سيرياستيبس :
تعاني الزراعة في سورية من مشكلات عدة، وعلى رأسها صعوبة تأمين الأسمدة
للفلاحين، إذ وصل سعر طن سماد اليوريا إلى 14 مليون ليرة، ويحتاج الدونم
الواحد كحدّ أدنى إلى 25 كيلو غراماً، ولكم أن تتخيّلوا الكلف المادية من
جراء ذلك، عدا المستلزمات الأخرى للإنتاج كأجور الحراثة وأسعار البذار
وتكلفة الري والرعاية والمكافحة.. وغيرها.
ونتيجة للحصار الجائر وندرة القطع الأجنبي، يمكن لسماد الفيرمي كومبوست أن
يكون أحد البدائل ضمن مشروع إحلال المستوردات بالنسبة للسماد المستورد، وقد
يغطي احتياجات المزارعين، وخاصة بعد اقتناع الجهات الرسمية مؤخراً بأهميته
لسدّ جزء مهمّ من الاحتياجات المتزايدة من المخصبات العضوية، في ظل الحاجة
الماسة لتأمين الغذاء للمواطن، بسبب موجة الغلاء العالمي للغذاء.
أفخر الأنواع
ويعتبر الفيرمي كومبوست من أفخر أنواع السماد العضوي في العالم المعروف حتى
الآن، ويتكوّن من الفضلات التي نتجت عن تناول الدود للمواد العضوية
وتُسمّى Worm Casting وتعدّ عملية إنتاج الفيرمي كومبوست مجدية اقتصادياً
ومقبولة اجتماعياً، وصديقة للبيئة، تستخدم ديدان الأرض لتحويل أي نوع من
النفايات العضوية إلى سماد عضوي عالي القيمة.
زيادة في الإنتاجية
يؤكد المزارع أبو عمر محمد الربداوي أستاذ مادة التاريخ من درعا الذي هجر
قطاع التدريس إلى الزراعة لمتابعة أراضي والده على أهمية استخدام الفيرمي
والمستخلصات الإضافية منه، وينصح بالاستفادة من هذه المادة العضوية
ومستخلصاتها، مشيراً إلى أن الدونم الواحد في أرضه من الذرة الصفراء بعروة
نهاية العام أعطى 1500 كيلو، والفاصولياء المحمّلة على الذرة 100 كيلو
للدونم، والفول من النوع التركي 350 كيلو يابس للدونم، ومن الخس 3000 كيلو
للدونم، ومن البصل 4000 كيلو للدونم، ومن الحمص 330 كيلو حب للدونم، و3200
كيلو أخضر، ومن الكزبرة 202 كيلو جاف يابس للدونم.
بدوره المربي حسان خليفة صاحب أول مزرعة فيرمي كومبوست، الذي قدّم أنموذجاً
من التعاون في مساعدة الناس لتربية الدود وتصنيع سماد الفيرمي على ساحة
الوطن، أوضح واقع تجربته حول أهمية الاستفادة من الفيرمي في المنتجات
الزراعية، وبالأخص القمح والذرة والزيتون والفاصولياء، وقد أعطت نتائج
مبشّرة، سواء من حيث الكمية أو المذاق.
ورأى خليفة أن خطوة وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي بمراعاتها لظروف
الفلاحين في موضوع تربية الدود، تقدّم تسهيلات مهمة، لافتاً إلى حرصه على
تقديم العون والمساعدة لجميع المربين، أينما كانوا داخل الوطن، لتأمين
احتياجات أراضيهم من تلك الأسمدة، وبأسعار لا يمكن مقارنتها بالارتفاع
الكبير للأسمدة الكيميائية.
التوجه للمادة العضوية
مدير الأراضي والمياه في وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي الدكتور جلال محمد
غزالة في حديثه لـ”البعث” أشار إلى أهمية وضرورة التوجّه للمادة العضوية،
التي تشكل رديفاً للسماد المعدني، بغية الحدّ من فاتورة الاستيراد العالية
جداً، والتأثيرات السلبية للأسمدة الكيميائية على التربة، وتخفيف التكلفة
على المزارع، ولمساعدة المربين وتشجيعهم لإنتاج هذا النوع من الأسمدة،
مضيفاً: من هذا المنطلق كان التوجّه نحو إصدار قوانين ناظمة لترخيص مزارع
تربية دود الفيرمي، بالتعاون مع كافة الجهات المعنية، لتشجيع المربين في
مجال استخدام ونشر سماد الفيرمي كومبوست، كرخصة فنية لتصنيعه وسماد عضوي،
وفق الشروط المحدّدة في القرار رقم 115/ت لعام 2021 بخصائص فيزيائية
وكيميائية للمنتج المحلي، للاستفادة من المخلفات النباتية والحيوانية
باستخدام ديدان السماد (Eisnea) وتحويلها إلى مادة عضوية طبيعية تستخدم في
تسميد المزروعات.
