اكتشفنا مع بداية عام 2024 أن حكوماتنا المتعاقبة منذ بدايات هذا القرن، وتحديداً بعد فرض العقوبات والحصار على سورية، غير مهتمة لا بالتوجّه شرقاً، ولا بالانضمام إلى التجمعات الاقتصادية الجديدة المناوئة لسيطرة الدولار على اقتصادات العالم. وبدا لافتاً رغبة 13 دولة في العام الماضي بالانضمام إلى مجموعة بريكس التي تأسّست عام 2006، من روسيا والصين والهند والبرازيل، وانضمت إليها جنوب أفريقيا في عام 2011، وهدفها الرئيسي زيادة العلاقات الاقتصادية فيما بينها بالعملات المحلية، أيّ إزاحة الدولار في مبادلاتها التجارية.
ويكفي هذا الهدف كي يُحفّز سورية على الانضمام إلى تكتل بريكس. وإذا كانت حكومة 2003 – 2011 انشغلت بتطبيق نهج السوق الليبرالي المتوحش، وتتباهى باحتياطي من القطع الأجنبي لا يقلّ عن 17 مليار دولار، لم تكترث أو تهتمّ بالتوجّه شرقاً، أو بالانضمام إلى تكتلاته الاقتصادية كبريكس، فماذا منع الحكومات المتعاقبة، منذ عام 2011، من التوجّه شرقاً، وبترجمة هذا التوجه بالأفعال، أي بالانضمام إلى مجموعتي بريكس وشنغهاي؟
لقد بدأ سعر صرف الليرة بالتدهور منذ عام 2011، ووصل بعد ارتفاع نسب
التضخم إلى مستويات غير مسبوقة في العام 2023. ومع ذلك، لا تزال حكومتنا
تتريث أو لنقل متردّدة بالانضمام إلى بريكس الذي سيحرّرها من الدولار..
فلماذا؟
لقد أكد وزير المال السوري في تصريحات لوكالة “سبوتنيك”، يوم 16/ 6/ 2023،
بأن “دمشق تعتزم التقدم بطلب الانضمام إلى بريكس ومنظمة شنغهاي”، وها قد
مضى أكثر من ثمانية أشهر دون تقديم طلب الانضمام إلى المنظمتين، والسؤال
المحيّر فعلاً: لماذا؟
لقد أعلن قادة مجموعة بريكس في 24/ 8/ 2023 فتح باب العضوية أمام ست دول
جديدة، اعتباراً من العام 2024، إلى نادي بريكس الذي يضمّ أكبر التكتلات
السكانية في العالم، وتوقعنا بعد تصريح وزير المالية أن تكون سورية في عداد
الدول الست، لكنها لم تكن، فحكومتها لا تزال تدرس قرار الانضمام، أو تتريث
بتقديم الطلب، أو ربما غير مهتمة بالأساس، لأنها لا تزال تراهن بضغط من
“المتنفذين” على عودة علاقاتها الاقتصادية مع الغرب، وإلا ما الذي يمنعها
من الانضمام كما فعلت إيران ومصر والسعودية؟
نعم.. اتفقت دول بريكس في قمتها السنوية في جوهانسبورغ، بتاريخ 24/8/2023
على منح الأرجنتين وإثيوبيا وإيران والمملكة العربية السعودية ومصر
والإمارات العربية المتحدة، العضوية الكاملة اعتباراً من الأول من كانون
الثاني 2024، أيّ كان أمام الحكومة السورية أكثر من أربعة أشهر للتقدم بطلب
انتساب لمجموعة بريكس لكنها لم تفعلها، والسؤال دائماً بلا إجابة: لماذا؟
أليس غريباً ألا تستثمر سورية علاقتها الإستراتيجية مع روسيا والصين،
وصداقتها مع جنوب أفريقيا، لتصبح عضواً أصيلاً في تجمع يُشكّل ربع اقتصاد
العالم؟
نعم، تسعى الصين وهي أبرز دول المجموعة، وثاني أكبر اقتصاد في العالم، إلى
توسيع بريكس في خضم منافسة اقتصادية مع الولايات المتحدة الأمريكية، فلماذا
تأخرت سورية بالانضمام إلى هذه المنافسة لتحقيق هدفين اثنين على الأقل:
التحرر من الحصار والعقوبات، والتبادل التجاري بالعملات المحلية مع ثاني
التكتلات الاقتصادية في العالم؟
وإذا كانت مصر ترى “أن انضمامها إلى تجمع بريكس بشكل رسمي في بداية العام
2024، بمثابة تأكيد على قوة العلاقات الاقتصادية والسياسية بين مصر ودول
التكتل، ومؤشر على مكانة مصر الاقتصادية والجيوسياسية في منطقة الشرق
الأوسط وشمال أفريقيا”، فإن موقع سورية لا يقلّ أهمية في المنطقة وهي عقدة
رئيسية في طريق الحرير الجديد، وزادت أهميتها بعد الإعلان عن “الممر
الهندي”، وهو مشروع أمريكي صرف ضد المشروع الصيني “الحزام والطريق”.
ومن اللافت جداً أن يصل حجم تجارة مصر مع دول بريكس إلى 31.2 مليار
دولار في عام 2022، في حين لم تكشف وزارة الاقتصاد عندنا عن حجم تجارتنا مع
دول بريكس، مع أننا نجزم لو أن التبادل التجاري كبير مع دول البريكس، لكان
من مصلحتنا الانضمام للمجموعة للاستغناء عن التعامل بالدولار.
كما لفتنا اهتمام إيران بتكتل بريكس وأكدت بعد انضمامها رسمياً في مطلع
العام 2024 أنها (مهتمة بإنشاء عملة موحدة لمجموعة “بريكس”، وإلغاء استخدام
الدولار في التبادلات التجارية بين الدول الأعضاء في المجموعة)، تُرى أليس
هذا الهدف سبباً كافياً لتسرع حكومتنا بالانضمام إلى بريكس خلال الأشهر
القليلة القادمة؟
ويكفي أن مجموعة بريكس ستؤدي دوراً مهماً في قطاع الطاقة وتحديداً في إنتاجها ونقلها واستهلاكها وفي التقنيات الجديدة، وفي الطيران كي تُحفّز سورية على الانضمام إليها، ومع ذلك لا تزال حكومتها متردّدة ومتريثة.. فلماذا؟
الخلاصة: تقدّمت عشرون دولة بطلب رسمي للانضمام إلى مجموعة بريكس التي تمثل ربع الاقتصاد العالمي وأكثر من ثلاثة مليارات نسمة، وجميعها متحمّسة للتحرر من قبضة الدولار، والهيمنة الأمريكية على اقتصاداتها، والسؤال: متى ستعلن الحكومة السورية عن قرار انضمامها إلى تكتل بريكس العالمي، كما فعلتها دول أخرى تتباهى ولا تزال بعلاقتها مع الأمريكان؟
المصدر:
http://syriasteps.com/index.php?d=110&id=198039