سيرياستيبس
كتب الاعلامي علي عبود :
أزمة النقل في دمشق، التي تزداد حدّة مع كلّ نقص في المحروقات، هي واحدة
من التركة الثقيلة التي ورثتها الحكومة الجديدة من الحكومة السابقة، وعلى
عكس ما يُقال فإن أزمة النقل، في دمشق أو في أي محافظة أخرى، لم تكن على
مرّ الأعوام الماضية عصيّة على الحلّ، ولكن لم تكن هناك لا النيّة ولا
الإرادة بحلها.
وها هي الحكومة الجديدة باشرت مهامها بعد اندلاع أزمة نقل خانقة في دمشق
وضواحيها، دون أن يتخذ مجلس محافظتها، في دورته الأخيرة، مثل كلّ الدورات
السابقة، أيّ قرار أو آليات تخفّف من معاناة ملايين السوريين، في وقت طالب
بعض أعضاء المجلس بإغلاق صالات التدخل الإيجابي التي يستفيد منها ملايين
المواطنين، وهو مطلب مكرّر في السنوات السابقة لصالح بعض التجار، بدلاً من
مطالبة القطاع الخاص بالمساهمة في حلّ أزمة النقل!
وبما أننا أمام أزمة مستمرة منذ عقدين من الزمن على الأقل، فإن السؤال: من سيحلّ أزمة النقل في دمشق وريفها في الأمد المنظور؟
ما الآليات؟
لا تخلو منطقة في دمشق وضواحيها من طوابير المنتطرين على خطوط النقل،
بانتظار قدوم باص أو ميكرو لا يأتي غالباً قبل ساعات ليتدافع الناس باتجاهه
في مشهد بات مألوفاً منذ سنوات.
نعم، تحوّلت أزمة النقل إلى كابوس يطارد عشرات آلاف المواطنين في جميع
خطوط النقل، وبدلاً من أن تنشغل الحكومة السابقة بإيجاد الحلول الإسعافية
بانتظار تنفيذ الحلول الجذرية، انشغلت برفع أسعار المحروقات وتقنين توزيعها
على أصحاب وسائط النقل العام، وكأنّها كانت “تتلذّذ” بتعذيب الناس
وتشريدهم على الطرقات بلا رحمة!
ولم تجب الحكومة السابقة، ولا مجلس محافظة دمشق، عن السؤال منذ أربعة
أعوام على الأقل: ما الآليات الفعّالة لطرد كابوس النقل من حياة أكثر من
ثلاثة ملايين مواطن في دمشق وضواحيها؟
تشفط الرواتب والأجور
وبحسبة بسيطة، سنكتشف أن أجور النقل، حتى ولو كان أصحاب وسائط النقل من
تاكسيات وميكرويوات وباصات يتقيّدون بالتسعيرة الرسمية، “تشفط” نصف رواتب
وأجور المواطنين، بل إن من يسكن في مناطق غير مخدمة أساساً بأي وسيلة نقل
يحتاج إلى مبلغ شهري ضخم للوصول إلى مركز المدينة فقط، فأجرة أقل وسيلة
خاصة تتجاوز الـ 50 ألف ليرة!!
وتزداد كلفة أجور النقل التي “يشفطها” أصحاب التاكسيات والميكروباصات مع
كلّ رفع لأسعار المحروقات أو التوقف بتزويدهم بالمازوت المقنّن جداً
أساساً، كما حدث قبل شهر من رحيل الحكومة السابقة التي ودّعت السوريين
بزيادة حدة أزمة النقل أكثر فأكثر، دون أي مراعاة لأوضاعهم البائسة قبل
تسليم مهامها للحكومة الجديدة!
نقص أم تقصير؟
ويطرح مشهد حشود المواطنين اللاهثة وراء الباصات والميكروباصات للحصول
على مكان فيها، وقوفاً أو تعلقاً بأبوابها، سؤالاً لم تكترث أي جهة حكومية
في السنوات الماضية بالإجابة عنه: هل أزمة النقل سببها نقص في الآليات أم
تقصير فاضح بتنظيمها ومراقبة عملها؟
من المؤسف، بل والمؤلم جداً، تجاهل وزارة الإدارة المحلية على مدى
السنوات القليلة الماضية لعشرات آلاف المواطنين على الطرقات، وبينهم الكثير
من النساء وكبار السن والمرضى، دون أن توجّه محافظة دمشق لحلّ أزمة النقل
أو الحدّ منها إلى المستوى الذي يخفّف من الحشود والطوابير في الطرقات
والشوارع.
