سيرياستيبس :
جينتري بيتش، رجل أعمال أميركي مغمور من تكساس، يهوى الصيد والرماية، وإبهار الناس بقربه من إدارة دونالد ترمب، فمنذ عودة الأخير للبيت الأبيض، طرق بيتش أبواب 20 دولة، مستغلاً صداقته مع النجل البكر للرئيس لعقد صفقات مليارية مع حكومات هذه الدول، وفق تحقيق نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال".
حكومات تسأل عندما جلس رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية مع دبلوماسي أميركي مخضرم في فيلا مطلة على العاصمة كينشاسا، كان ذهنه مشغولاً بتساؤلات عن هوية هذا الرجل الذي يجوب دول أفريقيا الوسطى بانتظام، لشراء امتيازات تعدين ضمن حملة نسبها إلى ترمب وأطلق عليها اسم "الدبلوماسية الاقتصادية"، وفق الصحيفة.
يوحي بيتش لمسؤولي الدول بأنه صديق لدونالد ترمب جونيور، عارضاً عليهم رسائل نصية متبادلة وصوراً تجمعهما، مما أثار تساؤلات في الكونغو وباكستان والإمارات وألمانيا عما إذا كان رجل الأعمال يتحدث باسم الإدارة الأميركية، أو يمثل قناة تواصل غير رسمية مع عائلة ترمب، أو أنه يبالغ في قوة علاقاته
وساد هذا السؤال داخل الدوائر الرسمية في باكستان، حيث التقى بيتش في إسلام آباد رئيس الوزراء، وتعهد باستثمار مليارات الدولارات في مشاريع التعدين، وقال للصحافيين إن الاستثمار سيشمل بناء "أفخم العقارات في تاريخ البلاد على الإطلاق"، مشيراً إلى أنه "مقرب من إدارة ترمب منذ فترة طويلة".
الإمارات هي الأخرى سعت إلى فهم طبيعة العلاقة بين بيتش والحكومة الأميركية، بعدما اقترح الاستثمار في مشروع سكة حديد بمليارات الدولارات بين دول الخليج.
أما في ألمانيا، فكان المستشار السابق أولاف شولتز مصدوماً عندما علم أن صديقاً لترمب جونيور مهتم بشراء حصة في مشروع "نورد ستريم 2"، خط أنابيب الغاز الروسي الخاضع للعقوبات الأميركية الذي تعرض للتفجير عام 2022، وطلب مكتبه من جهاز الاستخبارات الألماني التحقيق في الأمر.
وبقيت صفقة بيتش في الكونغو معلقة، بعدما أوضح مسؤولون أميركيون للحكومة أنه لا يمثل واشنطن، عقب مخاوف مسؤولي الدولة الأفريقية من أن مفاوضاتهم مع الولايات المتحدة مشروطة بالدخول في شراكة تجارية مع بيتش.
وعلى رغم أن رجل الأعمال الأميركي أنشأ شركتين جديدتين في مارس (آذار) وأبريل (نيسان) الماضيين، والتقى قادة مثل رئيس الحكومة الباكستانية ورئيس الحكومة الانتقالية في بنغلاديش، فإن كثيراً من الصفقات التي سعى بيتش إلى إبرامها لم تتحقق بعد.
صداقة حقيقية ولكن الصداقة بين نجل ترمب وبيتش حقيقية وقديمة، إذ التقيا في جامعة بنسلفانيا خلال التسعينيات، وجمعتهما بعد التخرج اهتمامات مشتركة من بينها التجارة والصيد. وكان بيتش أحد إشبيني نجل الرئيس في حفل زفافه عام 2005، وفي إشارة إلى قربهما، قال بيتش إن ترمب جونيور يمازحه بأن كلاً منهما يعرف أسراراً مدمرة عن الآخر.
لكن ترمب جونيور نأى بنفسه عن بيتش خلال الأعوام الأخيرة، وأعرب سراً عن استيائه من تصرفاته، فخلال زياراته الخارجية وجد نفسه مضطراً إلى صد مسؤولين أجانب أبلغوه بأنهم سمعوا من بيتش بأن نجل الرئيس مهتم بالاستثمار في بلدانهم، وهي مزاعم ينفيها. وعلم ترمب جونيور وفريقه أن بيتش أبلغ بعضهم بأن نجل الرئيس سيعرقل أية صفقة تخص مشروع "نورد ستريم 2" ما لم يشرك بيتش فيها، واعتبر نجل ترمب فكرة تدخله في خط أنابيب روسي "سخيفة".
