يواجه الاقتصاد الأميركي مرحلة صعبة، ويتوقع انكماش في الناتج المحلي الإجمال لعام 2025 بالكامل، بحسب تحذير لـ"جيه بي مورغان".
وأطلق البنك الاستثماري تحذيراً من أن الاقتصاد الأميركي يتجه نحو الركود، متوقعاً أول انكماش سنوي في الناتج المحلي الإجمال منذ سنوات، وذلك في أعقاب جولة جديدة من الرسوم الجمركية التي اقترحها الرئيس دونالد ترمب.
وقال كبير الاقتصاديين الأميركيين لدى البنك مايكل فيرولي في مذكرة للعملاء نقلت تفاصيلها عن وكالة "بلومبيرغ"، "نتوقع الآن أن ينكمش الناتج المحلي الإجمال الحقيقي تحت وطأة الرسوم، وبالنسبة إلى العام الكامل نتوقع نمواً سالباً بنسبة 0.3 في المئة، بعدما كنا نتوقع نمواً بنسبة 1.3 في المئة".
ويعد "جيه بي مورغان" أول مؤسسة مالية كبرى في "وول ستريت" تتنبأ بانكماش اقتصادي كامل للولايات المتحدة في 2025، في وقت يواجه فيه الاقتصاد الأميركي ضغوطاً متزايدة من سياسات الحماية التجارية وارتفاع الكلف واحتمال تراجع الاستهلاك والاستثمار.
وتوقع فيرولي ركوداً لمدة ربعين في النصف الثاني من عام 2025 مع انكماش الناتج المحلي الإجمال بنسبة واحد في المئة في الربع الثالث و0.5 في المئة في الربع الرابع من هذا العام في تصعيد كبير بالسياسة التجارية الأميركية تحت إدارة الرئيس ترمب.
رسوم ترمب الجمركية تهز الأسواق
وقبل أيام فحسب كشف ترمب عن رسوم جمركية جديدة واسعة النطاق بنسبة 10 في المئة كضريبة أساسية على جميع الواردات مع فرض رسوم أشد على شركاء مختارين مثل المكسيك وكندا. ولم تتأخر الأسواق في الرد، فقد هبط مؤشر "داو جونز" الصناعي بمقدار 2.231 نقطة الجمعة وحده، في أسوأ أداء له منذ انهيار السوق خلال جائحة مارس (آذار) 2020. وتراجع مؤشر "ستاندرد أند بورز 500" بنسبة 6 في المئة، وهبط مؤشر "ناسداك" المثقل بأسهم التكنولوجيا بنسبة 5.8 في المئة، مما دفعه للدخول رسمياً في سوق هابطة.
وبصورة إجمالية خسرت الأسواق الأميركية نحو 5.4 تريليون دولار من قيمتها خلال جلستي تداول فقط.
أحدث خطوة لترمب في فرض الرسوم الجمركية تضاف إلى قائمة متزايدة من المعارك التجارية. من جانبها ردت الصين سريعاً بفرض ضريبة انتقامية بنسبة 34 في المئة على السلع الأميركية، فيما تهدد دول أخرى باتخاذ خطوات مماثلة أو الدخول في مفاوضات متوترة.
الوظائف والمحافظ على المحك
وحذر فيرولي من أن التباطؤ الاقتصادي قد يترك تداعيات مؤلمة على العمال الأميركيين، وقال "من المتوقع أن يؤدي الانكماش في النشاط الاقتصادي إلى تقليص التوظيف، ومع مرور الوقت سيرتفع معدل البطالة إلى 5.3 في المئة".
وعلى رغم أن بيانات التوظيف في الشهر الماضي بدت قوية فإن "جيه بي مورغان" يتوقع تلاشي هذا الزخم مع بدء تأثير الرسوم الجمركية في تقليص هوامش أرباح الشركات وتراجع الطلب الاستهلاكي.
وأضاف فيرولي، "الضغوط الناتجة من ارتفاع الأسعار التي نتوقعها في الأشهر المقبلة قد تكون أشد من تلك التي شهدناها خلال موجة التضخم بعد الجائحة، نظراً إلى تباطؤ نمو الدخل الاسمي أخيراً". وتابع "علاوة على ذلك، وفي ظل بيئة يخيم عليها عدم اليقين، قد يتردد المستهلكون في السحب من مدخراتهم لتمويل نمو الإنفاق".
