سيرياستيبس
كتب الاعلامي علي عبود :
لم تجد اللجنة الاقتصادية من آليات لضبط سوق المحروقات سوى رفع سعر مادة المازوت، مع علمها المسبق أن من سيتحمّل آثار هذا الرفع هم ملايين العاملين بأجر، وخاصة ما يتعلق بالسلع الغذائية التي بدأت تختفي أساسياتها عن موائدهم، بما فيها الأكلات الشعبية. كما لم تجد اللجنة الاقتصادية من آلية فعّالة لدعم القطاع الزراعي سوى رفع طن سماد الفوسفات بمبلغ 400 ألف ليرة واليوريا بـ 300 ألف!!
وبعد هذين القرارين، لن ينتظر التجار والمنتجون والمستوردون طويلاً لإعادة النظر بتكلفة منتجاتهم المصنّعة محلياً أو المستوردة وفق التسعيرة الجديدة للمازوت والأسمدة، وهذا يعني أن ملايين العاملين بأجر يتساءلون منذ الآن: ماذا سنفعل مع “الهبّة” الجديدة للأسعار القادمة والتي ستشمل الغذاء والنقل وكلّ ما له علاقة بالمازوت والأسمدة؟
والسؤال الذي لم تجب عليه اللجنة: هل سيلغي رفع أسعار المازوت والأسمدة السوق السوداء، وسيوفر الدعم للمنتجين في القطاعين الزراعي والصناعي؟
الأولوية للرفع أم الدعم؟
قطعاً، لم يتفاجأ الكثيرون برفع الأسمدة والمازوت، ولا برفع أسعار أيّ مواد أخرى قادمة سريعاً، طالما أن أعضاء اللجنة الاقتصادية الفاعلين مستمرون في الحكومة الجديدة، ولكن المستجد في الأمر أن هناك وزراء يُعارضون “الرفع” ويؤكدون على أولوية دعم الإنتاج والعاملين بأجر.
وهذا يعني أن جدلية “الأولوية لرفع الأسعار أم لدعم الإنتاج” لا تزال مستمرة، ولن تُحسم سريعاً لصالح دوران عجلات الإنتاج الوطني الكفيلة وحدها بتحقيق النمو وتحسين سعر الصرف الذي سيؤدي حتماً إلى تأمين الاحتياجات الأساسية لملايين العاملين بأجر، وقطعاً لو كان لدينا خطط اقتصادية واجتماعية مبرمجة مادياً وزمنياً، لكان الوضع مختلفاً جذرياً.
من ناقش نتائج الرفع؟
من السهل أن ترفع الحكومة استناداً لتوصية اللجنة الاقتصادية سعر ليتر المازوت المدعوم من 2000 ليرة إلى 5000 ليرة، وسعر المازوت الموزع على المنشآت الصناعية والزراعية من 8000 ليرة إلى سعر التكلفة، لكن الصعب هو أن تجيب اللجنة الاقتصادية على سؤالين:
الأول: هل رفع الأسعار سيقضى على سوق المازوت الأسود؟
والثاني: هل الأوضاع المادية لملايين العاملين بأجر تسمح لهم بتحمّل زيادات الأسعار التي ستطال كلّ السلع والمنتجات والخدمات؟
البعض من الوزراء طالب في اجتماع مجلس الوزراء بزيادة الرواتب بالتوازي مع رفع سعر المازوت، لكننا نؤكد أن أيّ زيادة تسمح بها الموارد المالية “الفائضة” لن تغطي سوى نسبة قليلة جداً من “هبّة” الأسعار الجديدة التي ستشهدها الأسواق سريعاً في القادم من الأيام!.
ومن السهل أيضاً أن توافق الحكومة على توصية اللجنة الاقتصادية، فترفع سعر طن سماد اليوريا من 8.9 ملايين ليرة إلى 9.2 ملايين، وأن ترفع طن سماد الفوسفات بمقدار 400 ألف ليرة، لكن من الصعب على اللجنة الاقتصادية أن تكشف لنا نتائج هذا “الرفع” على القطاع الزراعي، والسؤال: ألا تعرف الحكومة أن عدداً كبيراً من الفلاحين يهجرون زراعة المحاصيل الأساسية لارتفاع تكلفة زراعتها لصالح الزراعات الاستوائية؟.
