سيرياستيبس
محمد فرحة :
نتيجة للسنوات العشر الماضية من السياسات الزراعية ذات التوجهات الخاطئة،
وظروف الأزمة التي لم تجد المرونة الكافية للتعاطي معها، وصلت زراعتنا إلى
التخبط وتراجع المردود الإنتاجي والاقتصادي، وهذا لم يعد خافياً على أحد،
ولو كان الوضع يتعلق بمحصول واحد كالقمح مثلاً، لقلنا يحدث هذا في كل دول
العالم، من جراء موجات من الحر والجفاف والمتغيرات المناخية، لكن هذا تعدّى
المحصول الواحد، فالقطن أيضاً والشوندر والشعير.
وكيلا يتهمنا أحد بأننا نتحدث إنشائياً، فإنه في عام ٢٠١١ بلغ إنتاجنا من
القطن ٧٧٠ ألف طن، وفي عام ٢٠١٤ وصلت خطة زراعة المحصول نفسه، أي القطن إلى
٧٢ ألف هكتار وأعطت إنتاجاً قدره / ١٦٢ / ألف طن وفقاً لتصريح مدير بحوث
القطن في تلك الفترة .
هذا ما يتعلق بمحصول القطن ، أما الشوندر الذي تم استبعاده مؤخراً من دائرة وخطط وزارة الزراعة، فقد
بلغ إنتاجنا من السكر عام ٢٠١١ / ١٤٠ / ألف طن سكر من إنتاج شوندر، قدره
مليون و٧٨٥ ألف طن بلغت قيمتها / ٧ / مليارات ليرة سورية.
أعتقد هذه الأرقام كافية لتشي بحجم التراجع الإنتاجي الزراعي، وكذلك بعض الصناعات الغذائية الزراعية.
وفي الشق المائي ذكر تقرير أعدته وزارة الري في عام ١٩٩٧ أننا نجحنا في
السيطرة على حوالي ٩٠% من مصادرنا المائية المحلية، في إشارة إلى تقدم
مشاريع الري والسدود والتخزين وحصد أكبر قدر ممكن من الواردات المائية.
وأوضح التقرير في حينها أن عدد السدود التي تم وضعها في الخدمة وصل إلى
/١٥٢ / سداً من مختلف الأحجام والسعات بطاقة إجمالية تبلغ/ ١٨.٥ / مليار م٣
، ونتيجة لذلك ارتفعت المساحات المروية إلى مليون و٢٥٠ ألف هكتار .
قد تكون الظروف في تلك الفترة مواتية أكثر، وهذا صحيح، لكن أن يتراجع
إنتاجنا إلى حجم لم يعد كافياً للاستهلاك المحلي، و” القمح “مثال، فهذا
يعني أكثر من إشارة استفهام وتعجب حيال كل ذلك.
فالمتغيرات المناخية لم تتأتَّ علينا وحدنا، بل على جزء كبير من دول العالم وعلى جيراننا من الدول العربية أيضاً.
فها هو العراق قد بلغ إنتاجه من القمح خلال العامين الماضيين / ٧ / ملايين
طن واكتفى ذاتياً وصدّر الفائض. أليست نفس المتغيرات المناخية التي ضربت
زراعتنا ضربت زراعة العراق والإمارات وغيرهما؟
مدير زراعة حماة المهندس أشرف باكير، أوضح لـ “تشرين”، أن الخطط الزراعية
افتقرت خلال السنوات الخمس الماضية إلى الاستراتيجيات، وخاصة إلى التوجه
التكاملي اللازم لتعزيز التطور وتخفيف وطأة الفقر والشح، ولاسيما في
المناطق الريفية الأشد فقراً، حيث البنى المؤسساتية والتنظيمية هزيلة
والخدمات الإرشادية لا كما يجب ونتصور.
وتطرق باكير إلى أن مثل هذه الخطوات نتج عنها تهميش صغار المزارعين ووقوعهم
في الديون، في حين أن المساعدات الخارجية من المنظمات والمؤسسات
التمويلية، استفاد منها كبار المزارعين وكبار الملاكيين للأسف الشديد.
وساق مدير زراعة حماة مثالاً آخر أكثر وضوحاً اليوم مؤداه: لماذا حتى الآن
لم يستلم العديد من المزارعين قيمة أقماحهم المسوقة للسورية للحبوب، وهم
الذين سيترتب عليهم دفع الغرامات عن كل تأخير بدءأ من مطلع هذا الشهر؟
أليس هذا شكلاً من أشكال التقصير، وعدم التحفيز وتشجيع المزارعين؟، فإذا
زرع وكثّف المزارعون في زراعة كل المساحات، فقد يعدون للمليون العام القادم
وهذا مؤسف ومحزن في آن معاً.
وأضاف باكير: من هنا تبرز الحاجة إلى منهج أكثر استدامة وجدية لاستغلال
الأراضي التي وصلت إلى درجة محدودية الإنتاج مترافقة مع شح مائي.
فمنذ عشرات السنين كان إنتاج سورية الزراعي الفائض هو ما يربك المعنيين ، واليوم قلّته، وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على غياب الاستراتيجيات الزراعية، ونحن الذين كنا المسطرة والقدوة للدول المجاورة من حيث التجارب.
فما حدث خلال السنوات الماضية يتطلب وقفة متأنية ومراجعة دقيقة لضرورة
تأمين كل ما يلزم القطاع الزراعي من مستلزمات مهما كان ثمنها، لأنه في
النتيجة توفير لأمننا الغذائي وقوة اقتصادنا، ويشكل العاملون في الزراعة ٣٥
% من نسبة السكان، وفي أسوأ الأحوال ٢٥% .
بالمختصر المفيد : ينبغي البدء بتقديم الدعم والإعانات وإصلاح الأراضي
وتحسين واقع السدود وحصاد أكبر قدر من مياه الأمطار التي تضيع هدراً، وجعل
تمكين المزارعين والعاملين في الزراعة محور استراتيجيات النمو الاجتماعي
والاقتصادي الأوسع، ولا مهرب من كل ذلك، ولاسيما أن الخطط الزراعية تجري
الآن دراستها ووضعها من قبل وزارة الزراعة ومديرياتها في المحافظات ، آملين
ألا تتكرر انتكاساتنا الزراعية، وألا نبقى نتهم ونتذرع بالمتغيرات
المناخية، ويمكن أن تكون للإصلاحات الزراعية نتائج جوهرية على أمننا
الغذائي المائي، فهل نرى ترجمة لكل ذلك، أم تبقى الأمور مكانك راوح؟!.