سيرياستيبس – علي محمود جديد
الأكاذيب والأوهام التي يعتمدها الاتحاد الأوروبي كأسسٍ يزعم أنها راسخة، ويبرر بذلك لنفسه وأمام شعوبه تجديد العقوبات على سورية، والبناء على تلك المزاعم بأنها موجودة، هي أكاذيب لم تأتِ بالمصادفة، ولا هي ناجمة عن سوء فهمٍ للحالة السورية، وإنما هي أكاذيب مقصودة تحمل في طياتها الكثير من الأهداف الخبيثة التي يريدونها أن تتحقق في سورية من أجل تغيير مسارها وقناعاتها والتخلي عن حقوقها الطبيعية لتغدو رهينة قراراتهم، وميداناً لأمنياتهم، وتصير مجرّد تابع لهم، وأداةً من أدواتهم، تقدم لهم فروض الطاعة وألوان الخضوع.
هذا لن يحصل .. ويُدرك الأوربيون، وقيصر وجماعته الأمريكان بأنه لن يحصل، مهما اشتدّت إجراءاتهم وقوانينهم بالعقوبات والحصار، فما يريده الأوربيون والأمريكان لا يُصرف في سورية، وليس له محل من الإعراب .
هم يعرفون .. ونحن نعرف .. وكل متبصّر في هذا الكون يعرف أن مجمل الاتهامات الكاذبة التي توجّه إلى سورية لا علاقة لها بالعقوبات على الرغم من الإصرار عليها، ولكنهم يريدونها شمّاعة كمحاولة لإقناع شعوبهم التي بدأت – نوعاً ما – تتفهّم الحقائق المنافية لمزاعم السياسيين، فالقصة وما فيها – ومن الآخر – هو الموقف السوري من القضية الفلسطينية، ولو أن سورية غيّرت موقفها وتخلّت عن القضية لما جرى تمديد العقوبات، ولما كان هناك عقوبات بالأصل.
التمديد الأوروبي
فقد قرر مجلس الاتحاد الأوروبي يوم الخميس 28 / أيار / 2020 / تمديد العقوبات ضد الحكومة السورية لمدة عام، حتى 1 يونيو / حزيران 2021، بغض النظر عن جائحة فيروس كورونا المستجد، وعن أي منعكسات إنسانية وأخلاقية، وأكد المجلس في بيان له أن قرار إبقاء الإجراءات التقييدية بحق "الحكومة السورية وداعميها" جاء بالتوافق مع استراتيجية الاتحاد تجاه سوريا حسب زعمه.
وزعم الممثل الأعلى للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، على أن هذه العقوبات موجهة ضد المسؤولين عن معاناة الشعب السوري خلال سنوات النزاع، بمن فيهم أفراد في الحكومة السورية وداعموها ورجال الأعمال الذين يقدمون دعما إلى الحكومة ويستفيدون من "اقتصاد الحرب" دون أن يذكر شيئاً عما عاناه ويعانيه الشعب السوري من الإجرام الإرهابي الذي تمارسه المجموعات الإرهابية المسلحة المدعومة أوروبياً وأمريكياً وسعودياً وقطرياً وتركيّاً، ومن جهات عديدة أخرى، بأقصى حدود الدعم، وشياطين الأرض لن تعرف ما الذي يقصده الاتحاد الأوروبي بالمسؤولين عن معاناة الشعب السوري، فإن كانت العقوبات هي فعلاً ضد المسؤولين عن معاناة الشعب السوري فالأولى بالاتحاد الأوروبي أن يعاقب نفسه أولاً .
وأبدى بوريل تصميم الاتحاد الأوروبي على ما سماه بـ "مواصلة الدعم إلى الشعب السوري" و"التزامه الثابت باستخدام كل وسيلة متاحة بغية المضي قدما نحو تسوية سياسية للنزاع ستصب في مصلحة جميع السوريين وستضع حدا لعمليات القمع المستمرة" حسب تعبيره.
تخيلوا هذا النفاق كله .. وهذا الدجل المُستسهل .. !! فأي تصميم هذا على مواصلة الدعم للشعب السوري ..؟! وأي شعبٍ يقصد بذلك ..؟! إن أحبّ شعب للاتحاد الأوروبي .. وأقربه إلى قلبه هم المجموعات الإرهابية المجرمة، وهو بالفعل مصمم على مواصلة دعمهم، والدولة السورية هي بالفعل تقمعهم ولن تتوقف عن ذلك إلا بإخمادهم أو تراجعهم.. ولو أمضت الدهر كله من أجل تحقيق ذلك.
