سيرياستيبس
شهدت سوق السيارات المستعملة، خلال الأعوام الماضية، موجة زيادات متتالية في الأسعار طالت جميع السيارات بنسب كبيرة، وتوقع عدد من العاملين بتجارتها استمرار الارتفاع خلال الفترة المقبلة ولاسيما في ظل انخفاض المعروض مع ارتفاع سعر الصرف.
حلم بعيد المنال
صاحب محل لبيع السيارات بدمشق بين أن صعوبة الاستيراد وندرة
السيارات الجديدة، دفع الناس إلى اتباع سلوكيات جديدة في عمليات الشراء،
فسابقاً، وتحديداً قبل الحرب على سورية، كانت الطبقة الغنية تستبدل
سياراتها كل عام أو عامين، والطبقة المتوسطة كل ثلاثة أو أربعة أعوام، أما
الآن توجهوا إلى الاحتفاظ بسياراتهم لسنوات أكثر، وهو ما أدى إلى قلة
المعروض في سوق السيارات المستعملة وزيادة أسعارها بشكل كبير، وخاصة ذات
المنشأ الكوري منها، بسبب توافر قطع غيارها، ولذلك تحول حلم امتلاك
السيارة، بمجرد الوصول إليه، إلى خيال بعيد المنال بالنسبة للطبقة الفقيرة.
تسعير عشوائي
الخبير الاقتصادي الدكتور حسن حزوري، قال: إن ارتفاع أسعار السيارات
المستعملة في الأسواق المحلية، يعود إلى قانون العرض والطلب من جهة، والسبب
الحقيقي، هو منع استيراد السيارات، الذي أدى لعدم طرح سيارات جديدة في
السوق، وأصبحت معظم تجارة السيارات (بيعاً وشراء) هي سيارات مستعملة،
معظمها يزيد عمرها الزمني عن 12 عاماً.
وأكد أن الأسعار مرتفعة جداً وغير منطقية، وتخضع لقانون العرض والطلب، ولا
يمكن بأي شكل من الأشكال مقارنتها بأسعار السيارات المماثلة في دول الجوار
أو في مناطق أخرى، وبالتالي تعتبر أسعار السيارات المستعملة في سورية
حالياً هي الأغلى في العالم، ليس مقارنة بالدخل المنخفض للمواطن السوري، بل
بالأسعار المطلقة، واقتناء سيارة خاصة حتى مستعملة أصبح حلماً لمعظم
السوريين، والتسعير يتم بشكل عشوائي بعيداً عن أي رقابة.
فمن المتعارف عليه عالمياً أن السعر يتحدد حسب موديل السيارة واستطاعتها
والمسافة الكيلو مترية المقطوعة، وتكون هناك أسعار استرشادية لشركات
التأمين، لكن للأسف كل هذه المعايير غير معمول بها محلياً.
غير آمنة
يضاف إلى ذلك، بحسب الخبير الاقتصادي، أن مواصفات معظم السيارات الفنية
متردية جداً، وأصبحت معظمها غير آمنة وفق المعايير الدولية، بسبب تلويثها
للبيئة وخطرها على السلامة العامة وتؤدي إلى مزيد من حوادث السير، وهذا
يعود لمنع الاستيراد، تقادمها، وانتهاء عمرها الافتراضي، إضافة إلى ضعف
الدخل الذي يقابله غلاء أسعار قطع الغيار، وبالتالي تكاليف صيانة كبيرة
جداً، ما يضطر مالك السيارة لعدم القيام بالصيانات الضرورية، وهذا يجعل من
الكثير من السيارات، غير آمنة، وهنا الخطورة الكبيرة تمثلها سيارات الأجرة
العامة، أكثر من الخاصة، كونها تعمل ليلاً نهاراً لنقل المواطنين.
حل المشكلة
ونوه الدكتور حزوري بأن حل هذه المشكلة يكمن في وضع خطة لإعادة استئناف
استيراد السيارات الجديدة، على أن تكون سيارات كهربائية، فهي الأكثر جدوى
اقتصادية، وتوفر من نفقات الوقود وتخفف الضغط على القطع الأجنبي نتيجة عدم
الحاجة لاستيراد الوقود، كما أنها الأكثر أماناً وتستخدم تكنولوجيا متطورة
وتتسم بالهدوء التام ولا تحتاج إلى صيانة دورية وعوامل السلامة فيها عالية
جداً، يضاف إلى ذلك أن إنتاج السيارات التقليدية، على الصعيد العالمي
سيتوقف في معظم الشركات العالمية عام 2030 أو ربما قبل ذلك.
من الصعب تصديرها
وتطرق الدكتور حزوري لتوصية اللجنة الاقتصادية المتضمنة السماح لشركات
تجميع السيارات المرخصة بإعادة تجميع السيارات التقليدية مع تصدير 90% وطرح
10% في السوق المحلية، قائلاً: “اعتقد أنه من الصعب تصدير سيارات مجمعة في
سورية وبعائد اقتصادي مقبول بسبب ضعف القيمة المضافة الناتجة عن التجميع
وارتفاع التكاليف لعوامل الإنتاج المختلفة”، آملاً أن يعدل القرار بحيث
تكون نسبة ما يطرح في السوق المحلي لا يقل عن 50%، ويبقى 50% للتصدير، مع
التأكيد على أهمية تجميع السيارات الكهربائية بدل التقليدية، وضرورة تعديل
الرسوم الجمركية لمنح مزايا لمصلحة السيارات الكهربائية، لافتاً إلى أن
السيارات الكهربائية في معظم دول العالم معفاة من الرسوم الجمركية، والهدف
هو تشجيع المواطنين على اقتنائها، كون المستقبل لها وأيضاً نتيجة آثارها
الإيجابية على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.
