سيرياستيبس
هناء غانم :
يبدو أن إعداد الخريطة الاستثمارية الزراعية للغوطة الشرقية في ريف دمشق بات قاب قوسين أو أدنى، وأن ما جاء خلال الجلسة الحوارية التي أقامها المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة «أكساد» بالتعاون مع وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة «الفاو» يؤكد أهمية ذلك وخاصة أن الهدف النهائي من إعداد هذه الخريطة هو الوصول إلى نموذج تنموي شامل يمكن تعميمه على جميع المناطق السورية وفق خصوصية كل منطقة لتحقيق التنمية المستدامة فيها وبالتالي يعود بالفائدة على الفلاحين، ويشير إلى أن العمل يبدأ من تحليل خرائط تصنيف وتحديد التربة والمياه ووضع أنواع الزراعات الملائمة مع الحفاظ على عوامل الجودة والمواصفات القياسية لمنتجات هذه الأراضي.
وشرح وزير الزراعة محمد حسان قطنا عن الخريطة الاستثمارية الزراعية موضحاً أنها تأتي ضمن مشروع «يداً بيد» الذي أطلقته منظمة الفاو على مستوى العالم، لاستهداف المجتمعات المحلية بهدف تطوير الممارسات الزراعية، وإقامة نماذج تنموية تحقق الأمن الغذائي وبرامج التنمية المستدامة في كل بلد، موضحاً أنه تم اختيار منطقة الغوطة الشرقية بريف دمشق لتطبيق المشروع الذي بدأ تنفيذه عام 2021 بالتعاون بين منظمة الفاو والاستشعار عن بعد، وتم تنفيذ المرحلة الأولى منه، والآن ننفذ المرحلة الثانية بالتعاون مع المركز العربي أكساد، وذلك بهدف إقامة نموذج تنموي لإدارة الموارد الطبيعية الموجودة في المنطقة من أراضٍ ومياه واستثمار للآبار وتوظيف هذه الموارد في خدمة الفلاحين وتثبيتهم في الأرض ووضع الممارسات الزراعية المثالية التي يجب تطبيقها للوصول إلى تحقيق أعلى كفاءة اقتصادية لاستثمار الموارد الأرضية ضمن دورات زراعية نمطية تعطى للفلاحين بإدارة المهندسين الزراعيين والخبراء من منظمتي أكساد والفاو وبالتعاون مع الباحثين في وزارة الزراعة.
وأضاف قطنا أن أهمية القطاع الزراعي ليست في أن نزرع فقط لأن أي فلاح وأي شخص قادر أن يزرع اليوم، إنما علينا اعتماد واستخدام تقنيات زراعية حديثة، لافتاً إلى أن المشكلة الحقيقية التي يجب أن نسعى لحلها اليوم هي إدارة الإنتاج وكيف يمكن أن ننتج منتجاً زراعياً بكلفة اقتصادية قليلة وكيف يمكن أن نصل إلى تحقيق الاستدامة في ظل وجود موارد شحيحة وخاصة أنه لم يعد لدينا القدرة على التوسع بالأراضي الزراعية نظراً للشح الموجود بالأراضي الزراعية ووجود تحديات كبيرة أهمها الجفاف الذي بات يلازمنا بعد أن كان يأتي كل سبع سنوات سنة جفاف واحدة، لذلك لابد من استثمار الموارد بشكل علمي بالتعاون والتكامل مع المنظمات والهيئات الدولية المهتمة بالشأن الزراعي والعاملة في سورية..
تحديات الزراعة العربية
المدير العام لمنظمة «أكساد» د. نصر الدين العبيد قال إن قضية التنمية الزراعية تشكل محوراً مهما من محاور التنمية البشرية والاقتصادية لجميع دول العالم، وخاصة في ظل التغيرات المناخية التي ترخي بظلالها على كامل مساحة الوطن العربي وما يشكله ذلك من تحديات تواجه الزراعة العربية، إضافة إلى الأزمات الداخلية والحروب التي تعاني منها المنطقة.
وأشار العبيد إلى ضرورة ابتكار وتطوير تقانات وحلول تساهم في إعادة الدور الهام الذي تتميز به الغوطة الشرقية، وإعادة الاستقرار إلى المنطقة ونسيجها الاجتماعي، من خلال تضافر جهود خبراء أكساد وخبراء منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة والشركاء في كل القطاعات التنموية التي ستساهم في تحقيق الأهداف المرجوة.
وفي تصريح لـ«الوطن» أكد العبيد: إن الأحداث المريرة والحرب الظالمة التي تعرضت لها سورية وما أحدثته من تغيرات في الأنشطة الزراعية، ناهيك عن المنعكسات السلبية للتغيرات المناخية ودورات الجفاف المتكررة التي عصفت بالمنطقة، أدت إلى تراجع في الدور الإنتاجي والاقتصادي للقطاع الزراعي السوري عموماً ولهذه البقعة الزراعية المهمة خصوصاً، ما يتطلب منا ابتكار وتطوير تقانات وحلول تساهم في إعادة الدور الهام الذي تضطلع به الغوطة الشرقية في تنمية القطاع الزراعي السوري، لافتاً إلى أهمية التنمية الزراعية في التنمية نظراً لما توفره من أمن غذائي واستقرار اجتماعي، ومن دعم وتطوير قطاعات الاقتصاد المختلفة، وتكتسب القضية بعداً أعمق في المنطقة العربية التي تعاني من عجز غذائي كبير، في ظل التغيرات المناخية التي ترخي بظلالها على كامل مساحة الوطن العربي وما يشكله ذلك من تحديات تواجه الزراعة العربية، إضافة إلى الأزمات الداخلية والحروب التي تعاني منها المنطقة.
