زياد غصن
قراءتان مختلفتان للتأثيرات المرتقبة لقانون «قيصر» الأميركي. الأولى تقول إن تطبيق القانون يعني محاولة أميركية لفرض حصار اقتصادي على سوريا ولا سيما لجهة تعطيل عمل المؤسسات الحكومية وعرقلة عملية إعادة الإعمار. والقراءة الثانية تعتقد أن الأمر ليس بذلك التهويل، وأن البلد الذي استطاع تجاوز حصار الثمانينيات عندما لم يكن هناك أي داعم خارجي، يستطيع اليوم فعل ذلك بمساعدة الحلفاء والأصدقاء
رغم الاتفاق على أن قانون «قيصر» الأميركي يحمل أبعاداً جديدة في حزمة العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، وأنه ليس أمام البلاد من خيار سوى الاعتماد على إمكاناتها، وتطوير قطاعها الإنتاجي الزراعي والصناعي، إلا أن ثمة تبايناً واضحاً في قراءة الاقتصاديين السوريين لحجم التأثيرات المحتملة لدخول القانون حيّز التنفيذ. ثمة من يعتقد بأن البلاد مقبلة على عقوبات اقتصادية «أشدّ» من السابق، وستظهر انعكاساتها السلبية تدريجياً على مختلف نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وفي المقابل هنالك من يرى في الأمر تهويلاً لا مبرّر له، بالنظر إلى أن سوريا تحت عقوبات متنوّعة منذ بداية العقد الثاني من القرن الحالي.
يفرض القانون المذكور عقوبات جديدة على أي شخص أو جهة تتعامل مع الحكومة السورية أو توفّر لها التمويل، وفي مجالات عدة، من بينها مشاريع البناء والهندسة، وصناعة الطاقة، وقطاع النقل الجوي. وهذا يعني ببساطة أن هناك ثلاثة قطاعات اقتصادية أساسية ستكون تحت تهديد عقوبات البنك الفيدرالي الأميركي؟
أولها: التجارة الخارجية من خلال منع توريد ما تحتاج إليه مؤسسات الحكومة السورية من تجهيزات وقطع تبديل وسلع غير غذائية.
ثانيها: الاستثمار المحلي أو الأجنبي المشترك أو الداعم للحكومة ولا سيما في مجالات البناء والهندسة والطاقة.
وثالثها: القطاعات المتعلقة بالتمويل والذي يشمل القروض والمساعدات والحوالات المالية التي تتوجه نحو مؤسسات حكومية أو تتم من خلالها.
وبهذا فإن قانون «قيصر»، بحسب الباحث الاقتصادي والسياسي زكي محشي، هو «رسالة تهديد مباشرة إلى كل من روسيا وإيران، الموضوعتين أساساً تحت العقوبات الأميركية، ورسالة تهديد غير مباشرة إلى دول الخليج العربي (الإمارات، الكويت ...) كي لا تفكر مرحلياً، أو في المستقبل بالاستثمار في سوريا أو التعاون اقتصادياً مع الحكومة، وهذا أيضاً ما ينطبق على دول الاتحاد الأوروبي». ويضيف زكي في حديث مع «الأخبار» أن ذلك يمكن تفسيره وفقاً لعقلية ترامب «بورقة تفاوض» بيد واشنطن، لا لمفاوضة الحكومة السورية وإنما لمفاوضة روسيا ودول أخرى على مصالحها في سوريا، فهو كمن يريد أن يقول: لا يمكن أن يجري (بزنس) في سوريا من دون موافقتي». والأخطر من ذلك، هو أنه يحاول «ترسيخ مفهوم التقسيم من خلال استثناء المناطق الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية الكردية من نطاق تنفيذ القانون المذكور».
مزيد من المعاناة والتكاليف
يجزم العديد من الاقتصاديين بأن العقوبات المالية التي يتضمنها القانون هي الأخطر. فإلى جانب محاولة تجفيف الحوالات المالية الخارجية، تسعى الإدارة الأميركية إلى منع وصول أي مساعدات مالية أو قروض إلى الحكومة السورية، وإلى تقييد عمل المؤسسات المصرفية الرسمية، بما في ذلك قدرتها على تمويل المستوردات ومنح التسهيلات الائتمانية، وهذا بحسب ما قاله الأستاذ في كلية الاقتصاد في جامعة دمشق، الدكتور علي كنعان خلال ندوة علمية أقيمت أخيراً، سيكون له «تأثيره المباشر على سعر الصرف خاصة، وعلى الحركة الاقتصادية في البلاد عموماً».
يجزم العديد من الاقتصاديين بأن العقوبات المالية التي يتضمنها القانون هي الأخطر
وتميّز دراسة صادرة عن المرصد العمالي للدراسات والأبحاث، حملت عنوان «قانون قيصر والعلاقات السورية الأميركية»، بين نوعين من التداعيات الاقتصادية لتطبيق القانون. النوع الأول يتمثل في استمرار تطبيق عقوبات موجودة سابقاً، الأمر الذي يعني استمرار الأعباء السابقة وتقويتها، وتالياً تحمّل الحكومة السورية مزيداً من التكاليف الاقتصادية. والنوع الثاني، يفرض أعباءً اقتصادية جديدة لم تكن موجودة سابقاً، وهذا سينجم عن تطبيق عقوبات على شركاء سوريا الحاليين والمحتملين، لم تكن موجودة سابقاً.
