرئيسية
ســياســة
مال و مصارف
صنع في سورية
أسواق
أعمال واستثمار
زراعـة
سيارات
سياحة
معارض
نفط و طاقة
سوريا والعالم
محليات
مجتمع و ثـقافة
آراء ودراسات
رياضة
خدمات
عملات
بورصات
الطقس