تصحيح الميزان التجاري
ورداً على ما سبق بين معاون وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية لشؤون التجارة الخارجية شادي جوهرة " للثورة "أن رؤية الوزارة في مجال قطاع التجارة الخارجية عموماً (استيراداً وتصديراً) تعتمد على السعي للتأثير على مستوى الإنتاج، والعمل بما يحقق معدلات نمو حقيقية قابلة للاستمرار وتصحيح الميزان التجاري جهة زيادة القدرة التصديرية بما يؤمن إمكانية تمويل المستوردات المحفزة للنمو وأهمها مستلزمات الإنتاج الصناعي والزراعي، وزيادة فرص العمل.
تخفيض الطلب
وبالتالي، يضيف جوهرة، فإن رؤية الوزارة فيما يتعلق بمنع استيراد السيارات
تنطلق من أن تخفيض عجز الميزان التجاري يستلزم تخفيض الطلب- ما أمكن- على
القطع الأجنبي وفق إجراءات تكفل تحقيق هذا الهدف مع عدم الإخلال بأهداف
أخرى للاقتصاد الوطني- كرفع مستويات العمل والإنتاج- من خلال تخفيض
المستوردات من المواد الكمالية وغير الضرورية مع عدم المساس بالمستوردات من
السلع الضرورية والمواد اللازمة للإنتاج الصناعي والزراعي.
ولفت إلى أن أحد الأهداف الإستراتيجية في خطة عمل الوزارة والحكومة تتمثل
في توجيه النشاط الاستيرادي لنشاط خلق قيم مضافة بما يضمن تشغيل اليد
العاملة على مستوى صناعات تجميعية لمنتجات وسيطة وصولاً لتأصيل مفهوم نقل
الصناعة، وتحقيق تحول في هيكل المستوردات إلى مواد أولية على حساب المنتجات
الوسيطة والمنتجات النهائية الجاهزة للاستهلاك.
وانطلاقاً من ذلك صدرت عدة توصيات من اللجنة الاقتصادية بخصوص موضوع
السيارات متعلقة بإعادة تفعيل عمل مصانع تجميع السيارات وفق آلية تضمن خلق
قيمة مضافة لجهة العمل بنظام الثلاث صالات عوضاً عن نظام الصالة الواحدة،
وبما يؤمن الحاجة من السلعة المذكورة مع تخفيض الأثر على سعر الصرف إلى
أدنى حد ممكن.
أمران أساسيان
وأوضح معاون وزير الاقتصاد أن قرارات اللجنة الاقتصادية في هذا المجال قد
ميزت بين أمرين أساسيين، الأول: وجود شركات عاملة في تجميع السيارات قد
وفقت أوضاعها للعمل بنظام الثلاث صالات، وبالتالي فإن التعامل مع هذه
الشركات وفق سماحية إنتاجها لمختلف أنواع السيارات (كهربائية وعاملة على
الوقود)، مع وجود ميزة تفضيلية للعمل بتجميع السيارات الكهربائية، والأمر
الثاني يتمثل بوجود شركات عاملة في تجميع السيارات ولم توفق أوضاعها للعمل
بنظام الثلاث صالات، وبالتالي فإن السماحية المعطية لها تتعلق بضرورة توفيق
أوضاعها للعمل بنظام الثلاث صالات ولتجميع السيارات الكهربائية حصراً.
وعليه فإن التوجه إلى تحفيز وتشجيع إنتاج السيارات العاملة على الكهرباء
لما لذلك من أثر إيجابي في تخفيض الانبعاثات الملوثة للبيئة من جهة وما
يحقق من توفير في استهلاك الوقود من جهة ثانية.
أسواق جديدة
وفيما يتعلق بالقيمة المضافة من التوجه لتجميع السيارات وفق نظام الثلاث
صالات، أكد بأنه تحول في عملية الإنتاج من العمل وفق صالة تجميع واحدة
تقليدية تعتمد على تجميع مكونات السيارات آلياً على الهيكل الفارغ المدهون
إلى ثلاث صالات (صالة تجميع الهيكل، صالة دهان الهيكل، صالة التجميع)
وتستلزم كل صالة عدداً من خطوط الإنتاج وعدداً كبيراً من العاملين،
بالإضافة إلى استخدام العديد من المواد المنتجة محلياً كتجهيزات متممة،
الأمر الذي يخلق قيمة من عملية الإنتاج تصل لحدود تحقيق المنشأ السوري
للمنتج المصنع، وبالتالي إمكانية تصدير هذا المنتج من خلال بذل الشركات
العاملة في هذا المجال جهوداً في تحقيق فتح أسواق جديدة بالتنسيق مع
الشركات الأم.