ومع بدء ترمب التفكير في العودة للبيت الأبيض، قال بيتش إنه لم يكن منتظماً في الحملة، لكنه ساهم في توجيه بعض المتبرعين للقنوات المناسبة، وعندما فاز الرئيس حضر بيتش حفل التنصيب برفقة عائلته، وأخبر مقربين منه بأن صداقته مع ترمب جونيور عادت لمجاريها وأنه يعمل على مجموعة من الصفقات التجارية.
وعلى رغم التوتر في علاقتهما، لم يعلن ترمب جونيور تبرؤه من بيتش، فضمن مذكراته الصادرة عام 2019 وصفه بأنه أحد "أصدقائه الثلاثة الحقيقيين". وعلى مدى نحو عقدين، استثمر نجل الرئيس مئات آلاف الدولارات في مشاريع قادها بيتش أو شركات أوصى بها، لكن الاثنين يؤكدان أنهما لم يدخلا في أي عمل مشترك منذ عام 2017.
وفي أغسطس (آب) الماضي، أرسل محامي ترمب جونيور خطاباً يطالب فيه بيتش بالتوقف عن تقديم نفسه على أنه شريك تجاري له، غير أن بيتش أنكر تلقيه الخطاب أو الاطلاع عليه، قائلاً "إن كان هناك شيء من هذا القبيل، فلم يعرض عليّ أنا أو فريقي أبداً، وأي ادعاء بخلاف ذلك هو محض افتراء". لكن صحيفة "وول ستريت جورنال" اطلعت على الخطاب ورسائل نصية أكد فيها بيتش تسلمه له.
تداخلات التجارة بالسياسة تداخلت خطوط التجارة والسياسة ضمن إدارة ترمب الثانية التي انضم إليها عدد من رجال الأعمال، مما أثار مزاعم وتهماً باستغلال النفوذ السياسي لمصالح شخصية، لكن هناك تجاراً خارج الإدارة يتنقلون بين هذين العالمين بحرية أكبر مثل بيتش الذي أسس بعد أسابيع قليلة من عودة ترمب شركة "أميركا أولاً غلوبال"، المستوحى اسمها من الشعار الشهير للرئيس.
ومنذ فوز ترمب في الانتخابات، سافر بيتش إلى 20 دولة للقاء رؤساء وزراء ووزراء خارجية، سعياً وراء صفقات يقول إن قيمتها تصل إلى مليارات الدولارات، وتنسجم أهدافه مع أحد أركان سياسة ترمب الخارجية، حل النزاعات والحروب عبر وضع الشركات الأميركية في قلب الفرص المربحة والممكنة.
ولا يشغل بيتش أي منصب رسمي ولا يحمل تفويضاً من وزارة الخارجية الأميركية، ويؤكد أنه لم يذكر يوماً عائلة ترمب أو الإدارة الأميركية في تعاملاته التجارية، بل يرى نفسه ممثلاً لنموذج جديد من الدبلوماسية يهدف إلى مساعدة الحكومات الأجنبية في تعزيز علاقاتها مع واشنطن.
وقال سفير أميركي غادر منصبه أخيراً، واصفاً الظاهرة الأوسع لرجال الأعمال الذين يروجون لعلاقاتهم مع ترمب إن "الأمر مربك للحكومات الأجنبية، فهي معتادة على التعامل مع وزير الخارجية أو السفارة، وليست واثقة هل بوسع هؤلاء الأشخاص أن يحققوا ما يدعون أنهم قادرون على تحقيقه؟ وهل يمكن تحمل كلفة تجاهلهم؟".
وشدد بيتش على أنه واضح تماماً مع الحكومات الأجنبية في شأن من يمثل، مؤكداً أنه يسعى إلى عقد صفقات في دول مثل الكونغو منذ أعوام طويلة. وأوضح "أنا هناك بصفتي رجل أعمال فقط" وأضاف أن اسم ترمب الابن "لا يذكر" إلا إذا طرحه أحد الحاضرين، قائلاً "على العكس، أنا أحاول التقليل من شأن تلك الصداقة." وأردف أن تواصلهما في الوقت الحالي متقطع ويقتصر في الغالب على أحاديث عائلية أو عن الصيد.
اندبندنت عربية
|