سيرياستيبس : زار فريق من موظفي صندوق
النقد الدولي برئاسة رون فان رودن دمشق، ناقش خلالها أولويات الحكومة في
شأن إصلاح القطاع المالي ودعم أنشطة المساعدات الفنية ورسم ملامح ومسار
التعاون بين سوريا وصندق النقد الدولي.
تسير
سوريا بخطوات حثيثة باتجاه تحقيق اندماجها التدرجي على مستوى الاقتصادين
الإقليمي والدولي تزامناً مع رفع العقوبات، متطلعة إلى بناء علاقات قوية مع
المؤسسات المالية الدولية وفي مقدمها صندوق النقد والبنك الدوليان.
وشهدت الأشهر الماضية سلسلة لقاءات مهمة
بين مسؤولين في الحكومة السورية ونظرائهم في البنك والصندوق الدوليين، كان
أبرزها لقاء الرئيس السوري أحمد الشرع في مقر الصندوق في واشنطن مع مديرة
الصندوق كريستالينا جورجيفا، إذ جرى مناقشة مجالات التعاون الممكنة لدعم
التنمية الاقتصادية في سوريا والإصلاحات ورفع قدرة الدولة على رفع
الإيرادات.
وأخيراً، زار فريق من موظفي صندوق النقد
برئاسة رون فان رودن دمشق، إذ ناقش خلالها أولويات الحكومة في شأن إصلاح
القطاع المالي ودعم أنشطة المساعدات الفنية ورسم ملامح ومسار التعاون بين
سوريا وصندق النقد الدولي.
الصندوق الدولي أصدر بياناً لافتاً عقب
ختام محادثات فريقه في وزارة المالية والبنك المركزي السوري، إذ كشف البيان
عن علامات تدل على بداية تعافي الاقتصاد السوري بما يعكس تطوراً إيجاباً
في مزاج المستهلكين والمستثمرين.
وحدد الصندوق في بيانه برنامجاً مكثفاً
للتعاون الفني يهدف إلى مساعدة سوريا على إعادة تأهيل المؤسسات الاقتصادية
الرئيسة بما يخص الإصلاح المالي من خلال توسيع الحيز المالي لموازنة 2026
لدعم الفئات الهشة، وتحسين إدارة المالية العامة والإيرادات، وإكمال
القانون الضريبي الجديد، إلى جانب وضع إستراتيجية لمعالجة الديون
المتراكمة.
ويستهدف البرنامج أيضاً استقرار القطاع
النقدي من خلال وضع إطار للسياسة النقدية لتحقيق استقرار التضخم، وصياغة
تشريعات مالية جديدة، وإعادة تأهيل أنظمة الدفع المصرفية، بما في ذلك إعادة
بناء قدرات البنك المركزي، وأشار إلى أن التعاون سيركز على تحسين البيانات
الإحصائية بما يمهد الطريق لاستئناف مشاورات المادة الرابعة، وتحسين
بيانات الحسابات القومية والأسعار وميزان المدفوعات والمالية العامة.
ارتياح حكومي لاعتراف الصندوق بالإصلاحات
من جانبه، عبر وزير المالية السوري محمد
يسر برنية عن رضاه عن بيان صندوق النقد، إذ قال في منشور له على صفحته
الرسمية على موقع التواصل "فيسبوك" إن "بيان صندوق النقد يظهر إشادة بما
تقوم به السلطات السورية من إصلاحات اقتصادية ومالية رشيدة، مكنت من وضع
الاقتصاد السوري على مسار التعافي الاقتصادي"، وأشار إلى أن "البيان يرسم
خريطة طريق حول الإصلاحات التي يتعين استكمالها في الأشهر المقبلة"، لافتاً
إلى أن "زيارة بعثة الصندوق إلى دمشق تركزت على تحديد حاجات الدعم الفني
وسبل تعزيز التعاون في المرحلة المقبلة".
من جانبه، اعتبر حاكم مصرف سوريا المركزي
عبدالقادر حصرية بيان بعثة صندوق النقد بأنه يشكل دعماً معنوياً مهماً
للجهود الوطنية الرامية إلى ترسيخ التعافي وتعزيز الثقة والانطلاق نحو
مرحلة جديدة من النمو المستدام والاستقرار، لافتاً إلى أن "مضمون البيان
يؤكد نجاح الجهود المبذولة خلال الأشهر الماضية".
وقال حصرية في منشور له عبر صفحته الرسمية
على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، "سنمضي قدماً في العمل ضمن رؤيتنا
في تحقيق الاستقرار النقدي والمصرفي والمالي بما يسهم في جذب الاستثمارات
اللازمة لعملية الإعمار، والحفاظ على القوة الشرائية لعملتنا الوطنية،
وتحقيق التنمية المستدامة".