وليس صحيحاً أن الحلول “انعدمت”، لكن المشكلة كانت ولا تزال بغياب
الإرادة والفعل لدى محافظة دمشق لحلّ أزمة النقل لأسباب غير معلنة، أو بفعل
التقصير والعجز.. إلخ، وإلا بماذا نفسّر تمرد مئات أصحاب الميكروباصات عن
العمل على خطوط النقل إلا لسفرات قصيرة ومحدودة جداً.. إلخ.
صحيح أن عدد آليات نقل الركاب انخفض اليوم مقارنة بما كان عليه في عام
2010، لكن السؤال: هل تعمل الآليات المتوفرة بإمكاناتها الفعلية أم حسب
كميات الوقود المباعة لها أو بمزاجية أصحابها؟
من سيئ إلى أسوأ
ومن يتابع اجتماعات مجلس محافظة دمشق على مدى الأعوام الماضية، سيكتشف
أنها لم تكن جدية بحلّ أزمة النقل، فكل الوعود بحلها (قريباً) كانت هراء
بهراء، فهي انتقلت من السيئ إلى الأسوأ، وهي مستمرة سواء مع توفر أو تقنين
المحروقات، بفعل غياب الآليات التي تتيح استثمار وسائط النقل العاملة
بإمكاناتها الفعلية وفق خطة محكمة.
ومن الملفت أن تكشف جهة مسؤولة أن “أزمة النقل تصاعدت، وامتلأت الشوارع
بالمنتظرين لوسيلة نقل، في ظل تخفيض مخصّصات النقل إلى الحدود الدنيا،
إضافة لتخفيض مخصّصات باصات النقل العام، وإيقاف تزويد وسائل النقل الجماعي
من سرافيس وباصات الشركات الخاصة بالمحروقات، الأمر الذي أدى إلى توقفها
عن العمل”.. هل هذا معقول؟!.
نعم، بفعل قرار من الحكومة السابقة، انتقلت أزمة النقل من سيئ إلى أسوأ،
وتعطّلت معها مصالح الناس، وتشريد عشرات آلاف المواطنين في الشوارع
والطرقات، ولم يعد من خيار سوى بدفع أجرة وسيلة نقل خاصة بمبلغ لا يقلّ
غالباً عن الـ 100 ألف ليرة لمن يقطن الضواحي!!.
لا علاقة للطلاب بالأزمة
ومن الاستغباء بمكان الزعم بأن بدء العام الدراسي فاقم من أزمة النقل،
فهذا غير صحيح، لأن الطلاب سيستخدمون وسائط النقل، سواء كانت على مساراتها
أم مستأجرة من قبل الأهالي وإدارات المدارس، فالأزمة الفعلية هي بنقص
المحروقات وانعدام الرقابة وآليات تشغيل النقل العام بكفاءة عالية.
ولو كانت الحكومة السابقة حريصة على حلّ أزمة النقل، ولو جزئياً، لألزمت
المدارس الخاصة باستيراد الباصات لطلابها مقابل إعفائها من الرسوم
والضرائب، ولعملت على تأمين الباصات أيضاً للمدارس الحكومية، لكن المشكلة
كانت دائمة بعدم وجود الإرادة بحلّ دائم أو جزئي لأزمة النقل.
لا انفراجات ملموسة
وكعادتها، وعدت محافظة دمشق بانفراجات في أزمة النقل، لكنها ربطت
الانفراجات بزيادة حصة الميكروباصات والباصات من المحروقات، وهذا يؤكد أن
المحافظة لا تعمل على حلول جذرية، ولا انفراجات ملموسة لأمد طويل، فالأزمة
ستبقى معلقة بحجم التوريدات النفطية، وبالتالي لا أهمية ولا اكتراثاً
بمعاناة ملايين السوريين.
وليس صحيحاً أن محافظة دمشق عاجزة عن إيجاد حلول سريعة وإسعافية لأزمة
النقل، فقد سبق واقترح مجلسها منذ سنوات تحويل أكثر من 33 ألف سيارة أجرة
تعمل على الخطوط الرئيسية في محافظتي دمشق وريفها إلى (ميكرو سرفيس)، ما
يعني طاقة نقلية توازي أكثر من 2000 باص كبير، لكنها لم تصدر القرار الذي
يحلّ الأزمة ولو إسعافياً حتى الآن، وكأنّ هناك من يضغطون لمنع تنفيذ
الحلول الإسعافية والجذرية لأزمة النقل.. فمن هم؟!!