وقد شهد الموضوع نقاشاً موسعاً وتبايناً في وجهات النظر بين عدد من الوزراء، تركزت على ضرورة الاستمرار بدعم القطاع الزراعي ومدخلات الإنتاج الزراعي حرصاً على تمكين المزارعين من الاستمرار بعملهم، باعتبار القطاع الزراعي هو الحامل للأمن الغذائي، وتحقيق ما أمكن من الاكتفاء الذاتي في ظلّ الظروف التي يمرّ بها البلد، ولكن المجلس لم يتخذ أي قرارات تترجم هذا الدعم سوى رفع أسعار مستلزمات الإنتاج أكثر فأكثر!.
لماذا انتعشت تجارة المازوت؟
لقد أجاد المدافعون عن رفع سعر المازوت في جلسة مجلس الوزراء يوم 30/10/2024 بوصف الواقع كما هو “بسبب وجود أكثر من سعر نشأت أسواق موازية للمازوت وأصبحت ذات جدوى اقتصادية بذاتها، بحيث أصبحت بعض الفعاليات تتاجر بمادة المازوت.. إلخ”!
هذا التوصيف الرائع يطرح سؤالاً حول معالجة هذا الواقع: لماذا انتعشت تجارة المازوت؟.. وبالتالي فإن السؤال الأكثر أهمية: هل الحلّ برفع أسعار المازوت أم بتوفيره بالكميات التي تحتاجها الفعاليات الصناعية والزراعية والخدمية؟.
وإذا كانت الحكومة غير قادرة على تأمين المادة، فلماذا لا تسمح للقطاع الخاص باستيرادها من القطع الأجنبي الناجم عن صادراته أو من ودائعه في الخارج؟.
وهذا الإجراء الذي سبق تطبيقه لمدة قصيرة هو الذي يتيح “زيادة كفاءة الإنفاق العام على المستوى الوطني، وتوزيع الموارد ليتمّ تقليص العجز لإعادة ضخها في قنوات تنموية مناسبة، سواء في تحسين الرواتب والأجور أو غيرها من القنوات”.
الكمية الموزعة قليلة جداً
ونستنتج من تصريحات وزير النفط فراس قدور للإعلام بأن الكميات المتاحة الموزعة من الوزارة قليلة جداً، فهي لا تتجاوز 3.2 ملايين ليتر يومياً، منها 2.8 ملايين يوزع بسعر 2000 ليتر المدعوم من إجمالي الاحتياجات البالغة 7.1 ملايين ليتر.
حسناً، إذا كانت بعض الفعاليات -حسب تأكيد الوزير- التي تحصل على المازوت المدعوم تتاجر بمخصّصاتها، فهل التسعيرة الجديدة ستوقف المتاجرة أم ستزيد سعر المادة في السوق السوداء؟.
أكثر من ذلك، يقول وزير النفط إن العجز في المادة بعد رفع سعرها سيخفض العجز فيها من 16 تريليون ليرة إلى 10 تريليونات سنوياً، وهذه وصف جيد لما سيحصل، لكن الوزير لم يجب على السؤال: من سيدفع مبلغ الوفر في العجز البالغ 6 تريليونات ليرة سنوياً؟.
هو اختصر الموضوع بإيجاز بليغ: رفع السعر هو سدّ العجز الناتج عن مادة المازوت ما أمكن!!.
سترفع كل الأسعار
وكانت غرفة زراعة دمشق وريفها أكثر وضوحاً ومباشرة، فقد أكد رئيسها محمد جنن أن الغرفة ليست مع قرار رفع سعر المازوت الزراعي، فهي تسعى لتخفيض التكاليف التي توفر المواد، وتزيد الصادرات بأسعار منافسة.
وجزمت الغرفة بأن زيادة سعر المازوت الزراعي سترفع سعر المادة في السوق السوداء، ما سيؤدي إلى آثار سلبية على المزارعين والمستهلكين، ورأت أن القرار لم يأخذ بعين الاعتبار الحلقات الأضعف.
كما أكد بعض الخبراء أن زيادة سعر المازوت الموزّع على القطاع الزراعي والمنشآت الصناعية الزراعية، ستلهب أسعار جميع المواد وستتسع السوق السوداء للمادة، في الوقت الذي كان المواطنون يتوقعون فيه أن تقوم الحكومة بتخفيض الأسعار وليس زيادتها.
المصدر:
http://syriasteps.com/index.php?d=126&id=200265