نجاح التعاون مع الصندوق يحتاج إلى إصلاحات واسعة
من جهتها، قالت المحللة الاقتصادية،
وزيرة الاقتصاد السابقة لمياء عاصي، إن "تقرير بعثة الصندوق اعتمد على
مؤشرات لها علاقة بارتفاع مستوى الثقة في الاقتصاد السوري، منها تخفيف
العقوبات أو تعليقها، مما سيؤدي إلى إعادة اندماج سوريا تدرجاً بالاقتصاد
العالمي، إضافة إلى عودة عدد كبير من اللاجئين يتجاوز المليون لاجئ بحسب
التقرير مما سيعزز الطلب المحلي بصورة عامة ويسبب انتعاش الاقتصاد
السوري"، وأضافت "من المؤشرات الإيجابية أيضاً الحديث عن إصلاح الجهاز
المصرفي والمالية العامة"، مستدركة "لكن التعافي الاقتصادي الحقيقي يمكن
قياسه من عدد من المؤشرات الرقمية مثل ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي ورفع
كفاءة المؤسسات الإنتاجية وخفض معدل التضخم واستقرار الأسعار، وارتفاع
متوسط الدخل للفرد، مما سينعكس على قدرته الشرائية وتعزيزها، وهذا سيؤثر
إيجاباً في مجموع الاستهلاك العام، إضافة إلى توفر فرص العمل التي من شأنها
تخفيف نسب البطالة والفقر في كل المحافظات السورية".
وفي شأن القطاع المالي، أوضحت لمياء عاصي أن "استقرار سعر الصرف هو
حجر الزاوية في التعافي الاقتصادي، إلى جانب قدرة البنوك على تقديم
القروض، مما سيزيد الاستثمار المحلي في الزراعة والصناعة، هذه بعض الملامح
التي إذا ما توفرت فإنها تؤدي فعلاً إلى القول ببدء التعافي الاقتصادي".
وزيرة الاقتصاد السورية السابقة أشارت في
حديثها إلى "اندبندنت عربية" إلى أهم المعوقات في طريق التعافي الاقتصادي،
قائلة "تتلخص في ثلاثة نقاط أساس، الأولى هشاشة الوضع الأمني والسياسي لا
سيما التهديدات الخارجية وأولها إسرائيل، أما الثانية فهي أن مؤسسة القضاء
لا تزال تحتاج إلى كثير من الإصلاحات لتتمتع بالاستقلالية والحيادية
والنزاهة المطلوبة، وهذه أول الشروط لاجتذاب الاستثمار الأجنبي، بينما
النقطة الثالثة هي ضعف المؤسسات وافتقارها إلى قواعد الحوكمة الأساسية لا
سيما ما يختص بالشفافية والفساد".
ورداً على سؤال، فيما إذا كانت وصفات
البنك والصندوق الدوليين مناسبة لوضع الاقتصاد السوري بصورته الحالية؟ قالت
لمياء عاصي "من المتعارف عليه أن وصفة صندوق النقد الدولي تتضمن 10 نقاط،
تلتزم تنفيذ البنود الواردة فيها الدول التي تريد الاقتراض من صندوق النقد
الدولي أو من البنك الدولي وتتلخص بمحاور عدة، أولها التحرير التجاري
الكامل ورفع الدعم عن السلع، إضافة إلى ضمان مرونة سعر الصرف، وإجراء
الخصخصة على المؤسسات والشركات المملوكة للدولة، إلى جانب تبني سياسة تقوم
على الضبط المالي وعدم التوسع بالإنفاق العام وغيرها"، وتابعت "نتج من
تطبيق هذه الإجراءات بصورة صادمة كثير من الكوارث الاجتماعية وعدم
الاستقرار السياسي، لذلك لا بد للدول من أن تكون انتقائية وحذرة وتسعى إلى
تطبيق تلك الإجراءات بصورة تدرجية تناسب حال السكان فيها".
المتخصصة الاقتصادية أوضحت "أنه في دولة
مثل سوريا، حيث الاقتصاد هش ونسب عالية من السكان يرزحون تحت خط الفقر،
بالتأكيد فإن تطبيق وصفات الصندوق بما تحويه من إجراءات قاسية سيسبب كثيراً
من المشكلات الاجتماعية، مثل زيادة نسب الفقر ومعدلات البطالة، خصوصاً أن
البلد تفتقر إلى شبكات الحماية الفعالة، التي يمكن لها أن تحوي آثار
الصدمات التي تسببها الإجراءات المطلوبة بصورة مفاجئة"، وأشارت إلى أن هناك
نقاطاً إيجابية في المقابل في التعاون مع صندوق النقد الدولي أو البنك
الدولي، أهمها الانضباط المالي والنقدي، الذي يؤدي إلى تحسين إعداد
الموازنة وتطوير إدارة الدين العام، وتحديث النظام الضريبي، أيضاً يمكن أن
يساعد في تقوية الإحصاءات والمؤسسات من خلال تحسين جودة البيانات الوطنية
بما يسهل صنع القرار ويجذب التمويل، وهذه المحاور مطروحة ضمن برنامج
التعاون الفني الأخير بين سوريا وصندوق النقد الدولي".