في ضوء ذلك، ستكون الجهات الراغبة بالتعامل مع المؤسسات الحكومية مضطرة للبحث عن طرق وأساليب للالتفاف والتحايل على العقوبات الأميركية الجديدة، لكن هذا الأمر قد ينجح في بعض المجالات مقابل ارتفاع في قيمة التكاليف والنفقات، وقد لا ينجح في مجالات ثانية ولا سيما أن «هناك شركات أجنبية أو شركات موجودة في لبنان ستكون مجبرة على وقف تعاملاتها التجارية والمالية مع المؤسسات الحكومية تفادياً لتعرضها للعقوبات في حين أن هناك شركات أجنبية أخرى من روسيا أو إيران أو غيرها من الدول ستزيد من عمولتها بحجة ارتفاع مخاطر التعامل مع سوريا»، يقول الباحث محشي. كذلك يضيف أنه من بين التأثيرات السلبية الأخرى للعقوبات الجديدة «الاضطرار إلى التعامل مع أكثر من وسيط أو حلقة تجارية للتحايل على العقوبات، وهذا سيكون له تأثيره السلبي لجهة طول فترة التنفيذ وزيادة التكلفة المالية»، وتالياً ارتفاع حجم الخسائر الاقتصادية المترتبة على العقوبات والتي كان «المركز السوري لبحوث السياسات» قدّر نسبتها في عام 2013 بحوالى 28.3% من خسائر الناتج المحلي الإجمالي.
لا يُقارن بالحصار السابق!
على المقلب الآخر، يستغرب البعض من «التهويل الإعلامي» لقانون «قيصر» الذي وإن كان يتضمن فرض عقوبات اقتصادية جديدة إلا أنه لم يخرج عن دائرة ما تعرّضت له البلاد منذ بداية الأزمة الحالية، أو خلال فترة الثمانينيات من القرن الماضي، وتالياً عوضاً من التركيز على التأثيرات السلبية للقانون على الاقتصاد فإن الأولوية هي لمواجهته والتخفيف من آثاره.
وبحسب الاستشاري الدكتور هشام خياط فإنه «مع اقتراب موعد البدء بتطبيق قانون قيصر، يكثر الحديث عن آثاره وانعكاساته على الاقتصاد الوطني، وكأننا مقبلون على دمار أو هلاك اقتصادي، ومن دون أن نقلل من الآثار والمنعكسات، إلا أن المبالغة في التهويل ليست في مصلحة سوريا بشيء». ويضيف أن القانون «سلاح إعلامي وسياسي واقتصادي في آن معاً، وينبغي لمواجهته أولاً تعزيز البنيان الداخلي، أي العمل على زيادة مناعة الاقتصاد الوطني عن طريق التركيز على نقاط القوة وتحويل بعض نقاط الضعف إلى فرص للتحسين والتطوير».
وهذا ما يذهب إليه أيضاً الصناعيّ محمد السواح، والذي يحدد عدة خطوات يمكنها مساعدة البلاد على تجاوز مفاعيل القانون المذكور. أولى تلك الخطوات تكمن في الاستفادة من «القطاع الخاص المستثنى من عقوبات القانون المذكور لتطوير القدرات والإمكانات الإنتاجية الوطنية»، ولا سيما أن «للبلاد تجربة مماثلة في بداية التسعينيات حيث لم يكن هناك داعم خارجي، بينما اليوم هناك دول صديقة يمكن أن تدعم سوريا وتساعدها على إيجاد البدائل المناسبة لتجاوز مسألة العقوبات، كما أن إمكانات البلاد مختلفة عن السابق من بنية تحتية وموارد بشرية وتجهيزات تقنية، فمثلاً لم يكن يوجد في القطاع النسيجي خلال فترة التسعينيات إلا ما بين 100-200 ماكينة إلكترونية، أما اليوم فهناك 40 ألف ماكينة إلكترونية».
ويضيف في حديثه لـ«الأخبار» أن هناك «سوقاً قريبة يتراوح عدد مستهلكيها ما بين 100 إلى 200 مليون مستهلك يمكن لسوريا استثمارها خلال العامين المقبلين، وذلك لحين تمكنها من استعادة عافيتها الإنتاجية. وهذه السوق تضم كلاً من لبنان والعراق ودول الخليج وبعض دول الشمال الأفريقي». أما السوق الأوروبية فهي باتت في نظر الكثيرين خارج الحسابات السورية لأسباب اقتصادية بحتة، فهي من جانب لم تعد مضمونة للصناعيين والمنتجين الراغبين بشراء أي تجهيزات إذ مع أي قرار أميركي تصبح آلاتهم الأوروبية بلا صيانة أو قطع تبديل، فكيف الحال مع توفر البديل الأرخص في الصين مثلاً. ومن جانب آخر فإن بيانات التجارة الخارجية لعام 2019 تظهر الاعتماد المتزايد لسوريا على دول «الشرق» في تأمين احتياجاتها مقابل تراجع واضح للدول الأوروبية في قائمة الدول المورّدة إلى سوريا، وهي التي كانت قبل عام 2011 تمثل الشريك التجاري الأول.، إذ من بين أهم عشرين دولة منشأ استورد منها القطاع الخاص السوري في العام الماضي، كان هناك فقط ست دول أوروبية أبرزها ألمانيا التي احتلت المرتبة الثامنة بقيمة واردات إلى سوريا بلغت حوالى 95.7 مليون يورو، فإيطاليا في المرتبة الثانية عشرة بقيمة واردات قدرها 67.6 مليون يورو، ثم رومانيا في المرتبة الخامسة عشرة بحوالى 54.3 مليون يورو.
الاخبار
المصدر:
http://syriasteps.com/index.php?d=137&id=182987