ما أكثر ما تريد هذه الحكومة تنفيذه ولكن هل تستطيع ؟  
سورية الجميلة RSS خدمة   Last Update:28/03/2024 | SYR: 04:47 | 29/03/2024
الأرشيف اتصل بنا التحرير
TopBanner_OGE

 الغذاء العربي مستورد
21/07/2021      



سيرياستيبس :
الأمن الغذائي في المنطقة العربية مكشوف على الصدمات الخارجية. واحدة من أبرز الصدمات اعتماد المنطقة على الاستيراد. فرغم أن دول المنطقة لديها موارد هائلة للاستثمار في الإنتاج الغذائي من جذوره الزراعية إلى تفرعاته الصناعية، إلا أنها تتكئ على استيراد جزء أساسي من حاجاتها. قد تكون لديها بعض العوائق التي تقيّد توسيع المساحات الزراعية مثل التربة الهشّة وموارد المياه المحدودة، إلا أن ذلك لا يلغي واقع تنامي تبعيتها للخارج، وأن الدول العربية المنتجة للنفط تفضل استعمال الريع الناتج من مبيعات النفط لتمويل استهلاك السلع الجاهزة. هذا النمط لا يتعلق بما تقوله منظمة الأغذية الزراعية عن هشاشة المساحات الزراعية وموارد المياه المحدودة، بل هو نمط من الاقتصاد السياسي المنتشر بين الدول العربية الزراعية أيضاً. فالطابع الريعي للموارد النفطية، مضافاً إليها بنية الأنظمة السياسية العربية تقود هذا المسار من دون محاولات جادة للاستفادة من الموارد المتاحة. المغرب مثلاً، لديه بنية زراعية هائلة، تماماً كالسودان ومصر أيضاً، لكن مستوى الجوع فيه مرتفع. في مصر كان عدد الجائعين يبلغ 4.2 مليون شخص في 2007، وارتفع إلى 4.6 مليون جائع في 2019. السودان كان لديه قبل جائحة كورونا نحو 5.2 مليون جائع، والمغرب لديه 1.6 مليون جائع بحسب منظمة الأغذية والزراعة.

إلى جانب الدول والمناطق التي يوجد فيها نزاعات تلعب دوراً مؤثّراً في السياسات المرتبطة بالغذاء، تلعب السياسات المالية والاقتصادية دوراً سلبياً في الأمن الغذائي. هذه السياسات مصدرها النظم السياسية لهذه البلدان التي تتبنى نهج الأسواق لتغطية حاجات المجتمع، فضلاً عن ولاءاتها الإقليمية والدولية التي تجعل نسبة تأثير تبعيتها للخارج مرتفعة. التبعية للخارج تعني المزيد من الاستيراد بالنسبة لهذه الدول، وإذا كان الأمر مرتبطاً بالاعتماد على استيراد الغذاء، فهذا يعني تبعية أكثر تجذراً.
للتبعية نحو الخارج أشكال متعددة أبرزها صعوبة الدول المنخفضة الدخل في الحصول على العملات الأجنبية لتمويل الاستيراد. صحيح أن الاستيراد قد يسهم في تعزيز قدرة النظام الغذائي على الصمود في ظل إمكانية شراء الأغذية بأسعار مقبولة ومن مصادر متنوّعة، إلا أن مخاطره أكبر على الأمن الغذائي، خصوصاً في البلدان التي توجد فيها مخاوف من الحصار أو الحظر أو العقوبات.

الحكومات في المنطقة العربية تحاول تعويض مواطنيها من سلوك طريق الاعتماد على استيراد الغذاء من خلال الدعم


