سيرياستيبس :
تتوسّع كتلة البريكس المكونة من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، وتقوم ببناء بنية اقتصادية جديدة لتحدي هيمنة الدولار الأمريكي. إحدى أهم المؤسسات التي أنشأتها مجموعة البريكس هي بنك التنمية الجديد NDB الموجّه نحو الجنوب العالمي كبديل عن البنك الدولي، الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة بشكل أساسي. في آذار 2023 استقبل بنك التنمية رئيسته الجديدة ديلما روسيف، والتي شددت على أنّ أهداف بنك التنمية هي تمويل «استثمارات البنية التحتية» و «مساعدة أعضائنا في مكافحة الفقر وخلق فرص العمل وتعزيز التنمية المستدامة بيئياً». كما رحبت بالعديد من الدول الأخرى للانضمام إلى البنك.
ترجمة: قاسيون
يشمل أعضاء بنك التنمية الجديد
دول البريكس الخمس، بالإضافة إلى بنغلاديش والإمارات المتحدة ومصر،
وأوروغواي بالفعل في طريقها إلى الانضمام. كشفت روسيف في الأول من حزيران
عن أنّه تمّت الموافقة على ثلاث دول أخرى كأعضاء جدد: الأرجنتين والسعودية
وزيمبابوي. وقالت روسيف: إنّ قيادة بنك التنمية الجديد وافقت على طلب عضوية
هذه الدول، وسيتم الإعلان عن القرار رسمياً في آب في قمة رؤساء دول
البريكس التي ستُعقد في جنوب إفريقيا.
في 30 و31 أيّار عقد بنك التنمية
الجديد اجتماعه السنوي– وهو الاجتماع الثامن منذ بدأ عملياته في 2015.
استغلت روسيف المناسبة الخاصة للتأكيد على أنّ هدف بنك التنمية هو التخلّص
من الدولرة في نهاية المطاف. الهدف قصير الأجل هو تقديم 30٪ من قروض بنك
التنمية الوطني بالعملات المحلية. ستكون هذه زيادة عن المعدل الحالي بنسبة
22٪. وكانت روسيف قد أعلنت في نيسان لأول مرة، بأنّ بنك التنمية يخطط
للتحول بعيداً عن الدولار، وتعهدت بتمويل ما يقرب من ثلث دفتر قروضها
بعملات الدول الأعضاء بحلول 2026.
من خلال تنويع استخدام العملات، لا
يسعى بنك التنمية الجديد إلى تقليص اعتماد الكتلة على الدولار فقط، بل يأمل
أيضاً في مساعدة البلدان النامية على تجنّب التقلبات المؤلمة في أسعار
الصرف. الدولار الأمريكي هو العملة الاحتياطية العالمية، لذا فإنّ السياسة
النقدية المحليّة لواشنطن لها تأثير على الاقتصاد العالمي «ظاهرة تُعرف
باسم معضلة تريفين». منذ آذار 2022 رفع البنك الفدرالي الأمريكي أسعار
الفائدة بقوة، وأدّى هذا إلى ضغط هبوطي على عملات العديد من دول الجنوب
العالمي، ممّا جعل استيراد المنتجات الأجنبية وسداد الديون المقومة
بالدولار أكثر تكلفة، مع تأجيج هروب رأس المال. يبدو حديث روسيف ذا صلة
عندما قالت: «نحن بحاجة إلى إنشاء نظام عملات عالمي متنوّع. في المستقبل من
غير المحتمل أن تهيمن عملة واحدة على نظام العملة العالمي. سنرى المزيد من
العملات المحلية المستخدمة في تسوية التجارة».
لكنّ هذا ليس حديثاً
حالماً وحسب، فقد أصدر بنك التنمية الجديد بالفعل سندات مقومة بعملة الصين:
الرنمنبي. في الاجتماع السنوي لبنك بريكس قال نائب رئيس مجلس الدولة
الصيني دينغ تشيوشيانغ: إنّ بنك التنمية مصمم لخدمة الاقتصادات الناشئة
بشكل أفضل من خلال تمويل المزيد من إنشاء البنية التحتية والمشاريع
المستدامة. تمّ الاعتراف بحقيقة أنّ العالم يتحول إلى نظام عملة متعدد
الأقطاب، حتى من قبل بعض وسائل الإعلام الغربية الرئيسية ومحلليها. ناشد
جيليان تيت، رئيس هيئة تحرير فايننشال تايمز، المستثمرين في آذار كي
«يستعدوا لعالم متعدد الأقطاب». كتب الاقتصادي البارز زولتان بوزار بأنّ
«عصر القطب الواحد للهيمنة الأمريكية قد انتهى». أشار بوزار- الذي تصفه
الصحافة المالية بالنجم- إلى أنّ «وتيرة إزالة الدولرة قد تسارعت» مع تزايد
عدد الدول التي تتعامل مع البريكس بعملات دولها الخاصة. كان بوزار واضحاً
في تحذيره بأنّ تحرير فواتير أقل باستخدام الدولار الأمريكي، وإعادة تدوير
متضائلة لفوائض الدولار في الأصول التقليدية، مثل: سندات الخزينة، سيعني
بأنّ «الامتياز الباهظ» الذي يحتفظ به الدولار كعملة احتياطية دولية قد
يتعرض للهجوم.
