سيرياستيبس
لينا عدرة :
تعمد معظم شركات التنظيف والتعقيم المتعاقدة مع المشافي إلى توظيف أطفال
من فئات عمرية صغيرة، بأعمار تتراوح مابين 13 و14 عاماً بحجة نقص العمالة
الحاد الذي تعاني منه مختلف القطاعات، بالتنسيق طبعاً مع إدارات المشافي،
الخاصة منها والحكومية، التي لا ترى خياراً آخر أمامها إلا بقبول عمل
أطفالٍ من تلك الشريحة العمرية الصغيرة، على الرغم من المخاطر الكبيرة على
صحتهم جرّاء عملهم في مثل هكذا أماكن، فعلى أرض الواقع يشكل الأطفال نسبة
كبيرة من شريحة العاملين في المشافي، ما يجعلهم عرضةً للاستغلال من قبل تلك
الشركات التي تحاول تعويض خسارتها على حسابهم وحساب صحتهم!.
الدكتور عصام أنجق الاختصاصي بالأمراض الإنتانية عند الأطفال أوضح في
حديثٍ لـ”البعث” مخاطر عمل الأطفال في المشافي والتي تتمثل بأمرين اثنين،
الأول عدوى بالأمراض المعدية كالإنتانات والالتهابات والفيروسات، خاصةً
وأننا مقبلون على فصل الشتاء الذي تكثر فيه حالات الإنفلونزا، ما يجعل
الأطفال عرضة للإصابة بها نتيجة احتكاكهم المباشر مع مرضى غير معزولين
ينتظرون تشخيص حالاتهم المرضية بشكل نهائي كـ”كورونا” على سبيل المثال أو
بعض الأمراض السارية والمعدية التي تحتاج لأقسام عزل والتي قد يكون المريض
فيها يعاني من إصابات بالرئة أو إنتان آخر، لافتاً إلى أن الأمر لا يقتصر
على الأطفال العاملين في المشافي، بل قد يمتد إلى الكادر الطبي، وهذا ما
حدث مع عدة أطباء أصيبوا بالحصبة أو جدري الماء وغيرها من الأمراض المعدية،
فما بالك بأطفال مناعتهم ضعيفة أساساً، ليتمثل الأمر الآخر، الذي أشار
إليه أنجق، بالخطر الذي قد يشكله الأطفال أنفسهم على المرضى أو على محيطهم،
كأن يكونوا هم أنفسهم مصابين ببعض الأمراض، إضافة إلى تعاملهم الخاطئ في
بعض الأحيان مع بعض النفايات والمواد الطبية المستعملة والتي يفترض وضعها
بأكياس خاصة، والتي ولعدم إدراكهم لخطورتها قد تشكل خطورة على حياتهم
نتيجة ملامستهم لها كإفرازات قد تنتج في حالات معينة بعد العمل الجراحي،
كالقيح أو العصيات الزرق والإنتانات الأخرى التي قد يُلوث بها الطفل أثناء
تنظيف نفايات الضمادات العائدة لها في غرف المرضى، إضافة لإصابتهم بعدوى
بعض لأمراض كالتهاب الكبد c وb مؤكداً أن الطبيعي في مثل هذه المهن أن يكون
العمال مدرّبين على كيفية التصرف والعمل في أماكن خطرة كهذه.
و بيّن أحد مالكي شركات التنظيف أن الشركة مضطرة
لتوظيف أطفال بأعمار صغيرة بسبب عزوف الفئات العمرية الأكبر عن العمل،
وخاصةً مع سماح القانون بتوظيف الأطفال فوق سن 15، منوهاً بالتزامهم
بالقانون لجهة العمر، إضافة إلى تحديد ساعات عمل لا تتجاوز خمس ساعات، مع
تقديم وجبات طعام للجميع، مضيفاً أن العمل مع الأطفال متعب، غير أن هناك
صعوبة كبيرة لجذب الأعداد المطلوبة من العمال البالغين، بسبب تدني الأجور
الذي يصل الحدّ الأدنى لها إلى 279 ألفاً أي 9000 ليرة يومياً مبلغ لا يكفي
لشراء سندويشة فلافل، متسائلاً من العامل البالغ الذي سيقبل بأن يعمل مدة
12 ساعة براتب أقل من مليون ليرة مع عطلة أسبوعية؟ لافتاً إلى أن رواتب
العمال لديهم تتراوح ما بين 500 ألف و800 ألف ليرة.
أحد أعضاء لجنة الإشراف في أحد أكبر مشافي التعليم، أوضح أن الأطفال
يعملون لأكثر من عشر ساعات ضمن وردية ونصف، ليبدأ عملهم في الثامنة صباحاً
ويستمر لغاية العاشرة مساءً، مع تقديم وجبات طعام، براتب يصل إلى نحو 400
ألف ليرة، مضيفاً: على الرغم من علم الجميع بالاستغلال الممارس على
الأطفال، إلا أن حلّ هذا الأمر غاية في الصعوبة، لأن الجميع يعلم علم
اليقين أن معظم الشركات وفي حال ألزمتها المشافي بشرط العمر في التوظيف،
إما ستغلق مكاتبها أو لن يتقدّم إليها إلا عدد ضئيل جداً، ما يضطر معظم تلك
الشركات ومعها إدارات المشافي لتعويض النقص الحاصل بتوظيف أطفال بأعمار لا
تتجاوز 13 و14 عاماً، لافتاً إلى أن معظمهم أطفال أتوا من محافظات بعيدة
عن العاصمة، للعمل وإرسال رواتبهم كما هي إلى أسرهم عبر حوالات مالية.
ولا بدّ هنا من الإشارة إلى أنه ومع فرق الأسعار الكبير الذي يشهده هذا
النوع من المناقصات، يتمّ التغاضي عن عددٍ من الشروط الموجودة على الورق،
إن كان لجهة عدد العمال على سبيل المثال، ما يجعل الأطفال عرضةً للاستغلال
كونهم الفئة الأضعف والأكثر هشاشة، لذلك يلجأ مالكو تلك الشركات لتعويض
خسارتهم عن طريق توظيف عدد لا بأس به من الأطفال يقبلون العمل لساعات طويلة
وبأجرٍ زهيد من دون حماية أو تأمين، لأن لا خيار آخر أمامهم وأمام أسرهم
التي ترسلهم للعمل مهما كانت ظروف هذا العمل صعبة، رغم كلّ المواقف القاسية
التي يتعرّض لها الأطفال أثناء عملهم.