سورية الجميلة RSS خدمة   Last Update:02/10/2025 | SYR: 01:04 | 02/10/2025
الأرشيف اتصل بنا التحرير
TopBanner_OGE

 الأسعار .. جنوا نطوا .. والفقراء جنون بلا نط ؟
27/09/2025      




سيرياستيبس :

تعيش أسواق مدينة حلب منذ أشهر حالة من التذبذب الواضح في الأسعار، إذ تشهد المواد الغذائية الأساسية والسلع الاستهلاكية ارتفاعات متلاحقة تثقل كاهل السكان، وسط غياب حلول ملموسة من الجهات المسؤولة وانخفاض القدرة الشرائية لدى معظم الأسر، ما يجعل تأمين الاحتياجات الأساسية تحدياً متزايداً أمام الأهالي.

يقول محمد السعيد، موظف حكومي وأب لخمسة أطفال: "لم نعد قادرين على شراء كل ما نحتاجه، نكتفي بالضروريات مثل الخبز والزيت والسكر. أما اللحوم والفواكه، فأصبحت خارج حساباتنا منذ أشهر طويلة". ويضيف أن راتبه الشهري لا يغطي سوى جزء بسيط من متطلبات أسرته، فأغلب الراتب يذهب لإيجار المنزل وفواتير الكهرباء والماء، وما يتبقى بالكاد يوزعه على الطعام: "نحن اليوم نعيش على وجبات بسيطة جداً، مثل العدس أو البطاطا المسلوقة، والفتات بأنواعها، حتى الدجاج الذي كان بديلاً عن اللحم الأحمر لم يعد في استطاعتنا شراؤه بعد قفزة أسعاره الأخيرة".

ويتابع السعيد: "أطفالي يسألونني لماذا لا نأكل مثل باقي الناس، لماذا لا أشتري لهم تفاحاً أو موزاً مثل ما يشاهدون مع زملائهم في المدرسة. أحاول أن أشرح لهم أن الظروف صعبة، وأن الأولوية هي للضروريات، لكن داخلياً أشعر بمرارة كبيرة لأني عاجز عن تلبية أبسط طلباتهم". ويصمت بحزن ليتابع: "نعيش في دوامة مستمرة، كل يوم نحسب ونقارن ونتنازل عن أصناف من المشتريات، لم يعد الأمر يقتصر على الغلاء فقط، بل أصبح إحساساً دائماً بالضغط النفسي، لأنك تعيش كل يوم وأنت تفكر كيف ستؤمن وجبة الغد".

 

من جهتها، ترى مريم عبدو، ربة منزل من حي صلاح الدين، أن الأسعار لا تستقر. وتقول لـ"العربي الجديد": "كل يوم نذهب إلى السوق، نجد الأسعار تغيرت، أحياناً ترتفع خلال ساعات فقط، إذ لم يعد هناك معيار واضح، وهذا يرهق ميزانية العائلات البسيطة". وتضيف أن المشكلة لا تقتصر على الغلاء فقط، بل في تفاوت الأسعار بين محل وآخر: "قد أجد سعر كيلو الرز مثلاً بـ20 ألف ليرة في محل، بينما يبيعه محل آخر بـ23 ألفاً أو 24 ألفاً، والفارق يصبح كبيراً عندما تكون لديك مشتريات عديدة، وهو ما يجعلني مضطرة للتنقل بين أكثر من سوق أو محل بحثاً عن الأرخص، وهو أمر متعب جداً، خاصة للنساء اللواتي يتحملن عبء التسوق يومياً".

وتتابع عبدو: "أحياناً أسأل التاجر لماذا السعر مختلف عن المحل الآخر، فيجيبني بأن البضاعة أغلى عنده لأنها أفضل، أو أن تكاليف النقل أعلى، لكن في النهاية لا نعرف الحقيقة. نشعر أن كل تاجر يضع السعر الذي يناسبه من دون رقابة أو التزام".

 

ويرجع أحمد درويش، أحد أصحاب محال البقالة في سوق باب النيرب، أسباب التغيير المستمر في الأسعار إلى غلاء الإيجارات والنقل الذي يضاعف المشكلة. ويقول لـ"العربي الجديد": "تجار الجملة يرفعون أسعارهم بحجة ارتفاع التكاليف، ونحن بدورنا نضطر لزيادة الأسعار كي نغطي مصاريف المحل والإيجار، لكن في النهاية، الزبون هو المتضرر الأكبر".

ويشرح درويش أن أسباب الغلاء متعددة ومترابطة نتيجة كلفة النقل التي ارتفعت بشكل كبير بسبب أسعار المحروقات، وأحياناً يتأخر وصول البضائع من المحافظات الأخرى، ما يقلل الكميات المتوفرة ويرفع سعرها، كذلك أغلب المنتجات الغذائية تعتمد على مواد أولية مستوردة أو معبأة خارج البلاد، و"بتغير سعر الدولار، ترتفع أسعارها تلقائياً".

ويضيف: "حتى الكهرباء تمثل عبئاً علينا، فمع الانقطاعات الطويلة، نلجأ لتشغيل المولدات، وأسعار المازوت ارتفعت بشكل جنوني. هذه المصاريف كلها تدخل في حساب الكلفة النهائية، لذلك تجد الأسعار في السوق تختلف بشكل دائم، ونحن، التجار الصغار، لسنا مستفيدين كما يظن الناس، بل نعيش ضغطاً مستمراً بين مطالب الزبائن وتكاليف السوق، وفي النهاية، لا أحد يشعر بالراحة، لا البائع ولا المشتري".

من جانبه، يعتبر الخبير الاقتصادي سامر خطيب أن أزمة تذبذب الأسعار وارتفاعها مرشحة للاستمرار ما لم تتخذ إجراءات فعلية للحد من تفاقمها، وغياب الرقابة الفعالة على الأسواق، إلى جانب تراجع الإنتاج المحلي وصعوبة النقل بين المحافظات، كلها عوامل متداخلة تؤدي إلى موجات متلاحقة من ارتفاع الأسعار.

وأشار خطيب إلى أن اعتماد الأسواق بشكل متزايد على البضائع المستوردة أو المعبأة خارج البلاد يجعلها رهينة لتقلبات سعر الصرف، وهو ما ينعكس مباشرة على القدرة الشرائية للمواطنين، وغياب آليات ضبط حقيقية يتيح للتجار رفع الأسعار وفق تقديراتهم الخاصة، من دون معايير موحدة أو شفافية.

ويرى الخبير الاقتصادي أن الحل لا يمكن أن يكون آنياً أو جزئياً، بل يتطلب حزمة من السياسات تبدأ بدعم الإنتاج الداخلي وتنشيط الزراعة والصناعات الغذائية، إلى جانب توفير خطوط نقل آمنة ومنخفضة الكلفة بين المحافظات، بما يضمن وصول السلع إلى الأسواق بشكل مستقر. كما شدد على أن أي إصلاح اقتصادي جاد لا بد أن يترافق مع رقابة صارمة على التجار الكبار للحد من الاحتكار، وحذر من استمرار الوضع الحالي الذي من شأنه أن يوسع الفجوة بين الدخل والإنفاق، ويدفع مزيداً من العائلات إلى ما دون خط الفقر، ما لم تتحرك الجهات المعنية بشكل عاجل.

العربي الجديد


شارك بالتعليق :

الاسم : 
التعليق:

طباعة هذا المقال طباعة هذا المقال طباعة هذا المقال أرسل إلى صديق