على خلفية ذلك، أدْخلت واشنطن ثلاث دفعات من الأسلحة والمعدّات إلى
مناطق سيطرة «قسد» خلال الأيام العشرة الأخيرة. كما ضاعفت عدد دوريّاتها،
وتَوسّعت بها جغرافياً فيها لتصل إلى الرقة، في ما فُسّر على أنه تَوجّه
لإعادة التموضع في قواعد كانت انسحبت منها سابقاً، بعد عملية «نبع السلام»
التركية عام 2019. والظاهر أن «التحالف الدولي» بقيادة الولايات المتحدة
يحرص، إلى الآن، على عدم التوسّع في اتّجاه المناطق الحدودية المهدَّدة
بالعملية العسكرية، وإنّما يركّز جهوده نحو مدينة الرقة، البعيدة عن الحدود
التركية نحو 100 كم، لسببَين رئيسَين: الأوّل: عدم إثارة غضب تركيا؛
والثاني: استرضاء «قسد» بإقناعها بقدرة «التحالف» على حماية مناطق سيطرتها
من أيّ مخاطر. ومن هنا، سيّرت القوّات الأميركية أوّل دورية مشتركة بين
الرقة والحسكة منذ ثلاثة أعوام، فيما سُجّلت زيارة أميركية إلى سجن يضمّ
عدداً من عناصر تنظيم «داعش» في الرقة. وتَرافقت هذه الزيارات مع رفع العلم
الأميركي لأكثر من مرّة داخل مقرّ «الفرقة 17» شمال الرقة، في ظلّ حركة
نشطة لآليات هندسية متخصّصة بأعمال التحصين والبناء، وتسريب مواقع إعلامية
كردية معلومات عن بدء «التحالف» تجهيز مهبط للطائرات المروحية، ومبنى قيادة
وثكنة إقامة داخل مقرّ الفرقة، وعقْد اجتماعات مع قيادة «قسد» في منبج
وعين العرب، تمهيداً لعودة الأميركيين إلى قواعدهم. أيضاً، احتفى «التحالف»
مع قيادة «قسد»، هذا العام، بالذكرى الخامسة لـ«تحرير الرقة»، خلافاً
لغياب هذه الاحتفالات في السنوات التي أعقبت قرار الرئيس الأميركي السابق،
دونالد ترامب، الانسحاب من تلك المناطق، والاكتفاء بالانتشار في محيط حقول
النفط والغاز في ريفَي الحسكة ودير الزور.
أدْخلت واشنطن ثلاث دفعات من الأسلحة والمعدّات إلى مناطق سيطرة «قسد» خلال الأيام العشرة الأخيرة
ولا
يبدو الحديث عن عودة واشنطن إلى مدينة الرقة مستغرَباً، في ظلّ رمزية
المدينة بالنسبة إلى الأميركيين الذين يَعتبرون أنهم حقّقوا نصراً
استراتيجياً بالقضاء على «عاصمة الخلافة» فيها، وتَوفّر الظروف الميدانية
لذلك بالنظر إلى أن المدينة لم تشهد أيّ انتشار روسي أو حكومي سوري على
عكْس مدينتَي عين العرب ومنبج في ريف حلب، فضلاً عن أن قاعدة «التحالف»
الرئيسة فيها بَقِيت موجودة بعد انسحابه منها، في وقت ورثت فيه روسيا
غالبية القواعد الأميركية في عموم ريف حلب، باستثناء قاعدتَي مشتى نور في
عين العرب، ومعمل لافارج في بلدة الجلبية، تطبيقاً لـ«اتفاق سوتشي» آنذاك.
مع هذا، ترى مصادر ميدانية مطّلعة، في حديث إلى «الأخبار»، أن «عودة
التحالف إلى قواعده السابقة بالكامل، غير ممكنة، ولا تتناسب مع الواقع
الميداني الجديد، في ظلّ تواجد الجيش السوري والقوات الروسية على كامل
الشريط الحدودي»، مستدرِكةً بأن «التحالف يتحرّك بالفعل في الرقة، لجملة من
الأهداف، تتعلّق بالخشية من أيّ تمدّد حكومي أو روسي باتّجاه مدينة الرقة،
التي يَعتبرها الأميركيون أهمّ نصر حقّقوه على داعش، خلال ثماني سنوات من
التواجد العسكري في سوريا». وتوضح المصادر أن «التحرّكات الأميركية داخل
الفرقة 17، قد لا تعني إعادة تمركز كامل في القاعدة»، متوقّعةً أن «يعمد
التحالف إلى تأسيس مهبط للمروحيات فقط داخل مقرّ الفرقة، يضمن له إمكانية
تنفيذ عمليات ضدّ خلايا داعش في أيّ لحظة، خاصة في ظلّ المخاوف من شنّ هجوم
للأخير على سجن يحوي العشرات من عناصره في المدينة». وتَلفت إلى أن
«التحالف يريد استغلال ذريعة ملاحقة خلايا داعش، لاتّخاذ بعض الخطوات
المعنوية تجاه قسد، بهدف إقناعها بأن العلاقة معه هي الضمان الوحيد لحماية
المنطقة من أيّ هجمات»، معتبرةً أن «واشنطن لا تزال تحتاج إلى قسد،
لاستحالة الحفاظ على تواجدها في سوريا من دون وجود حليف محلّي».
المصدر:
http://syriasteps.com/index.php?d=110&id=193739