أخطار الركود التضخمي
من المتوقع أيضاً أن يتصاعد التضخم، وأن يرتفع مؤشر الإنفاق الشخصي على الاستهلاك (PCE) الذي يعد المقياس المفضل لـ"الاحتياطي الفيدرالي"، إلى 4.4 في المئة بنهاية العام، مقارنة بـ2.8 في المئة في فبراير (شباط) الماضي.
ويؤسس ذلك لما يسميه فيرولي "توقعات الركود التضخمي"، وهو مزيج خطر من ارتفاع الأسعار وتباطؤ النمو، وقال "إذا تحقق توقعنا للركود التضخمي، فإن ذلك سيشكل معضلة لصانعي السياسات في بنك الاحتياطي الفيدرالي". وأضاف "نعتقد أن الضعف الكبير في سوق العمل سيكون له التأثير الحاسم في النهاية، خصوصاً إذا أدى إلى ضعف نمو الأجور، مما يمنح اللجنة مزيداً من الثقة في أن دوامة الأسعار والأجور لن تكون في طريقها للتحقق".
"الاحتياطي الفيدرالي" تحت ضغط الفائدة
رداً على ذلك يتوقع فيرولي أن يبدأ "الاحتياطي الفيدرالي" الأميركي في خفض أسعار الفائدة بدءاً من يونيو (حزيران) المقبل، مع تنفيذ مزيد من الخفوض في كل اجتماع حتى يناير (كانون الثاني) 2026. ومن شأن ذلك أن يخفض سعر الفائدة الأساس إلى نطاق يراوح ما بين 2.75 في المئة و3 في المئة، مقارنة بالمستوى الحالي البالغ بين 4.25 في المئة و4.5 في المئة.
ومع ذلك لا يبدو أن جميع مسؤولي "الاحتياطي الفيدرالي" في عجلة من أمرهم، وقال رئيس البنك جيروم باول الجمعة الماضي، "يبدو أننا لا نحتاج إلى التسرع"، وذلك بعد فترة وجيزة من إصدار بيانات الوظائف الأخيرة.
ومع ذلك يراهن المستثمرون في الأسواق المالية على أن "الفيدرالي" سينفذ في الأقل أربعة خفوض في أسعار الفائدة هذا العام مع تزايد المخاوف في شأن أخطار الركود.
إجماع أوسع
ليس "جيه بي مورغان" الوحيد الذي خفض توقعاته للنمو، إذ انضمت إليه مؤسسات مالية كبرى أخرى، وتوقع بنك "باركليز" انكماشاً اقتصادياً العام المقبل، فيما خفض "سيتي" توقعاته إلى نمو لا يتجاوز 0.1 في المئة، وقلص "يو بي أس" تقديره إلى 0.4 في المئة.
وأشار كبير الاقتصاديين في الولايات المتحدة لدى بنك "يو بي أس" جوناثان بينغل إلى التداعيات الأوسع للسياسات التجارية الجديدة، قائلاً "نتوقع أن تنخفض الواردات الأميركية من بقية دول العالم بأكثر من 20 في المئة خلال أفقنا الزمني للتوقعات، معظمها في الأرباع القليلة المقبلة، مما سيعيد نسبة الواردات إلى الناتج المحلي الإجمال إلى مستويات ما قبل عام 1986. إن حدة السياسة التجارية الحالية لها تأثير واسع النطاق".
وفي حين لا يزال من غير المؤكد ما إذا كان "الفيدرالي" قادراً على توجيه الاقتصاد الأميركي خلال هذه الاضطرابات، تظل توقعات "جيه بي مورغان" بمثابة تحذير صارخ ليس فقط من الركود، بل من تحول هيكلي أعمق في اتجاه الاقتصاد الأميركي.
ومع تأثير مقامرة ترمب التجارية على الحلفاء والمستهلكين والمستثمرين على حد سواء، قد يدخل الاقتصاد الأميركي في فصل متقلب يعرف لا بالنمو، بل بالتراجع.