نفاق وزيف .. وإرهاب اقتصادي
لقد عبّرت سورية بكثير من الوضوح والموضوعية عن ردّة فعلها إزاء تجديد العقوبات، حيث أكدت أن قرار الاتحاد الأوروبي بتجديد الإجراءات القسرية المفروضة عليها يكشف زيف مواقف وتصريحات مسؤوليه ويفضح النفاق الذي أصبح سمة أساسية للسياسات الأوروبية مشيرة إلى أن هذه العقوبات انتهاك سافر لأبسط حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني وجريمة ضد الإنسانية بكل معنى الكلمة.
ومعها حق سورية بهذه الأوصاف وهذه اللهجة المحقّة فعلاً، ومعها حق أيضاً باستغرابها على لسان مصدر رسمي في وزارة الخارجية الذي أشار أيضاً إلى أن هذا القرار الأوروبي جاء بعد القرار الأمريكي بهذا الخصوص ما يؤكد فقدان هذا الاتحاد استقلالية القرار وتبعيته المذلة للسياسة الأمريكية.
واعتبر أن هذا القرار يؤكد مجدداً الشراكة الكاملة للاتحاد الأوروبي في الحرب على سورية ودعمه اللا محدود للمجموعات الإرهابية وبالتالي فإنه يتحمل مسؤولية أساسية في سفك دم السوريين وكذلك في معاناتهم جراء العقوبات الظالمة التي تؤثر بشكل مباشر على حياتهم ولقمة عيشهم وإعاقة الجهود لتوفير الوسائل والإمكانيات والبنية الطبية اللازمة لمواجهة وباء كورونا ما يجعل من هذه العقوبات انتهاكا سافرا لأبسط حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني وجريمة ضد الإنسانية بكل معنى الكلمة.
وهذا بالفعل صحيح ونحن الذين نلمسه هنا على الأرض، وندرك دقّته يومياً، بل وبشكلٍ لحظي أيضاً.
وختم المصدر بالقول إن قرار الاتحاد الأوروبي يكشف زيف مواقف وتصريحات مسؤوليه حول تخفيف العقوبات فيما يتعلق بالمساعدات الإنسانية لمواجهة وباء كورونا ويفضح النفاق الذي أصبح سمة أساسية للسياسات الأوروبية وأفقدها أدنى درجات الصدقية وجعل الاتحاد الأوروبي مجرداً من أي اعتبار على الساحة الدولية ولدى الرأي العام الأوروبي على حد سواء.
ولن نستسلم
مهما فظّعت أوروبا وأمريكا معاً، ومهما حاولوا إرهابنا عسكرياً واقتصادياً وإنسانياً، فنحن على مبادئنا ثابتون وصامدون، وقد اعتدنا على ذلك أصلاً، فإن تحدثت سورية عن معنى تلك العقوبات وأبعادها، وأوضحت للعالم الانحدار الشديد لمتخذي قرار العقوبات والحصار، فهذا لا .. ولن يعني استسلاماً ولا تراجعاً عن المواقف والحقوق، وعليهم أن يدركوا ذلك جيداً، ولا نشك بأنهم على علمٍ عميقٍ بذلك.
هنا في سورية إرادة الشعب والقيادة موحّدة، شاء الأوربيون والأمريكيون أم أبوا، وأراد أذنابهم المنافقون ذلك أم لم يريدوا.
تحوّل بنوع العلاقات الدولية
السيد الرئيس بشار الأسد قال منذ أشهر لقناة فينيكس الصينية عندما سأله المحاور عن موضوع الحزام والطريق، وكيف تنظر سورية إلى هذه المبادرة بشكل عام؟
قال السيد رئيس الجمهورية ( إذا أردنا أن نتحدث عنها بشكل استراتيجي نستطيع أن نقول إنها تحول استراتيجي على مستوى العالم.. تحول في نوع العلاقات الدولية. أي لو نظرنا إلى العالم في الوضع الحالي سنرى أن ما يحكمه هو محاولات هيمنة الغرب عليه، وفي المقدمة الولايات المتحدة. المرحلة التي سبقتها كانت مرحلة الحرب الباردة، وهي مرحلة صراع بين الدول، وهذا الصراع يعتمد على مدى هيمنة كل قطب فيه، وخاصةً القطب الغربي، على مجموعة دول لكي تحقق مصالحه في مواجهة القطب الآخر. قبلها الحرب العالمية الثانية وما سبقها، كانت مرحلة استعمار كامل.. الدول تحتل، وأينما تحتل هذه الدول فهي تحدد كيف تسير مصالح الشعوب هناك، وغالباً هي لم تكن مصالح مشتركة.. كانت الشعوب مستعبَدة لصالح الدول الأقوى. الآن نرى أن هناك دولة عظمى، هي الصين، تحاول أن تعزز نفوذها في العالم، ولكن أي نوع من النفوذ؟ ليس النفوذ بالمعنى الذي نفكر به، بالمعنى السلبي، بل النفوذ بمعنى الاعتماد على الأصدقاء.. النفوذ بمعنى الاعتماد على المصالح المشتركة. عندما نفكر نحن في سورية بأن نكون جزءا من طريق الحرير…وسورية على طريق الحرير تماماً، ولكن الأهم من ذلك أن هذه الطريقة الجديدة الحالية مستمدة من التاريخ ولكنها متناسبة مع القرن الواحد والعشرين، هي طريقة تعتمد على الندية.