في الواقع، لم تكن هذه هي الحال دائماً. استيراد المنتجات الغذائية والحيوانية من خارج المنطقة، «نما بشكل كبير منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ليبلغ أكثر من 90 مليار دولار في عام 2013 (هو العام الأخير الذي تتوافر فيه بيانات شاملة عن قيمة التجارة من قاعدة بيانات فاوستات)» وفق المنظمة. كذلك، تشير المنظمة إلى أن المنطقة العربية تعدّ أكبر مستورد للحبوب في العالم «وهذه نتيجة تلقائية لمنطقة تعاني من مقيدات بيئية وزيادة في عدد السكان، لا سيما أن محاولات زيادة الإنتاج المحلي من خلال الزراعة المروية يمكن أن تزيد الضغط على تربة هشّة أصلاً وموارد مياه محدودة».
وبمعزل عن تحديد شكل ونتائج التبعية للخارج، فإن الحكومات في المنطقة العربية تحاول تعويض مواطنيها من سلوك طريق الاعتماد على استيراد الغذاء من خلال الدعم. مجدداً يظهر النظام التوزيعي السياسي كآلية لتقاسم الناتج من الريوع. بحسب المنظمة إن الدعم الحكومي لأسعار المواد الغذائية في العديد من البلدان العربية، يلعب دوراً سياسياً، ويرتّب أعباء مالية كبيرة (تصل نسبته في ميزانية مصر مثلاً إلى 31 في المئة). هنا يظهر بشكل أوضح التدخل الخارجي. فقد لجأت العديد من الدول مثل مصر والمغرب والسودان، إلى صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للحصول على المساعدة. النظم السياسية في هذه الدول هي سبب المشكلة، وهي سبب اللجوء إلى المنظمات الدولية للمساعدة على معالجتها. المعالجات غالباً ما تكون على شكل تقشّف، يعني تقليص الاستثمارات والمزيد من الجوع والفقر والبطالة. في مصر مثلاً، دعا صندوق النقد الدولي والبنك الدولي إلى استبدال دعم المواد الغذائية بمساعدات موجهة ما يعني أنها أصبحت جسراً للعلاقة بين القيادة السياسية والقاعدة الشعبية. بعض البلدان تتأثّر بتقلبات أسعار النفط مثل الجزائر التي انكمش اقتصادها بنسبة 3.9 في المئة في الربع الأول من 2020 بعد نموّ بنسبة 0.8 في المئة في 2019، ما دفع الحكومة إلى خفض دعم القمح. طبعاً هناك مشكلات من نوع آخر في دول أخرى منتجة للنفط مثل المساحات الزراعية والموارد المائية المحدودة وسواها فاقمتها جائحة كورونا. فقد تسببت جائحة كوفيد - 19 في انكماش اقتصادي عالمي وانهيار الطلب على المنتجات النفطية حول العالم، ما وضع ضغوطاً مالية هائلة على حكومات بلدان الخليج، فمثلاً، ضاعفت حكومة المملكة العربية السعودية معدل ضريبة القيمة المضافة ثلاث مرات وألغت البدلات لموظفي القطاع العام من أجل الحفاظ على ربط عملتها بالدولار بالغ الأهمية لاقتصاد التصدير في البلاد.


الاكتفاء بالقمح


من أبرز مؤشرات انخفاض مستوى الاكتفاء الذاتي الغذائي في المنطقة العربية، نقص إنتاج القمح. المغرب يتمتّع باكتفاء ذاتي من القمح بنسبة 58 في المئة يليه العراق بنسبة 54 في المئة ومصر بنسبة 47 في المئة. في المقابل، ينعدم إنتاج القمح بشكل كلي في الكويت والإمارات وجيبوتي بنسبة صفر، وفي عمان وموريتانيا بنسبة 1في المئة.
لبنان لديه اكتفاء ذاتي من إنتاج القمح بنسبة 17 في المئة قبل السعودية التي لديها 20 في المئة والسودان 21 في المئة والجزائر 23 في المئة. هذه النسب تعدّ منخفضة نسبياً، فمقابل كل طن قمح منتج داخلياً، هناك نحو 6 أطنان مستوردة، أي أن الأمن الغذائي عرضة للصدمات الآتية من الخارج، وهو ما يدفع الدول إلى دعم أسعار القمح بشكل غير مباشر عبر دعم الطحين لكبح الصدمات المحلية التي قد تنتج من تقلبات الأسعار العالمية


شارك بالتعليق :

الاسم : 
التعليق:

طباعة هذا المقال طباعة هذا المقال طباعة هذا المقال أرسل إلى صديق