وبهدف تسهيل عمل المربين قال غزالة: تمّ إصدار دليل علمي لتربية الديدان
وأصنافها، حيث تمّ تعميم الدليل على مديريات الزراعة والوحدات الإرشادية،
والطلب من مديرية الإرشاد لتعميمه، كمادة علمية تثقيفية للمزارعين
والمربين، لتكون ضمن المواصفات المطابقة لما حدّدناه في منح الرخص.
نشر التقانات الحيوية
من جهته المدير العام للهيئة العامة للتقانة الحيوية الدكتور نزار عيسى أكد
أن الهيئة تلعب دوراً مهماً في نشر التقانات الحيوية الحديثة، وتمتلك
مخابر وأجهزة، وكادراً علمياً وفنياً مؤهلاً للتحاليل، وتقديم الخبرة
والمشورة، ونشر الأبحاث العلمية في مجال التقانات الحيوية.
ولنجاح التسويق الجيد لسماد الفيرمي كومبوست، تمنى الدكتور عيسى العمل على
إقامة اتفاقيات تعاون بين الجهات البحثية ووزارة الزراعة والإصلاح الزراعي،
مع الشركات المختصة، ومربي الفيرمي كومبوست، إضافة للعمل على تحليل المنتج
من قبل المربين والروابط الفلاحية من أجل النوعية الجيدة، المطابقة
للمواصفات القياسية في مخابر وزارة الزراعة ومخابر الهيئة العامة للتقانة
الحيوية.
وأبدى مدير الهيئة جاهزيتها لتنفيذ الدراسات والأبحاث التطبيقية التي تساعد
وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي والمربين والشركات العاملة في الجهات
البحثية، بالتعاون مع الهيئة، بهدف تحسين المنتج وزيادة إنتاجيته وتوعية
الفلاحين لأهمية سماد الفيرمي كومبوست في الزراعة.
توصيات مهمّة
وبيّن رئيس قسم التقانات الطبية في الهيئة العامة للتقانة الحيوية الدكتور
حسان مهدي أهمية الورشة التي أقامتها مؤخراً الهيئة حول سماد الفيرمي
كومبوست، وجاءت بعد تزايد الوعي في الآونة الأخيرة لأهميته، وخاصة السماد
الدودي، سماد الفيرمي كومبوست، لما لهذا السماد من أهمية في زيادة الغلة
الزراعية، وتقليل استخدام السماد الكيماوي، كما أنه يشكل رديفاً مهماً
للسماد الكيماوي يغني الأرض الزراعية بالعناصر المعدنية الغذائية الكبرى،
وأشار إلى التوصيات المهمّة التي خرجت بها الورشة بشأن نشر ثقافة الفيرمي
كومبوست بين المربين، وتشجيع المربين على تربية دود الفيرمي، الذي ينتج هذا
السماد لزيادة إنتاجية الأراضي الزراعية، وتقليل استيراد السماد الكيماوي،
وضرورة دعم المربين والفلاحين من قبل وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي
لتوسيع تربية ونشر ثقافة الفيرمي كومبوست.
زيادة الوعي
وتحدث الباحث في الهيئة العامة للبحوث العلمية الدكتور حسان شباط في
مركز البحوث بحمص، عن أهمية البحوث في زيادة الوعي عند الفلاحين لسماد
الفيرمي، من خلال ما تقوم به هذه المراكز العلمية من أبحاث وتجارب على
المحاصيل والخضار، وتقديم خلاصتها للمزارعين والجهات البحثية المختلفة،
والخطوة الأولى تكون بنقل المعلومة الصحيحة وطريقة التربية الصحيحة،
والأفكار العلمية الدقيقة المتعلقة بالتربية.
