لم يكن الأسد في ذلك الوقت يتوقع أن يكون التآمر على سوريا بهذا الحجم، وعلى مدى ست سنوات، كانت المواجهة قاسية جداً، وجاء الدعم للأسد من حلفائه في لبنان والعراق وإيران، ما منع سقوط الدولة السورية، قبل أن يأتي الدعم الروسي ليفتح الباب أمام استعادة المناطق التي سيطر عليها المسلحون. وخلال تلك الفترة، كانت المفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة، عبارة عن مضيعة للوقت، ولم تفد بشيء على الإطلاق، بل ربما كان لها دورها في تسعير الحرب في سوريا. مضت السنوات، وتصرف الجميع على أن مشروع إسقاط الدولة السورية ونظامها هو الذي سقط. والحصار الذي تعزز بعدما توقف إطلاق النار في مناطق واسعة من سوريا، ترافق مع تعزيز الاحتلال الأجنبي المباشر عقب فشل الوكلاء المحليين في إدارة الأمور. وهذا ما جعل الاحتلال الأميركي يثبت قواعد ويعزز واقع المجموعات الكردية الانفصالية، فيما اجتاح الأتراك مناطق الشمال الغربي من سوريا.
خلال السنوات القليلة الماضية، انطلقت موجة من الاتصالات بين عواصم عربية وإقليمية وغربية مع سوريا، مباشرة أو من خلال وسطاء، وتفعلت هذه الاتصالات بعد الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا وتركيا. وهو أمر يؤكده مرجع كبير في دمشق بقوله: «يتواصلون معنا سراً، لكنهم يخافون الغضب الأميركي، نحن لا نحمّل أحداً أكثر مما يحتمل، لكن أحداً لا يمكن أن يفرض علينا شروطاً. ما واجهناه خلال عقد كامل، لا يقدر كل هؤلاء على تحمله، وقد صمدنا، ودورنا العربي نحن من صنعناه».
وسبق للرئيس السوري بشار الأسد أن صارح قادة عرباً وموفدين ووسطاء، في الفترة الأخيرة، بأن «سوريا لا تخوض معركة العودة إلى الجامعة العربية. وسوريا لا ترفض دعوتها إلى أي قمة أو اجتماع عربي، لكنها غير مستعدة لمقايضة هذا الأمر بأي شيء يمس ثوابتها». ونقل عن الرئيس السوري قوله «إن دمشق هي من يملك حق أن يسامح دولاً وجماعات كانت طرفاً كبيراً في الحرب وشريكة في سفك الدماء العربية. وسيكون من الخطأ أن يفكر أحد بأن سوريا مستعدة للحديث مع أي دولة حول وضعها الداخلي، وهي لا تقبل بأي وساطة بينها وبين أي سوري يريد العودة إلى بلده وفق شروطه. لا مجال لأي تفاوض حول المسألة السورية الداخلية».
خلال الشهرين الماضيين، دارت محركات الوسطاء بقوة كبيرة. حاولت دولة الإمارات العربية لعب دور خاص. لكنها كانت محكومة بالسقف الأميركي من جهة والسقف السعودي من جهة أخرى، بينما تولت سلطنة عمان التوسط بين دمشق ودول كبيرة، منها السعودية وحتى الولايات المتحدة. فيما كانت روسيا وإيران تديران وساطة مع تركيا. حتى العواصم العربية الفاعلة تحركت ولو من دون خطوات كبيرة. مثل مصر التي تريد تنسيق خطواتها مع السعودية، أو الجزائر التي لا تملك النفوذ الذي كان لها في وقت سابق.