الزراعة الخضراء 

زراعة أسطح المنازل والبلكونات لم تعد رفاهية ولا لإضفاء شكل جميل والزينة، ورفع المعنويات كما كان ينظر إليها في السابق بل أصبحت من ضرورات الحياة للمساهمة في رفع مستوى الأكسجين بالمدن وتوفير استهلاك المكيفات فى المنازل.

ومن المفيد في هذا الشأن أن زراعة الأسطح تخفض حرارة المبنى 7 درجات عن المبانى المماثلة التى لا تزرع أسطحها بحسب آخر الإحصائيات، وكل متر منها يزيل 100 جرام من ملوثات الهواء، وتقلل من تأثير أضرار محطات المحمول، لأن النبات يمتص الموجات الكهرومغناطيسية، وعدم انتشاره يعود إلى عدة عوامل خاصة فى الوحدات السكنية، وتعمل زراعة أسطح المبانى على الحد من تأثير درجات الحرارة المرتفعة على المبنى نتيجة عملية البخر من النباتات وأحواض الزراعة وكذلك منع أشعة الشمس المباشرة من الوصول لسطح المبنى.

وإذا كان يقاس تقدم الدول بنصيب الفرد من المساحة الخضراء، فى انجلترا الفرد له 24 متر، وفى روسيا 20 متر، الولايات المتحدة 18 متر، وفى مصر متر واحد، وهى نسبة منخفضة، فإننا نحتاج 7 شجرات لإزالة تأثير عادم السيارة الواحدة والتلوث الناتج عنها.

نموذج أخر قدمته قرية الشيخ عون” النموذجية بالبحيرة التي بدأت منذ أكثر من 7 سنوات في زراعة الأسطح، كبداية متواضعة وقليلة المساحة بتكلفة 1500 جنيه للمتر وكانت البداية بزراعة أنواع مثل الفول والخس والفلفل والبذنجان والكابوتشي والطماطم والفجل والجرير والفراولة، وحققت نتائج جيدة وصلت إلى زراعة الموقع الواحد بثلاث أنواع في الموسم الواحد.

وانتقل المشروع من مرحلة الهواه إلى الاحتراف والتوسع بمشاركة العديد من الأهالى في المبادرة واتخذها البعض كنوع من الاستثمار وتحقيق أرباح ، خاصة وأنهم ابتكروا شكل جديد من الزراعات وهو الزراعة داخل المواسير حيث يتم فتحها بمقدار الشتلة واستخدام أكواب قديمة مع دائرة مغلقة تروى الزرعة بأكملها ثم تعود إلى الخزان الموصل بالماسورة مرة أخرى وكل هذا في ساعات قليلة و3 مرات تقريبا في الموسم بأسمدة عضوية من فضلات الحمام مع خلطها بالتربة وأحيانًا بوضعها في الماء .

كما يتم استخدام فضلات المطابخ مثل قشور البصل أو البطاطس أو الطماطم وفرمها بعد تخميرها، ووضعها في كيس بلاستيك لمدة 3 أيام وخلطها بعد ذلك بكمية من الرمل لتسمد التربة، وهذا النوع من الزراعة أوفر من الأراضى الزراعي

نموذج آخر وهو خريج كلية التجارة أحد شباب الأقصر ، فقد خصص غرفة بمنزله لإجراء الأبحاث على الأشجار المختلفة من ريحان ونعناع وصبار جلد النمر وصبار وورد بلدى ودمعة الطفل والمكحلة والألوفيرا والتيكوماريا والإيفوربيا والقطيفة واللانتانا والمبرقشة وشجرة مانجا وغيرها من النباتات للزينة، ليس هذا فحسب بل أنه يستخدم أسمدة غير كيماوية عبر التسميد العضوى منزلياً، حيث يوفر النيتروجين للتربة .