نتائج أولية للبحوث
مدير مركز البحوث العلمية الزراعية في حمص الدكتور فادي عباس أشار إلى ما
يقوم به المركز من أبحاث عديدة على محاصيل الفول والذرة والشوندر، وبعض
الخضار، من خلال استخدام الفيرمي ضمن مواصفات ومعايير محدّدة، تجاه كل
محصول على حدة. وأوضحت الباحثة المهندسة سلوى السعدية في مركز حمص للبحوث
العلمية الزراعية أهمية الاستفادة من سماد الفيرمي، من خلال العمل الذي
تقوم به، في نطاق تحضيرها لأطروحة الدكتوراه المتعلقة بهذا الجانب، والتي
ستكون أول أطروحة علمية لنيل شهادة الدكتوراه بين الجامعات السورية، مضيفة،
أنها مع فريق العمل تقوم بالشرح وتعليم الناس، من خلال الدورات في الوحدات
الإرشادية والندوات وورشات العمل، للتعريف بأهمية سماد الفيرمي كومبوست.
المنافع من استخدام الفيرمي
وشرح الدكتور سائر برهوم الأبعاد المختلفة للمنافع المتحصّلة من استخدام
سماد الفيرمي كومبوست، والمثبتة في عدد كبير من الأدلة والبراهين العلمية،
وصنّفها في ثلاثة، اجتماعياً وبيئياً واقتصادياً، ففي البعد الاجتماعي
تتمحور فائدته المتعلقة بصحة الإنسان وزيادة المنتجات الغذائية الآمنة،
وذات المحتوى الغذائي العالي، بالمقارنة مع استخدام الأسمدة الكيميائية،
التي ستنتقل إلى بعض الأجزاء التي يستهلكها الإنسان، وتالياً يبقى هناك أثر
متبقٍ، بعكس الحالة التي نستخدم فيها الفيرمي كونه سماداً عضوياً فتكون
تلك الأجزاء آمنة، وأغنى في المحتوى بالعناصر الغذائية، وتؤكد العديد من
الأبحاث الأوروبية ذلك وبالمقارنات الواضحة.
أما ما يتعلق بالجانب البيئي فقد أشار برهوم إلى معاناتنا في الأساس من
المشكلات الناتجة عن سوء استخدام مواردنا الطبيعية، والتي تؤدي لاستنزافها
وتدهورها، وربما ننجح في تأمين حاجاتنا من الغذاء، لكن الأجيال القادمة
ستتأذى إذا تمّ استمرار التدهور على الشكل الحالي، ومن هنا يبرز مفهوم
الاستدامة في تأمين متطلبات السلع والمنتجات الغذائية، كي لا تتضرّر
الحاجات المستقبلية للأجيال القادمة، فعند استخدام الكثير من الأسمدة
الكيميائية يؤدي لزيادة التلوث وانتشار الحشرات، وغيرها من البكتيريا أو
الأحياء الدقيقة التي قد تؤذي الإنسان أو الحيوان، في حين أن استخدام
الأسمدة العضوية تكمن فيها الحلول، للمحافظة على التربة وخواصها وقوامها
وخصوبتها، وسنكون بعيدين كلّ البعد عن انتشار الأوبئة والحشرات والأمراض،
والتخلص من التلوث الناجم عن حرق المخلفات العضوية، وبذلك نحافظ على التربة
والهواء والتقليل من التلوث.
وعلى صعيد البعد الاقتصادي، كثير من القرارات تُبنى على هذا البعد، وخاصة
المتعلقة بتبني أي فرصة استثمارية، سواء كانت بالقطاع الزراعي أو غيره من
القطاعات، وحتى استخدام المنتجات التي تنتج من مختلف الآليات أو العمليات
أو الفرص الاستثمارية.
هامش:
بيّن تقرير لوزارة الزراعة والإصلاح الزراعي أن احتياجات سورية لعام
2023-2024 من اليوريا هي بحدود الـ300 ألف طن للمحاصيل الاستراتيجية، و150
ألفاً للأشجار المثمرة، ومن سماد السوبر فوسفات الثلاثي للمحاصيل
الاستراتيجية نحتاج لـ301 ألف طن، وللأشجار المثمرة 50 ألف طن، ومن سماد
سلفات البوتاس نحتاج لـ25 ألف طن للمحاصيل الاستراتيجية، و10 آلاف طن
للأشجار المثمرة.
أيمن فلحوط