سيرياستيبس
بعد أن كان على رأس المحاصيل الزراعية الصناعية في سورية، ويقوم على
زراعته وإنتاجه وتصنيعه مئات بل آلاف العاملين الزراعيين والصناعيين،
تراجعت بشكل ملحوظ زراعة القطن في الأعوام الأخيرة في كلّ المناطق السورية
وخاصة في منطقة الغاب، مما كان له تداعيات سلبية على الصناعات وعلى رأسها
الزيوت والملابس ما ينذر بانهيار شبه تام لجهة الاستمرار بزراعته.
الأسباب كثيرة..
فبعد أن كانت منطقة الغاب وحدها تنتج أكثر من 22 ألف طن سنوياً، لم تتجاوز
المساحة المزروعة 252 هكتاراً بتقديرات إنتاج فعلية 2500 كغ للهكتار، أي
630 طن إنتاج إجمالي، وفق ما بيَّن مدير الثروة النباتية في الهيئة العامة
لإدارة وتطوير الغاب المهندس وفيق زروف، موضحاً أن خطة الهيئة كانت 474
هكتاراً، وأن أسباب تراجع المساحة المزروعة تكمن في عدم توفر المياه بالشكل
الكافي للري، وارتفاع تكاليف كافة مستلزمات الإنتاج من محروقات وأسمدة
وأيدٍ عاملة، لذلك يجب إزالة الأسباب الرئيسية لهذا التراجع، مع وضع سعر
مناسب ومشجِّع لتعود زراعة القطن كما كانت عليه.
غير مخطط
أما زراعته ضمن الأراضي والمناطق التابعة لمديرية زراعة حماة، فقد أكد
المهندس أشرف باكير مدير الزراعة عدم وجود خطة لزراعة القطن هذا العام بسبب
عدم السماح بزراعته إلا على شبكات الري الحكومية والأنهار والبحيرات،
موضحاً أن قرار منع زراعة القطن ضمن مجال عمل مديرية الزراعة للحفاظ على
المياه الجوفية وتجنباً للتبذير، ولاسيما أن القطن يحتاج لكميات كبيرة من
المياه.
10% فقط!
وأكد عدد كبير من الفلاحين أن زراعة القطن لطالما كانت ناجحة، لكن التكاليف
الكبيرة المتعلقة بمستلزمات الإنتاج من بذار وأسمدة ومحروقات، أدّت لعزوف
ما لا يقلّ عن 80% عن زراعته والاتجاه نحو زراعات أقل تكلفة كزراعة
البقوليات والزراعات العلفية، ولاسيما أن الدونم الواحد من القطن يحتاج
لنصف كيس من سماد اليوريا الذي تجاوز سعره 800 ألف ليرة في السوق السوداء
وعدم توفره في السوق المحلية، إضافة لشراهته للمياه حيث يحتاج بين 7 إلى 10
ريات خلال دورته الزراعية أي 50 ليتر مازوت، كلّ ذلك في ظل عدم تقديم أي
شيء للفلاحين هذا الموسم ما اضطرهم لشراء تلك المستلزمات من السوق السوداء
بأسعار خيالية.
وبعد أن كان القطن من المحاصيل المفضّلة لمزارعي سهل الغاب، حيث كان يقوم
على زراعته أكثر من 90%، يبدو جلياً انهيار القطن فلم يبقَ من مزارعيه سوى
10% منهم أو مادون ذلك إن نظرنا بنظرة تفاؤلية.
تسعيرة مخيّبة
وسط معاناة الفلاحين ومطالبتهم الجهات المعنية مراراً بدعم مستلزمات
الإنتاج ووضع تسعيرة مجدية للقطن، حدّدت الحكومة منذ أيام سعر شراء كيلو
القطن بعشرة آلاف ليرة واصلاً إلى أرض المحالج ومراكز استلام المؤسّسة
العامة لحلج وتسويق الأقطان، معتبرةً أن هذا السعر يحقّق الاستقرار لهذه
الزراعة ويشجّع الفلاحين على الزراعة، لكن هذه التسعيرة أثارت استياء ما
تبقى من مزارعي القطن الذين كانوا يأملون بتسعيرة مختلفة تتجاوز ذلك،
تعويضاً من الحكومة عن تخليها عنهم وعن دعمهم بمستلزمات الزراعة المكلفة.
مقبولة.. ولكن!
بالمقابل اعتبر رئيس اتحاد فلاحي حماة حافظ سالم، أن التسعيرة مقبولة إن
تمّ توفير مستلزمات الإنتاج للفلاح من أسمدة ومحروقات بالسعر المدعوم، أما
مع عدم تأمين تلك المستلزمات فالفلاح خاسر لا محالة، مشيراً إلى تراجع
الزراعة بشكل ملحوظ للأسباب المذكورة سابقاً، إضافة لارتفاع أجور اليد
العاملة وقلتها أيضاً وقلة المياه.
وأكد سالم أنه سيتمّ استلام القطن اعتباراً من بداية شهر تشرين الأول
الجاري بعد أن قرّرت اللجنة الزراعية في المحافظة تسليم المحصول عبر محلج
محردة فقط، لقلة الكميات التي تعتبر لا بأس بها إن وصلت إلى 600 طن هذا
الموسم حسب قوله، ولقرب المحلج من منطقة الغاب تجنباً لمعاناة الفلاحين.
تراجع الصناعات
وفي ظلّ هذه الوقائع، تتضح تداعيات انهيار هذه الزراعة على الواقع الصناعي،
لجهة تراجع الصناعات النسيجية والألبسة بسبب عدم توفر المواد الأولية،
إضافةً لانخفاض إنتاج الزيوت في الأعوام الأخيرة بنسبة 50% على الأقل، إذ
أكدت منال ديب معاون مدير شركة زيوت حماة، أن تراجع زراعة القطن خلال فترة
الحرب وقلة المساحات المزروعة أدى لتراجع إنتاج زيت القطن، فقد كانت خطة
الشركة قبيل الأزمة تتجاوز 42 ألف طن بينما تراجعت في السنوات الأخيرة لـ32
ألف طن حتى وصلت إلى20 ألف طن هذا العام.
زيادة ودعم
يذكر جيل ما قبل الحرب أن سورية كانت تنتج نحو مليون طن من القطن سنوياً،
500 ألف طن تنتجه منطقة الجزيرة السورية والنصف الباقي تنتجه حماة عموماً
وسهل الغاب خصوصاً، إضافةً لحمص وحلب وقسم من محافظة إدلب، ومع خسارة
المناطق الشمالية الشرقية لا بدّ من زيادة المساحات المزروعة، وفق ما
اقترحه المهندس الزراعي محمد جغيلي، الذي أشار إلى ضرورة زيادة المساحة
المزروعة في المناطق الآمنة لتصل إلى نحو 800 ألف طن، فهذه الكمية كفيلة
بتشغيل معامل الزيوت لإنتاج زيت القطن والكسبة العلفية وأيضاً لتشغيل معامل
الغزل والنسيج في سورية، معتبراً أن هذا الأمر يتحقق بتوفير مستلزمات
الإنتاج ومواد التعبئة والتغليف مع وضع تسعيرة تناسب الفلاح وتوفر هامش ربح
لا يقلّ عن 20%.
وبعد الوعود الكثيرة التي يتلقاها المزارع قبيل البدء بالزراعة، والخذلان
الذي يحصده في موسمه، يبقى السؤال: ما الذي يعيد ثقة الفلاح بوعود الحكومة
المتكررة؟!.
ذكاء أسعد