ومن المبادرات الحكومية في مصر ما قامت به محافظة القاهرة بزراعة المبانى التابعة لها وتشجيع سكان العاصمة الأكثر ازدحاما وتلوثا على زراعة الأسطح ، بل أنها ألزمت رؤساء الاحياء بتنظيف 5 أسطح شهريا على الأقل وإدراج ذلك ضمن تقييم رؤساء الأحياء الشهرى.

وعملت العديد من الجمعيات الأهلية العاملة فى مجال تحسين البيئة، في تدريب المواطنين على طرق الزراعة بدون تربة وكيفية الحفاظ عليها والأنواع التى تزرع.

ويصل تكلفة تجهيز المتر الواحد تقريبا 400 جنيه بعد أن كان في السابق يتكلف حوالى 3 آلاف جني، لتكون تكلفة سطح أو موقع 100 متر حوالى 40 ألف جنيه ، والتكلفة الأساسية لا تحتاج أكثر من موتور مياه ولوحة إلكترونية للتحكم فى الرى ومنع التدخل البشرى ، وتكون إنتاجية المتر بين 20 و30 كيلو فى العام من أي أنواع الخضر أو الفاكهة مثل “كابوتشى” والخيار والطماطم، ويمكن 100 متر توفر حوالى 2000 ثمرة كوبتشى بما يدر دخلا قد يصل 4 آلاف شهريا، وزراعة سطح عقار ينتج كل 3 أشهر 300 كيلو فلفل ألوان؟

فدراسات الجدوى له تؤكد أنه قد يستمر أكثر من 10 سنوات وبهذا يمكن المساهمة خاصة في المدن المزدحمة مثل العاصمة أن يكون حلا لمشاكل نقص الغذاء أو ارتفاع أسعار الخضروات والفواكه في الأسواق.

من التجارب الجيدة أيضا ما قامت به كلية الزارعة بجامعة أسيوط( وسط الصعيد) باستغلال المساحات الفارغة بالمنازل والمنشآت الحكومية ، مع استخدام الأواني القديمة وفوارغ زيوت السيارات، وزراعتها بالنباتات المثمرة والخضروات بطريقة آمنة وطبيعية؛ وكذلك توفير أكثر من 70% من المياه المستخدمة فى الزراعة بالطريقة العادية.

الدكتور فاروق عبد القوى، أستاذ وقاية النبات والمكافحة الحيوية بكلية الزراعة، ومستشار رئيس جامعة أسيوط للشؤون الزراعية والبيئية يعتبر أن مثل هذه التجارب لها أثر بيئى واقتصادى واجتماعى، حيث تساهم فى الحفاظ على أسطح المنازل من المخلفات وتقلق نسبة الحرائق، كما يساهم النباتات فى تنقية الجو من التلوث وعوادم السيارات وتوفير احتياجات الأسر اليومية من الخضار أو الفاكهة ومساهمة المواطنين في خفض تكلفة بيع الخضروات وتحقيق الاكتفاء الذاتي وتحويل الأسر من مستهلكة إلى منتجة وخاصة أنها تكون بتكلفة أقل وباستخدام أسمدة عضوية لا تلوث البيئة وهو بالتالي يحقق أمن صحى ويحمي المواطنين من الأثار الصحية للمبيدات والأسمدة الكيمائية ، خلاف إلى أن هذا النوع من الزراعات يقلل استهلاك مياه الرى .

كذلك تبنت وزارة البيئة تنفيذ مشروع “مبادرة زراعة الأسطح”، لتحسين البيئة وتنقية الهواء من خلال تغيير مكان الزراعة التقليدي باستخدام تقنيات الزراعة بدون تربة بنظامى “المراقد الخشبية والهيدروبونيك”، لزراعة العديد من نباتات الزينة والنباتات الطبية والعطرية بأنواع والوان مختلفة، وتزويده بوحدة تصنيع السماد compost machine لإنتاج السماد العضوى من مخلفات النباتات لما له من فوائد فى زيادة خصوبة التربة وإمدادها بالعناصر اللازمة لنمو النبات ومن ثم الحصول على ناتج زراعى مفيد وغنى بالعناصر الغذائية اللازمة.