وفي معرض ردها على سؤال، فيما إذا كانت الحكومة السورية قد تسرعت في رفع أسعار الكهرباء
وإذا كان ذلك يبدو تنفيذاً لوصفات البنك الدولي؟ قالت المتخصصة لمياء عاصي
"أعتقد أن قرار رفع أسعار الكهرباء بهذه الصورة الكبيرة كان صادماً، ولا
يراعي الوضع الهش لغالبية السكان، بالطبع كان له أثر تضخمي، إذ زادت أسعار
معظم المواد التي تدخل الكهرباء في تصنيعها أو تخزينها وافتقد إلى أبسط
أساسات القرار المقبول شعبياً، وأولها التدرج في رفع التعرفة وأن تكون
بصورة مرافقة لتحسن الخدمة، إضافة إلى أن قرار رفع التعرفة الكهربائية
يؤدي إلى رفع كلف الإنتاج في الصناعة والزراعة، مما يضيف أعباء على
المنتجات السورية ويجعلها غير قادرة على المنافسة مع الصناعات المستوردة"،
مؤكدة ضرورة أن تكون هناك شبكات للحماية الاجتماعية تعنى بتقديم دعم أو
مساعدات للأسر المحدودة الدخل أو الفئات الأقل دخلاً".
ثغرات منهجية قد تؤثر في دقة تقييم الواقع الاقتصادي
يمثل تقرير صندوق النقد الدولي خطوة أولى
نحو إعادة الاندماج في النظام المالي العالمي، خصوصاً أنه حمل إشادة دولية
بالخطوات الإصلاحية التي تقوم بها سوريا، ومع حال الارتياح التي أشاعها
تقرير الصندوق الدولي فإن متخصصين اقتصاديين سوريين أكدوا أهمية وضع نقاط
التعاون التي تحدثت عنها بعثة صندوق النقد الدولي في إطارها التحليلي
الأوسع، لفهم الصورة كاملة من جهة طبيعة التعاون الحالية.
وأشاروا في حديثهم إلى "اندبندنت عريبة"
إلى أن البيان قدم تقييماً إيجاباً حذراً من الصندوق للإصلاحات الأولى التي
قامت بها السلطات السورية، وأضافوا "البيان أرجع أسباب التعافي الأولي إلى
عوامل خارجية وداخلية، منها رفع العقوبات الدولية، وإعادة اندماج سوريا في
الاقتصاد العالمي، وعودة أكثر من مليون لاجئ، وهذا يعني أن استمرار هذه
العوامل سيكون حاسماً لاستمرار التعاون وتحقيق النتائج المرجوة".
المتخصصون أكدوا أن التقرير ربما يعاني
ثغرات قد تؤثر في دقة تقييمه للواقع الاقتصادي مرحلياً، إذ أشار إلى
اعتماده على بيانات غير موثوقة بالصورة الكافية، بل قال إن "البيانات
الاقتصادية الموثوقة لا تزال شحيحة" وهذا تناقض يضعف صدقية أي تحليل كمي،
إذ إن صنع السياسات السليمة يعتمد على بيانات دقيقة، موضحين في هذا السياق
إلى أن الحكومة السورية وبكل تأكيد تدرك أهمية المعلومات والبيانات وستعمل
على توفيرها بشفافية من أجل إنجاح برامج الإصلاح المدعومة من صندوق النقد
الدولي وغيره.
هذا ولم يتطرق بيان بعثة الصندوق الدولي
إلى الدعم المالي، إذ ركز التقرير كلياً على "المساعدة الفنية" من دون
الإشارة إلى أي محادثات حول حزم تمويلية أو قروض لسد الفجوة التمويلية
الهائلة، وهذا يحد بصورة كبيرة من قدرة هذه التوصيات على تحقيق تأثير ملموس
في المدى القريب، كذلك فإن هناك تحديات هيكلية عميقة لم يتم التطرق إليها
بصورة كافية مثل الاحتكار وتآكل القاعدة الإنتاجية.
ويبدو أن التقرير يخفي وراء لغته
الدبلوماسية إشارات تحذيرية، فالتقرير يحمل رسائل وصاية للحكومة السورية،
في محاولة لمنع مؤسسات الدولة من الانزلاق نحو مزيد من الضعف، أيضاً طلب
الصندوق وضع إستراتيجية لمعالجة إرث سوريا من الديون، وهي إشارة إلى أن حجم
الديون المستحقة بما فيها الديون لروسيا وإيران ربما أكبر من المعلن.
بصورة
عامة فإن بيان صندوق النقد الدولي يمهد لخطوات مهمة مقبلة، خصوصاً في إطار
الإعلان عن برنامج عمل يقوم على طيف واسع من الإجراءات والإصلاحات
المتنوعة المطلوب إنجازها في المرحلة المقبلة، سواء كانت مطلوبة من الحكومة
السورية أو في إطار التعاون مع الصندوق. اندبندنت عربية
|