حذر رئيس إحدى كبرى شركات الأسمدة في العالم من أن تصاعد التوترات في الشرق الأوسط قد يؤدي إلى صدمة جديدة في أسعار الغذاء، نتيجة الضغوط على سلاسل الإمداد العالمية الخاصة بمغذيات المحاصيل والطاقة.

وقال الرئيس التنفيذي لمجموعة "يارا" النرويجية المتخصصة في إنتاج الأسمدة، سفين توري هولسيثر، إن الشركات والعملاء "يراقبون من كثب" الأخطار المحيطة بمضيق هرمز الذي تمر عبره 40 في المئة من تجارة اليوريا في العالم و20 في المئة من إمدادات الغاز الطبيعي المسال، محذراً من أن أي تعطل في هذه المنطقة قد ينعكس سلباً على الإنتاج الغذائي العالمي.

وأوضح هولسيثر في مقابلة مع صحيفة "فايننشال تايمز" أن "أسواق الأسمدة كانت شديدة التقلب خلال الأسبوعين الماضيين، وهو ما يظهر مدى الترابط بين مختلف القطاعات". وأشار إلى أن إغلاق حقول الغاز الإسرائيلية أخيراً – الذي عطل إنتاج الأسمدة في مصر – يعكس مدى سرعة انتقال تداعيات التوترات الإقليمية إلى سلاسل التوريد.

خمس إنتاج اليوريا العالمي

وشهدت العلاقات بين إيران وإسرائيل تصعيداً حاداً هذا الشهر، مما دفع أسعار خام "برنت" إلى الارتفاع فوق 80 دولاراً للبرميل، قبل أن تعود للانخفاض إلى أواخر الستينيات بعد التوصل إلى وقف إطلاق النار في وقت سابق هذا الأسبوع.

وحذر محللون في القطاع من أن أكثر من خمس إنتاج اليوريا العالمي توقف بسبب الصراعات والاضطرابات الطويلة الإمداد. وقالت كبيرة محرري الأمونيا في شركة الأبحاث "آي سي آي أس"(ICIS)، سيلفيا تراغانيدا، إن "إيران أغلقت جميع مصانع الأمونيا لدواع أمنية، بينما لا تزال مصر خارج الخدمة بسبب توقف تدفقات الغاز الإسرائيلي".

من جهتها، أكدت شركة الاستشارات "سي آر يو"(CRU) أن الضربات الإسرائيلية على إيران، والهجمات الانتقامية اللاحقة، "تسببت في اضطرابات كبرى في أسواق النيتروجين خلال أيام قليلة"، وحذرت من "تهديدات مستمرة" لإمدادات الفوسفات والبوتاس والكبريت من المنطقة.

وبحسب بيانات "سي آر يو"، فإن ما يقارب ثلث صادرات اليوريا، و44 في المئة من صادرات الكبريت، ونحو خمس صادرات الأمونيا تمر أو تنتج في دول تقع غرب مضيق هرمز.

النظام الغذائي العالمي هش

وقال هولسيثر، "النظام الغذائي العالمي هش، وإذا استمرت أسعار الطاقة مرتفعة فترة طويلة، فستمتد تداعيات ذلك إلى الغذاء، كما حدث في عامي 2021 و2022 بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا".

وكانت آخر صدمة كبيرة لأسواق الأسمدة وقعت عام 2022، عندما أدى الهجوم الروسي على أوكرانيا إلى ارتفاع حاد في أسعار الغاز الطبيعي، مما أدى إلى قفزة كبيرة في كلفة الأسمدة وأسهم في أزمة عالمية في أسعار الغذاء.

ومنذ ذلك الحين، هدأت أسعار مغذيات المحاصيل مع تراجع سوق الغاز، إلا أن صناعة الأسمدة الأوروبية لا تزال تحت ضغط، إذ زادت الواردات الروسية من حصتها في السوق، بحسب هولسيثر، الذي تحدث بعد عودته من أول زيارة له إلى أوكرانيا منذ الحرب الروسية في فبراير (شباط) 2022.

وعلى رغم أن العقوبات الغربية حدت من صادرات الغاز الروسي – وهو عنصر حاسم في إنتاج أسمدة النيتروجين – فإن الغذاء ومغذيات المحاصيل ظلت مستثناة، مما أتاح لموسكو إعادة توجيه صادراتها من الغاز عبر إنتاج الأسمدة.

رسوم جمركية على الأسمدة الروسية

ورحب هولسيثر بخطوة الاتحاد الأوروبي الأخيرة فرض رسوم جمركية على الأسمدة الروسية، لكنه قال إنها جاءت متأخرة، وأضاف "على أوروبا أن تتجنب تكرار الأخطاء التي ارتكبت في استيراد الطاقة، عندما يتعلق الأمر بالغذاء".

واتهم الرئيس التنفيذي لشركة "يارا" موسكو بـ"تسليح الغذاء والأسمدة"، سواء من خلال زيادة صادرات الأسمدة لتعزيز اعتماد العالم على إمداداتها، أو من خلال استهداف الزراعة المدنية في أوكرانيا ضمن حملة لتقويض دور البلاد كقوة زراعية عالمية.

وقال هولسيثر، "هناك المعركة العسكرية، لكن هناك أيضاً معركة تستخدم فيها الأغذية كسلاح"، مضيفاً أن أكثر من 20 في المئة من الأراضي الزراعية الأوكرانية باتت الآن مزروعة بالألغام أو محتلة أو غير صالحة للاستعمال.

وقبل الحرب، كانت صادرات أوكرانيا الغذائية – التي شملت ما يصل إلى 50 مليون طن من الحبوب – تطعم نحو 400 مليون شخص سنوياً. وانخفض إنتاج البلاد من الحبوب والبذور الزيتية من 78 مليون طن عام 2023 إلى 72.9 مليون طن هذا العام، بحسب هولسيثر، في انعكاس واضح لتأثيرات الحرب المتصاعدة على الإنتاج الزراعي.

اندبندنت عربية