وأضاف إن منظمة المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة أولت منذ وقت مبكر، تحليل الواقع الزراعي العربي الأهمية التي يستحقها، ووضعت الرؤى والتصورات العملية للنهوض بالواقع الزراعي بالتعاون مع وزارات الزراعة في الدول العربية، ونفذت العشرات من المشاريع التنموية، وحققت الكثير من قصص النجاح في مجال التنمية الزراعية، معتمدة على حزمة مبتكرة من الحلول التقنية التطبيقية في العديد من المجالات منها تحسين استثمار الموارد المائية والارضية، وتحييد تدهور الأراضي ومكافحة التصحر، وتوفير بذار الحبوب المحسنة والملائمة لمختلف البيئات الجافة، ولاسيما بذار حبوب القمح والشعير، حيث حققت أصناف أكساد نجاحاً وتفوقاً كبيراً في حقول المزارعين في مختلف الدول العربية، إضافة إلى نشر عدد من أصناف الأشجار المثمرة المتأقلمة مع الظروف المناخية السائدة.
واكد أنه بما يخص الثروة الحيوانية يعمل خبراء أكساد على تطوير إنتاجية الأغنام والماعز والإبل، حيث تم تحقيق نتائج جوهرية في زيادة إنتاجية الوحدة الحيوانية من الحليب واللحم عبر برامج التحسين الوراثي وتطوير طرائق التغذية والرعاية، ولم يغب عن نشاطات أكساد موضوع تطوير تربية النحل الذي يلعب دوراً جوهرياً في زيادة الإنتاج الزراعي وتحسينه، حيث قام خبراء المنظمة بإعداد مشروع عربي حول تكيف نحل العسل مع التغيرات المناخية.
القضاء على الجوع والفقر
بدوره ممثل منظمة الفاو بدمشق طوني العتل أكد أهمية الورشة لمناقشة السبل التي يجب اللجوء إليها واستخدامها من أجل وضع هذه الخطة الاستثمارية، وذلك بالتشاور مع أكساد الشريك في هذه الورشة وفي العمل نفسه، وأصحاب الخبرات والمصلحة للوصول إلى اعتماد خطة نهائية يبنى عليها العمل الميداني في وقت لاحق. موضحاً أن مبادرة( يداً بيداً) التي أطلقتها (الفاو) تهدف لتحسين وتسريع الاستثمار في القطاع الزراعي، وتحقيق الاستدامة وفي تصريح لـ«الوطن» أكد ممثل الفاو على أهمية الاستثمار في المجال الزراعي. باعتباره يحقق هدفين تنمويين الأول يتمثل بالقضاء على الجوع، والثاني القضاء على الفقر. معتبراً أن تنفيذ هذه المبادرة أو غيرها مرهون بقدرات فريق العمل الوطني الذي يجب أن يكون قادراً على تنفيذ العمل في العديد من الأماكن ضمن سورية، مؤكداً التزام منظمة الفاو واستعدادها لتقديم الدعم الفني لكل الشركاء لما فيه من أهمية لدعم القطاع الزراعي.
قرنفلة: مقترحات قابلة للتطبيق
وفي سياق متصل تحدث رئيس فريق عمل منظمة (أكساد) المهندس عبد الرحمن قرنفلة عن آلية العمل المرتقبة خلال مشروع مبادرة الغوطة الشرقية، مبيناً أنه سيتم تقييم الوضع الراهن والانطلاق بالتعاون مع المزارعين ومربي الثروة الحيوانية وكل الجهات المعنية، مبيناً أنه سيتم إجراء مسح حقلي على أرض الواقع، من خلال زيارة نقاط محددة، ثم الاتفاق عليها خلال الجلسة وتدقيقها على أرض الواقع وصولاً إلى وضع تصور يتضمن مقترحات قابلة للتطبيق لتعيد الغوطة ليس كما كانت بل أفضل بكثير، مشيراً إلى أن خبراء أكساد لديهم المعرفة والخبرة في إعداد خرائط مماثلة، حيث سبق أن أنجزوا خريطة استثمارية لـ 12 مليون هكتار في إحدى الدول العربية.
رفد العملية الزراعية
مدير زراعة ريف دمشق المهندس عرفان زيادة أشار إلى الصعوبات التي يعاني منها الفلاحون والحلول المقترحة ليتم وضع التدخلات ضمن هذا المشروع، ورفد العملية الزراعية وتطويرها وتنميتها في الغوطة الشرقية لما لهذه المنطقة من أهمية زراعية على مستوى محافظة دمشق وعلى مستوى القطر، منوهاً بأن أعداد الثروة الحيوانية كبيرة في ريف دمشق إضافة إلى مساحات الأراضي الزراعية.
محمد الخليف رئيس مكتب الشؤون الزراعية في اتحاد الفلاحين أكد لـ«الوطن» أننا كاتحاد نسعى إلى التركيز على النهوض بالقطاع الزراعي وفق توجهات الحكومة وتحسين ودعم الإنتاج وتأمين مستلزمات العملية الزراعية والفلاحون سباقون للقيام بالعملية الزراعية وتأمين الأمن الغذائي للجميع وبهذا المشروع سوف نعمل على تحسين وتطوير الإنتاج.