سيرياستيبس غالب درويش _ اندبندنت عربية
مع كل دورة تشهدها أسواق الطاقة، تظهر حقيقة ثابتة وهي أن أسعار النفط لا تتحرك فقط بما تنتجه الحقول أو بما تحتفظ به الدول من مخزونات الخام، بل بما يحدث حولها من سياسات إنتاجية وصراع وأخطار غير متوقعة، هكذا بدأ رئيس قسم الاقتصاد في "اندبندنت عربية" غالب درويش حديثه ضمن حلقة جديدة من سلسلة "رأي اقتصادي"، حول مستقبل أسعار النفط عالمياً في ظل الصراعات.
ويقول درويش "خلال الأيام الأخيرة عادت فنزويلا للواجهة من جديد كأحد أبرز مصادر القلق الجيوسياسي في سوق تعتمد على الاستقرار مثل النفط، مع تصاعد التوتر في منطقة الكاريبي على خلفية احتمال تنفيذ الولايات المتحدة عملاً عسكرياً ضد كراكاس عاصمة فنزويلا.
ضغط خارجي شديد ويضيف درويش أن "هذا القلق ليس فقط لامتلاكها أكبر احتياطات نفط مؤكدة في العالم عند 303.2 مليار برميل، مما يمثل 19.4 في المئة من الإجمال العالمي البالغ 1.6 تريليون برميل حتى نهاية عام 2024، بحسب بيانات ’أوبك‘، بل لأن واقع إنتاجها مرتبط بضغط خارجي شديد، وعلى رأسه مواقف وإجراءات الولايات المتحدة".
ويتابع رئيس قسم الاقتصاد في "اندبندنت عربية"، "أولاً، الأثر العملي، صادرات فنزويلا تراجعت، والإحصاءات الأخيرة تشير إلى انخفاض واضح في الإمدادات الصالحة للتصدير، مما يضع سوقاً عالمية متذبذبة أمام احتمال نقص مفاجئ في العرض، وهذا التدني لا يفهم بعيداً من شبكة قيود وقياسات اقتصادية وسياسية فرضتها واشنطن خلال الأعوام الماضية".
ويضيف "ثانياً، الولايات المتحدة ليست لاعباً محايداً هنا بين أدوات الضغوط (مثل عقوبات مالية وتجارية)، وقرارات متذبذبة في شأن تراخيص شركات مثل ’شيفرون‘، وحتى تحركات قانونية وإدارية مرتبطة بأصول فنزويلية في الولايات المتحدة مثل ’سيتغو‘ التي هي في الواقع شركة نفط أميركية لها أصول فنزويلية".
ويشير درويش إلى أن كل خطوة من هذه تخفض قدرة فنزويلا على صيانة حقولها أو تصدير منتجها بصورة منتظمة، لافتاً إلى أنه مع عودة الاضطرابات الفنزويلية للصورة، تبرز أسئلة صعبة، من بينها هل تدخل أسواق النفط مرحلة جديدة من التقلبات؟ وهل تدفع الأخطار الجيوسياسية الأسعار إلى الصعود مجدداً، على رغم الصورة الاقتصادية الهادئة نسبياً؟ وما مدى قدرة المنتجين الآخرين في "أوبك" وخارجها على سد أية فجوة قد تتركها فنزويلا؟
الجغرافيا السياسية بكل تناقضاتها ويختتم درويش حديثه قائلاً "في النهاية، ما يحدث اليوم يذكرنا بأن سوق النفط لا تعيش فقط على المعادلات الاقتصادية، بل على الجغرافيا السياسية بكل تناقضاتها، وأن أية دولة تمتلك ثروة بحجم فنزويلا لا يمكن تجاهل دورها، حتى لو كان إنتاجها الفعلي أقل بكثير من احتياطاتها الهائلة".
ويؤكد أن هذه التطورات تعد اختباراً جديداً لمرونة السوق النفطية ولقدرتها على قراءة الإشارات الجيوسياسية قبل أن تتحول إلى واقع ينعكس مباشرة في الأسعار.
|
طباعة هذا المقال
أرسل إلى صديق
.gif){kind=logo}