عندما نكون جزءاً من هذا الطريق، فالصين تتعامل معنا بشكل ندّي، وليس كدولة كبرى مع صغرى. هناك مصالح مشتركة.. هناك فائدة للصين ولسورية ولكل الدول التي توجد على هذا الطريق. هناك جانب آخر، هي ليست فقط علاقة الصين مع هذه الدول بشكل ثنائي، وإنما هي علاقة بين كل الدول الموجودة على هذا المحور. فإذاً هي علاقة حضارية.. علاقة ثقافية.. تؤدي بالمحصلة إلى الازدهار واستثمار وتحسن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والأمنية لدى كل هذه الدول الموجودة. هذا يعني المزيد من الاستقرار في العالم، وهو مناقض لكل ما عرفناه من التاريخ الحديث أو القديم للعالم، هذا ما نراه في طريق الحرير.. استقرار وازدهار..)
هذه المقارنة المنطقية والدقيقة للسيد رئيس الجمهورية، بين مفهوم الدولة الصينية وتعاطيها الأخلاقي مع الدول الأخرى، والتي تؤدي بالمحصلة إلى الازدهار واستثمار وتحسن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، ومفهوم الكذب والنفاق الأوروبي الأمريكي القائم على محاولات الهيمنة والتعاطي اللاأخلاقي، ومن هنا ندرك حجم الهشاشة الفظيعة بالقرار الأوروبي الجائر، الذي يقوم على النفاق فعلاً كي يتمكنوا – ولن يتمكنوا – من النفاذ إلى أهداف ومآرب أخرى غير معلنة، ولكن مثل هذا التضليل البائس والمواربة بات مفضوحاً إلى حدود السذاجة والغباء، ومع هذا يصرون على التغابي واتخاذ المواقف المخجلة واللاإنسانية.
هذا هو طبعهم، فقد عاشوا قروناً على غرائز السيطرة والهيمنة والتعالي على الآخرين، والتعامل معهم بمنتهى الخبث واللا أخلاق، وهم يدركون جيداً أن هذه الغرائز في هذه الأيام لم تعد تنفع، فقد استُهلكت وباتت من الماضي في ضوء الحقائق الجديدة المتمثلة بصعود القوى الأخلاقية المناهضة لهم ولسياساتهم، قوى لها ثقافاتها الرفيعة، وأخلاقياتها الإنسانية العالية، وقد صارت على وشك الإعلان عن خطوتها الأخيرة التي لم تعد قابلة للردع، بل هي التي باتت قادرة على ردع هؤلاء وإبعادهم نحو الأفول .
فالصين وروسيا وإيران، ودول بريكس عموماً، هي قاب قوسين أو أدنى من إعلان نفسها القوة الضاربة الأكثر تأثيراً في العالم، ولعله لم يبقَ من ذلك سوى اختيار الوقت المناسب، على الرغم من أن هذه القوى الجديدة الصاعدة قد وازت القوى الغربية الظالمة .. لا بل وسبقتها أيضاً.
لا جديد لدينا
هذا شيء بديهي. وأصبح معروفا الآن في العالم. فالفرق بين سياسات الدول العظمى هو أن أمريكا ومن معها، كفرنسا وبريطانيا، تعتقد -أو هكذا تفكر، ونحن نراه تفكيرا خاطئا وهي تراه صائبا- بأن مصلحة هذه الدول أو هذا المحور هي في خلق الفوضى، بينما تفكر روسيا والصين ومعظم دول العالم معها بأن الاستقرار والقانون الدولي هما اللذان يحققان مصالح العالم سواء كانت دولاً كبرى أو دولاً صغرى.
وعلى كل حال نحن معتادون على العقوبات، وسنبقى هكذا معتادين ولن ندخر جهداً لتجاوزها .. ولسوف نفعل على الرغم من الحصار الشديد .. والذي يشتد أكثر فأكثر.
السلام لسورية ولأهلها الصابرين على الضّيم، الذين لن يتخلوا عن حبهم للحياة .. رغماً عن كل العقوبات وطرائق الحصار .
المصدر:
http://syriasteps.com/index.php?d=137&id=182900