سيرياستيبس : توقّفت «الإدارة الذاتية» الكردية، عن استلام القمح من المزارعين، في وقت
مبكر من موسم هذا العام، بعد امتلاء كامل مراكز التخزين لديها، وذلك منذ
مطلع الشهر الجاري، في وقت لم تصل الأرقام في المراكز الحكومية حتى إلى
عتبة المليون طن، ما يعني توجّهاً حتمياً نحو استيراد الحكومة بالقطع
الأجنبي.
ولا
يختلف اثنان في سوريا، على أن خيرات البلاد الزراعية، في غالبيتها، تقع في
الشطرين الشمالي والشرقي من البلاد، حيث تسيطر الآن (قسد) الارهابية ، والتي حرمت الحكومة السورية للعام الثالث على
التوالي، من الاستفادة من إنتاج البلاد من محصول القمح الذي يبدو وافراً
نسبياً هذا العام. وحصرت «قسد» استلام القمح في مراكز تابعة لها، مع رفع
السعر بفارق يُراوح بين 2500 إلى 3000 ليرة سورية، عن السعر الحكومي، لقطع
الطريق على المراكز الحكومية. ومع تكرار هذا التصرّف سنوياً، لم تعد
«الإدارة الذاتية» متّهمة بحرمان السكّان من المحروقات وتهريبها إلى الخارج
فقط، بل ينسحب ذلك أيضاً على محصول القمح، حيث استلمت خلال هذا الموسم،
كميات مضاعفة عن حاجة المناطق التي تديرها، من دون معرفة كيفية تصريف هذه
الكميات لاحقاً. وعلى رغم تبرير مسؤولي الإدارة ذلك بالسعي لتأمين حاجة
المنطقة من القمح لعدّة أعوام قادمة، إلا أن هذا لا يعدّ مبرراً لمنع من
يرغب من المزارعين بتسليم إنتاجه إلى المراكز الحكومية.
واستفادت
«الذاتية» هذا العام، من الهبوط غير المسبوق لليرة السورية أمام الدولار،
فقامت بتسعير الكيلوغرام الواحد بـ 43 سنتاً، أي ما يعادل ستة آلاف ليرة
سورية تقريباً، وهو ما دفع غالبية المزارعين للتوجه إلى مراكز «قسد»، لبيع
إنتاجهم، طلباً لربح مادي أكبر. واستلمت «الذاتية»، وفق تصريحات نائب رئيس
«هيئة الزراعة والريّ في الإدارة الذاتية»، أحمد يونس، «كمية مليون و200
ألف طن، منها 850 ألف طن من القمح الدوكمة (غير معبّأ بأكياس)، بينها 600
ألف من الحسكة وحدها، و350 ألف طن معبّأة بأكياس». وقال يونس إنه «تمّ
تخزين الكميات بجودة وصلاحية جيدة لغاية عامين». وكشف أن «تجّار المنطقة
قاموا بتخزين كميّات تُراوح بين 150 ألفاً و200 ألف طن، بالإضافة إلى ما
يعادل الكمية نفسها لدى المزارعين، لاستخدامها لاحقاً كبذار للموسم الزراعي
القادم». وبذلك، يكون إجمالي الكمية التي أنتجتها المناطق الخاضعة لسيطرة
الإدارة في شمال وشمال شرق سوريا، نحو مليون و600 ألف طن، وهي كمية خسرتها
الحكومة السورية مجدداً هذا العام، بسبب خروج هذه المناطق عن سيطرتها. خابت التقديرات الحكومية بالحصول على إنتاج وافر، يسدّ باب استيراد القمح هذا العام أما
على المقلب الآخر، فخابت التقديرات الحكومية بالحصول على إنتاج وافر، يسدّ
باب استيراد القمح، على رغم الهطولات المطرية الجيدة نسبياً، قياساً
بالموسمين الأخيرين. لكن حسابات الحقل لم توافق حسابات البيدر، ما سيدفع
البلاد للتوجه إلى الاستيراد مجدّداً، لتأمين حاجاتها من القمح. وتجاوزت
كميات القمح الذي استلمته الحكومة السورية هذا العام، ثلاثة أرباع المليون
طن، بزيادة ربع مليون عن العام الفائت، وأكثر من 400 ألف طن عن موسم عام
2021. ولم تشجّع الإجراءات الحكومية، والتسعيرة غير المتوقّعة للكيلوغرام
الواحد البالغة 2800 ليرة سورية، ثم تعديلها مطلع الشهر الجاري إلى 3000،
المزارعين على تسليم كامل إنتاجهم إلى المراكز الحكومية، وخاصّة أنّ ذلك
تزامن مع انخفاض حادّ في قيمة الليرة، بحيث كان الدولار بداية الموسم يعادل
نحو 7000 ليرة ووصل حالياً إلى نحو 14 ألفاً. وبالتالي، فإن الفروقات في
الأسعار باتت كبيرة بين السعر الحكومي الذي يعادل حالياً نحو 22 سنتاً،
وسعر "الإدارة الذاتية" الذي يُراوح بين 38 و43 سنتاً، بحسب جودة القمح،
فيما تفاوتت التسعيرة في مناطق سيطرة الفصائل المسلحة في الشمال، بين 28
و33 سنتاً.