على عكس البنك الدولي، بنك
التنمية الجديد مؤسسة متعددة الأطراف حقاً، وليس مؤسسة تهيمن عليها قوة
منفردة. نصت الاتفاقية التأسيسية لعام 2014 على أنّ «رأس المال المكتتب
الأولى لبنك التنمية الجديد يجب أن يوزع بالتساوي بين الأعضاء المؤسسين...
وأنّ قوة التصويت لكل عضو يجب أن تتساوى مع حصصه المكتتب بها في رأس مال
البنك». لا يوجد بلد لديه حقّ النقض في بنك التنمية، ويتم انتخاب رئيس
البنك من أحد الأعضاء المؤسسين على أساس التناوب، ويجب أن يكون هناك نائب
رئيس واحد على الأقل من جميع الأعضاء المؤسسين الآخرين.
البنك الدولي
مختلف كلياً. يتم التحكم في هذه المؤسسة بشكل أساسي من قبل الولايات
المتحدة، ويقع مقرها الرئيسي في واشنطن العاصمة. يذكر البنك بوضوح على
موقعه على الإنترنت بأنّ الولايات المتحدة «تبقى أكبر مساهم في مجموعة
البنك الدولي اليوم... بصفتها المساهم الوحيد في مجموعة البنك الدولي، الذي
يحتفظ بحق الفيتو على تغييرات معينة في هيكل البنك. الولايات المتحدة تلعب
دوراً فريداً في التأثير على أولويات التنمية العالمية وتشكيلها». ويمضي
موقع البنك بالاعتراف، بأنّ رئيس البنك الدولي لطالما كان مواطناً أمريكياً
ترشحه الولايات المتحدة.
تمتلك الولايات المتحدة اليوم 15.81٪ من قوة
التصويت في ذراع الإقراض لمجموعة البنك الدولي. تحتل اليابان المرتبة
الثانية بقوة تصويتية 7.22٪ على الرغم من أنّ عدد سكان الصين يبلغ أربعة
أضعاف عدد سكان الولايات المتحدة، إلا أن نصيب الصين من الأصوات يبلغ 5.60٪
فقط. ألمانيا 4.30٪، وبريطانيا 3.81٪. الهند التي يزيد عدد سكانها عن 1,4
مليار نسمة، مساوية لفرنسا التي يبلغ عدد سكانها أقل من 66 مليون نسمة،
ولكل منهما 3.81٪ من قوة تصويت البنك الدولي. لدى روسيا 2.88٪ وكندا 2.56٪
وإيطاليا 2.50٪.
يعمل البنك الدولي كنوع من المؤسسات الاستعمارية
الجديدة التي تسيطر عليها القوى الغربية. إنّه ليس البنك الدولي بقدر ما هو
بنك واشنطن. يعمل البنك إلى جانب شقيقه صندوق النقد الدولي الذي تهيمن
عليه الولايات المتحدة، والمشهور بسمعته السيئة في محاصرة بلدان الجنوب
العالمي. عندما تكون البلدان غير قادرة على السداد للبنك الدولي أو صندوق
النقد الدولي، يتم فرض سياسات نيوليبرالية قاسية كجزء من برنامج «التعديل
الهيكلي» الذي يطلب إلى الحكومة قطع الخدمات الاجتماعية، وخفض الأجور، وخفض
معاشات التقاعد، وخفض الإنفاق على الرعاية الصحية والتعليم، وإنهاء
الإعانات، وخصخصة الشركات المملوكة للدولة، وتحرير الأسواق.
وصف
المستشار السابق جون بيركنز في كتابه «اعترافات قاتل اقتصادي» البنك الدولي
بأنّه وكيل إمبراطورية عالمية يساعد على خداع البلدان الفقيرة في الجنوب
العالمي بتريليونات الدولار، ليعمل بعدها على وضع المال في خزائن الشركات
الضخمة، وجيوب عدد قليل من العائلات الثرية التي تتحكم في موارد الكوكب
الطبيعية. لهذا فتوسّع البديل: بنك التنمية الجديد، وانضمام دول إضافية
إليه يعني بأنّ سلطة البنك الدولي تتراجع وقدرة الولايات المتحدة على
الهيمنة تتقلّص.
المصدر:
http://syriasteps.com/index.php?d=110&id=195669