الزراعة المنزلية إحدى الممارسات التي تعود على الفرد والمجتمع بالعديد من الفوائد، من حيث إضفاء لمسة جمالية للمنزل، الحصول علي منتج آمن وصحي، وتوفير دخل لمعيشة الأسرة، والتقليل من عملية الاحتباس الحراري، كل مجهود يقوم به الإنسان في متابعة النباتات ورعايتها تحسن من الحالة المزاجية وتخفيف أعراض الاكتئاب والقلق والتوتر ويعد هذا نواعا من ممارسة للتمارين الرياضية، وتساهم أيضاً في تطوير عادة تناول الخضار باستمرار لدى الأطفال والاستمتاع بها، وشغل أوقات الفراغ لأفراد الأسرة، وتوفير وقت الذهاب إلي السوق.

الزراعة المنزلية أشكالها عديدة ، منها زراعة الشرفات (البلكونات) باستخدام أصص أو أوعية زراعة بلاستيكية أو زجاجات بلاستيكية أو علب فارغة، وزراعة الأسطح باستخدام الأوعية الخشبية أو مواسير الزراعة (نظام الهيدربونيك) أو جرادل بلاستيكية أو زجاجات بلاستيكية أوكوتشات السيارات، كما أنه يمكن زراعة حديقة المنزل ( فيما يسمي بحديقة المطبخ) وتكون الزراعة باستخدام أصص أو أوعية خشبية أو أحواض أسمنتية أومواسير الزراعة (نظام الهيدربونيك)، كما يمكن القيام بعملية تدوير للمخلفات لاستخدامها كأوعية في الزراعة .

أنواع التربة المستخدمة للزراعة المنزلية هي: تربة طينية، تربة رملية يتم القيام بنخلها وغسلها لإزالة الأملاح الضارة علي النباتات، وتربة صناعية (وهي التي يتم الحصول عليها من محل مستلزمات زراعية) مثل الفيرميكيوليت – البيرليت – البيتموس ، ويعتبر خلط ما بين أنواع التربة الثلاثة السابقة هي أنسب تربة يمكن أستخدامها في الزراعة المنزلية.

ويمكن استخدام أسمدة عضوية يمكن صناعتها في المنزل وهي: مخلفات الدواجن ( يتم بخلطها بالتربة أو عمل منقوع في الماء ورش النباتات به)- مخلفات الخضروات والفاكهه وقشورهم (يتم تجفبفها في الشمس وتطحن وتخلط بمياه الري) – قشورالبيض المجففة والمطحونة (يتم توزيعها على سطح التربة (تفل الشاي و القهوة )يوضع في التربة قبل الري) – خلط الخميرة بقليل من العسل الأسود (يتم رش النباتات بها لتنشيط النمو).

جامعة سوهاج، نموذج لزراعة الأسطح النموذج له عائد اقتصادي كبير، ويمكن الزراعة فيه على مدار العام وتساعد في زيادة العرض للسلع الغذائية، ومن ثم الحد من ظاهرة غلاء أسعار الخضروات، موضحاً أن الوحدة لها عدة مميزات منها المحافظة على بيئة خضراء نظيفة، ترشيد استخدام المياه، تجميل البيئة، تغطية الأسطح وتقليل الحرارة، مرونة تصميم الوحدة حسب السعر والشكل والطلب، كما تستخدم في البيئات الصحراوية الغير صالحة للزراعة، مشيراً إلى أن نظام الري للنموذج يعمل بالطاقة الكهربائية وجاري تصميمه عن طريق كلية تكنولوجيا التعليم بالجامعة ليعمل بالطاقة الشمسية.

طباعة هذا المقال أرسل إلى صديق