ويرى
خبير زراعي في محافظة الحسكة، تحفّظ عن ذكر اسمه، أن «غياب الدعم الحكومي
في توفير البذار والسماد، والتسعيرة الحكومية الصادمة، دفعت المزارعين إلى
العزوف عن المراكز الحكومية»، مشيراً إلى أنه «في تجربة الموسمين الفائتين
اللذين مُنعت فيهما مليشيا قسد الفلاحين من تسليم قمحهم، تحمّل الفلاحون
الفروقات البسيطة، وسلكوا طرقات وعرة، للوصول إلى المراكز الحكومية، وهو ما
لم يحصل هذا العام»، كاشفاً أن «البيع إلى المراكز الحكومية الثلاثة في
الحسكة، لم يتجاوز 10 آلاف طن، وهي كميات القرى التي تديرها الحكومة
السورية في ريفَي القامشلي الجنوبي والشرقي». بدوره، يؤكد رئيس «مكتب
الشؤون الزراعية في اتحاد الفلاحين العام في سوريا»، محمد خليف، لـ
«الأخبار»، أن «الكميات المسوّقة إلى مراكز الاستلام الحكومية، وصلت إلى
770 ألف طن، مع استمرار ورود كميات إضافية إلى مراكز الاستلام حتى الآن»،
معتبراً أن «كميات الاستلام بقيت دون المستوى المأمول؛ بسبب عدم انتظام
موسم الأمطار، وعدم وجود ريّ حكومي كافٍ، وخروج مساحات خصبة من الإنتاج في
الحسكة والمناطق الشمالية والشرقية عن سيطرة الحكومة، في ظلّ منع مجموعات
قسد الفلاحين في تلك المناطق من إيصال محاصيلهم إلى المراكز الحكومية".
وكشف أن «الكميات المسوّقة حتى الآن لا تكفي حاجة البلاد من القمح، ما يعني
التوجّه إلى الاستيراد، لسدّ النقص». من
جهته، كشف وزير الزراعة، محمد حسان قطنا، في تصريحات إعلامية، أن «حاجة
البلاد من استيراد القمح انخفضت إلى النصف عما استورده في عام 2022، وذلك
بسبب زيادة في إنتاج المحصول للعام الحالي»، مؤكداً أنه «عندما تعود
الأراضي السورية كاملة إلى سيادة الدولة، ويعمّها الاستقرار، سنستطيع أن
نعود إلى تطوير إنتاجنا وتحقيق اكتفائنا الذاتي في عموم البلاد التي كانت
تنتج بشكل وسطي 4.5 ملايين طن سنوياً». من جهته، أعلن، مدير عام "المؤسسة
السورية للحبوب"، عن "استيراد مليون و400 ألف من قمح الخبز الطري، بهدف
تعزيز المخزون الاستراتيجي لفترات مناسبة، والحفاظ على الأمن الغذائي».
الاخبار - ايهم مرعي
|